الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرك الديمقراطية في أفغانستان

جوزيف بشارة

2006 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد أن وضعت ما أطلق عليها "الحرب على ألإرهاب" رحاها في أفغانستان، وبعد أن تم استبدال حكومة حركة طالبان بحكومة شبه مدنية برئاسة حامد كارازاي، ظن الغرب أنه تمكن من القضاء على الفكر الديني المتطرف في ذلك البلد الصحراوي الفقير. بدأ الغرب عندئذ في إعداد الشعب الأفغاني لمرحلة ما بعد بطش حركة طالبان وإرهاب تنظيم القاعدة من خلال تقديم خبرات سياسية وقانونية، ومساعدات إقتصادية ومالية، ومعونات لوجيستية وعسكرية. كان كل ماسعي إليه الغرب هو بناء دولة أفغانية مدنية ديمقراطية منفتحة ومتحضرة تقوم على المبادئ الأساسية القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان وحرية العقيدة وحرية التعبير. لقد أرادها الغرب قطعة من الجزء المتحضر من عالم اليوم لا قطعة من الجزء المتخلف من عالم الماضي السحيق. ظن جميع المراقبين أن الشعب الأفغاني تعطش لنسمات الحرية وتشوق لممارسة الديمقراطية كغيره من شعوب دول العالم الثالث الأخرى التي رزحت تحت الإستبداد والدكتاتورية، والتي ما أن جاءتها فرصة الإنطلاق نحو مستقبل أفضل حتى تشبثت بها واستثمرتها كما حدث بدول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا بعد إنهيار النظم الدكتاتورية بها.

منح الغرب الأفغان الحرية في كتابة دستورهم الجديد وسن قوانينهم التي تحمي خصوصيتهم كشعب إسلامي عشائري متعدد العرقيات. لم يكن أكثر المتشائمين تشاؤما يتوقع أن ينصب الأفغان شركا للحرية والديمقراطية المنشودتين عندما أقروا بأن أفغانستان دولة إسلامية يحكمها القانون الإسلامي الذي لايرقى إليه ولا ينسخه أي قانون أخر. جاء الدستور الأفغاني الجديد الذي تم إقراره في يناير 2004 دستورا دينيا وإن نص، ربما لمجاملة الغرب، على الإلتزام بميثاق الأمم المتحدة وإحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ما أن تم إقرار الدستور حتى تعالت الأصوات الغربية للإشادة بالتجربة الديمقراطية الأفغانية بإعتارها نموذج يرعى خصوصية المجتع الأفغاني المسلم، حتى أن بعض القادة الغربيين اعتبروا التجربة الأفغانية نموذجا يمكن لبقية الدول الإسلامية حذوه. لم يدرك الغرب الذي طالما نصب نفسه مدافعا عن المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان خطورة أن يكون الدستور الأفغاني دينيا خالصا إلا بعد إحالة أحد المواطنين الأفغان إلى المحاكمة بتهمة الإرتداد عن الإسلام. جاء قرار إحالة المواطن المرتد بمثابة الصدمة للشعوب والحكومات الغربية التي سارعت بالإعراب عن قلقها من هذه الخطوة التي اعتبرتها ارتدادا عن طريق الحرية الجديد الذي سلكته أفغانستان بعد سقوط حكم طالبان.

حقيقة أنا لا أدري كيف توقع الغرب أن تنجح الديمقراطية وتزدهر حرية العقيدة في ظل دستور ديني صريح. فالغرب الذي عانى طويلا من تسلط الدين والكنيسة وضحى كثيرا في سبيل الحرية كان ينبغي عليه أن يفطن إلى الشرك الذي نصب لليمقراطية الوليدة في أفغانستان، وكان عليه ألا يتوقع الكثير من هذا الدستور الديني الجديد. يبدو ان الغرب، مدفوعاً برغبته في الحفاظ على التأييد الدولي والمحلي لوجود قواته بافغانستان، قد أغمض عينيه عن الدستور الأفغاني الجديد الذي يعتمد، حسب مادته الثالثة من الميثاق الثاني، الشريعة الإسلامية مصدراً أعلى ووحيداً للقانون. لست هنا بصدد مناقشة القوانين الإسلامية، ولكن ما أريد إيضاحه هو أن الدستور الأفغاني الجديد، الذي تم سنه بعد انهيار نظام طالبان، يجعل من أفغانستان دولة دينية لا مدنية. من المؤكد أن حرية العقيدة تنتفي تماماً حين ينص الدستور في مواده الاولى والثانية والثالثة على أن "الإسلام هو الدين الرسمي للدولة" وأن "من حق أتباع الأديان الأخرى ممارسة شعائر أديانهم بحرية في إطار حدود القانون(الإسلامي)"، حيث "لايعتد بأي قانون يخالف العقيدة الإسلامية المقدسة".

لقد خان التوفيق القادة الغربيين حين أشادوا بالتجربة الديمقراطية في أفغانستان، لأن هذه التجربة لم تتعدى حتى الأن إجراء إنتخابات برلمانية، في حين أن معظم الملامح الاخرى التي تتغذى عليها وتترعرع فيها الديمقراطية كالحرية والإستقرار والتسامح والتعددية والتفاعلات الإجتماعية الإيجابية بين مختلف فئات المجتمع الأفغاني تكاد تغيب تماما عن المجتمع الأفغاني. فما زالت الانباء تتحدث بصفة دورية عن المنازعات بين القبائل والعشائر المتعددة، فضلاً عن التمييز ضد المرأة حيث لا يزال التطرف الديني والتمييز يضربان بجذورهما في المجتمع الأفغاني.

لم تكن محاكمة المواطن الأفغاني الذي ارتد عن الإسلام مفاجئة على الإطلاق، فقد كان من المتوقع أن لا تسود حرية العقيدة مجتمعا إختار دستورا دينيا أحادي النظرة والتوجه. من المؤكد أن المواطن الأفغاني المتهم بالإرتداد عن الإسلام سيحاكم طبقا للمادتين الثانية والثالثة من الميثاق الأول بالدستور الأفغاني، ومن الممكن أن يصدر بحقه حكم بالإعدام طبقاً للشريعة اللإسلامية ما لم يعد هذا المواطن إلى الإسلام. من المؤكد أن هذا الدستور "اللامدني" ليس هو الدستور الذي يطمح إليه كل باحث عن الديمقراطية بمبادئها التي لا تتجزأ والتي تعتبر حرية العقيدة من اهمها على الإطلاق. لكن ديمقراطية أفغانستان التي يفخر بها الغرب هي ديمقراطية مزيفة، عمياء، ترتدي ثوب تطرف حركة طالبان وإرهاب تنظيم القاعدة.

محاكمة عبد الرحمن لن تكون حالة خاصة ولكنها ستكون حالة عامة إذا ما استمر التشدق بالتطرف الديني في مجتمعاتنا. لن تكون محاكمة عبد الرحمن حالة خاصة طالما غابت الدولة العلمانية والدستور المدني والمجتمعات الديمقراطية، ولن يكون عبد الرحمن الحالة الوحيدة طالما بقيت سيطرة الدولة الدينية على حرياتنا الأساسية التي كفلتها القوانين الدولية. فالدولة الدينية يهودية كانت أو مسيحية أو إسلامية خطر يهدد مستقبل حرياتنا. لا أرى أن تدخل الغرب لفرض حرية العقيدة شيئا مرغوبا على الإطلاق، فالمبادئ التي المفروضة بالقوة تظل جوفاء عديمة الجدوي تخلف مرارة في الحلوق وأحقادا في القلوب، والمبادئ التي لا تنبع من المجتمع ذاته هي كحبة الزهرة التي تغرس في الرمال لا تثمر إلا أشواكا تدمي الأيادي القاطفة والأقدام السائرة. لا أرى دورا للقوى الخارجية في إنشاء المجتمعات الديمقراطية الحرة، ولكني أرى دورا واجبا على القوى الفاعلة بالمجتمعات العربية والإسلامية كقوى دافعة لمستقبل أفضل يحمي حرياتنا ويرعى خصوصياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah