الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تُؤْمِن بما نُؤْمِن به ؟

يوسف بن الغياثية

2006 / 3 / 24
المجتمع المدني


هل سنضطر إلى التفضيل بين الإيمان والحرية ؟
كنا قد حضرنا ندوة في جامعة محمد الخامس حول دور العقائد في الحوار الحضاري العالمي. ولا أذكر كثيرا مما وقع في الندوة إذا استثنينا بعض الأحداث التي مازالت عالقة ."، وأذْكُر أن أحد الإخوة الموريتانيين سألني بعد المداخلة سؤالا ربما كان غريبا بعض الشيء هو : "هـل تؤمن بما نؤمن به ؟"
وكنت أجبت الطالب أنني لن أرد على هذا سؤاله حتى لا تتحول إلى تقليد أو عـرف يُلْـزِم الناس بأنْ يصرحوا بعقائدهم قبل الإقدام بأي عمل اجتماعي ونحوه. ومن ثَـمّ، بقي سؤاله معلقا ويحسن به أن يبقى كذلك. إن السؤال عن العقائد مُخِـلٌّ بالتوازن الاجتماعي وبالسِّلْـم أيضا. وعدت بعد أُمّـة أتساءل عن لو أجبته بكوني لا أؤمن بما يؤمن به هو أو غيره ؛ فبماذا يمكننا أن نتنبأ لو أخبرته ؟ ماذا لو أتيح لهذا أن يتسلط على رقاب الناس ؟
والحقيقة أني لست مضطرا للإجابة على مثل هذا السؤال ؛ بكل بساطة لأن السائل غير معني بالإجابة عليه، قطعا وبته ! ومثل هذه الأسئلة - مع اعتقادي - أنها بريئة وتنِمّ فقط عن صدمة مما طرحته الورقة التي عرضتها، على بساطة ما طرحته فيها، والذي لم يكن خارقا.
وكان مما تعرضت إليه فيها أنني افترضت أن حرب الردة لم تكن حربا دينية صِرْف، بقدر ما هي حرب سياسية عادية تحدث إلى اليوم حين تعلن مقاطعة أو إقليم من الانفصال عن المركز. فقد رفض الخليجيون (اليمامة والبحرين وغيرها) آنذاك إيتاء الزكاة ، باعتبارها ضريبة تُسلَّـم إلى خزينة الدولة المركزية بالمدينة المنورة. وامتناعهم عن أدائها معناه من وجهة نظر المدينة والقائمين فيها تمردا على الشرعية وتقويضا للنظام القائم.
وأقول هذه وجهة نظر تُبْحَث بما لها من صواب وتسديد وبما لها من قصور وخطإ أيضا. ونحن هنا لا ندخل في خانة المحاسبة الإيمانية. ولهذا السبب لم أقبل الإجابة عن السؤال الذي طرح عليّ لأنه لا علاقة له بتحليل قطعة من تاريخنا المجيد ونقدها حلوة كانت أو مُـرّة، بيضاء ناصعة كانت أم سوداء حالكة. إنها في النهاية جزءٌ من كياننا ووجداننا، وكوننا نعيد التفكير فيها وتقليب النظر في بعض من فترات هذا التراث لا يعني أننا نتبرأ منها لصالح اعتناق "سانت بارطيلمي" [La Saint-Barthélemy] ، مثلا. فالحروب الدينية لا تزال قائمة بسبب البحث عن الإجابة عن السؤال : "هـل تؤمن بما نؤمن به ؟" "هـل يؤمنون بما نؤمن به ؟"
إنه بسبب هذا السؤال، ذهب الآلاف إلى القبور بحد النصال.. وبقدر ما أثار سؤال هذا الطالب الكريم البسمة التي تُنبِئ عن المحبة والدهشة، بقدر ما رأيت في سؤاله قرعا لأجراس محاكم التفتيش والتقصي وقد يُعتبَـر إعلان حرب على العقائد المخالفة والآراء التي لا تنسجم مع السمفونية العامة، والتي قد لا تُستساغ ؛ ولو أني لا أملك سوى رأي مخالف، لا عقيدة مخالفة.
ولكن، إذا كان هذا فيما بيننا - نحن المسلمين - فماذا عنا مع غير المسلمين ؟ وما يمكن أن نقوله عن التطرف في الإسلام، يقال عنه في اليهودية والهندوسية والبوذية والنصرانية، والتاريخ يشهد على كل هذه المتناقضات الدينية والمجادلات العقدية وحتى التصفيات الجسدية، وقد ذكرنا أمثلة من الردة وحروبها، ومحـن الطائفة السُّنِّية مع المعتزلة في قضية "خلق القرءان"، ومحـن هؤلاء مع السنة عندما استردوا السلطة ؛ ومن ذلك مذابح الحروب الدينية في فرنسا التي تعد من الدوافع إلى اعتبار الدين سبب البلايا ومصدر الرزايا عند من يذهب هذا المذهب في أوروبا والغرب عموما. ولا حديث عن المقلدين من بني جلدتنا والذين لا يفرقون بين السياقات الثقافية والفروق التاريخية بين حضارة وأخرى...
إن السؤال : "هـل تؤمن بما نؤمن به ؟" سؤال مُتَّهِـم ؛ يتهم المسؤول ويفترض تغليبا لانحرافه وأنه أحوج إلى التقويم، إن لم يكن التأديب والتصحيح، وربما الاستتابة أو التعجيل به إلى دار البقاء... أما معاناة المسؤول فتكون كبيرة جـدا. فتحصل المعاناة من جانبين :
أما الأول : فهو الخوف من هجوم السائل بالعنف المادي أو الرمزي، وهو خوف طبيعي يحصل لأي إنسان يدخل دائرة اتهام أو يكاد، وخصوصا في حال اتهامه ظلما بشيء، وما أدراك ما جريرة الخروج من المِلّة أو التصنيف داخل خانة العداء للأمة.
وأما الثاني : فهو الخوف على السائل نفسه من أن يعطي لنفسه صلاحيات هي لله وحده وليست لغيره. "إن الدين عند الله الإسلام "، وليس لأحد آخر أو غيره...
ومن ثَـمَّ، فرفقا بالسائل وانفتاحا عليه ربما يدع الواحد منا ييريده أن ينأى بنفسه عن الاعتداد بإيمانه فيزكي نفسه، ويتعالى بعقيدته ودينه مثل ما تعالى صاحب الجنتيْن على صاحبه وهو يحاوره . وذهب به الظن إلى أن الساعة قد لا تقوم. وحتى وإن قامت ورُدَّ إلى بارئِه ليجدن أحسن منها منقلبا !! ويبدو أن هذا الإنسان كمن اتخذ عند الله عهدا..
إذن، فكما يُتعالى بالمال والعلم والقوة بأنواعها، قد يُتعالى أيضا بالإيمان وتزكية النفس.. فهل تؤمـن بما نؤمـن به ؟ هل يؤمن أولئك بما نؤمن به ؟ لم تعد القضية هي هل نؤمن، ولكن كيف نؤمن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا


.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر




.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة


.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا




.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة