الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار حول العلمانية

جعفر المظفر

2018 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البيئة التي دخلت فيها العلمانية مواجهاتها مع الفكر الديني الكهنوتي في الغرب كان لها التاثير الأكبر على حسم الصراع لصالح العلمانية ولم يأتِ الحسم نتيجة لقوة الإقناع الفكري.
لنفكر بالمدخل التالي: لدينا مقاتلان يلجان إلى ساحة حرب مشتعلة, الأول مفتول العضلات ولكن بدون درع أو خوذة, والثاني هزيل البنية ولكنه مدرع بأجهزة واقية. لو إلتقى الأول مع الثاني في حلبة ملاكمة أو مصارعة لما إحتاج الأول سوى لثوانٍ معدودات كي يلقي بالثاني أرضا, لكنهما في مواجهة نيران ساحة الحرب فإن من المتوقع أن يخرج الثاني سالما, بينما سيكون مقدرا للأول ان يكون ضحية لنقص تدرعه.
في مقدمة أنواع الدروع التي أعنيها هي أن العلمانية والتنوير الديني في الغرب لم يأتيا على هيئة فكر تبشيري متجرد من أسلحته المادية وإنما أتيا كحاجة لصراع موضوعي محتدم بين حركة علمية وإنتاجية وصلت إلى مستوى متطور كان أهَّلَها لكي تقاتل باسلحة فعالة وبدروع متينة جعلت أصحابها يتحملون الإصابات ويطاولون الصراع حتى النصر.
في أوروبا وقبل إنتصارها أتت العلمانية نتيجة لصراع بنيوي شامل ومركب ومتفاعل في ساحة المواجهة مع الكنيسة. كانت هناك الحاجة العلمية لحسم الصراع بعد أن إصطدمت حركة الإبداع والإكتشاف والإختراع مع الأيديولوجية الدينية المستندة إلى تكريس قيم ومثاليات دينية مطلقة ومتخاصمة مع جدلية الإكتشاف العلمي التي تبدأ من خلال إطلاق العقل في فضاء غير مقيد بالمثاليات الكنيسية.
مثلا كان هناك غاليلو الذي أكد على أن الأرض هي التي تدور حول الشمس ولهذا فهو كان حوكم وتهدد بأقسى العقوبات ما لم يتراجع عن نظريته تلك ويعود للإيمان بالنظرية التي تؤكد على أن أرضنا هي مركز الكون وسيدته في حين أن كل الكواكب الأخرى هي التي تدور حولها.
بعد ذلك تأكد أن أرضنا هي كالنقطة في كتاب لا يمكن عد صفحاته ولا كلماته, وأن من صفاته أن يظل مفتوحا إلى ما لا نهاية مستعدا لإحتواء حقائق جديدة تأتي بها إكتشافات مستندة إلى عقل غير مقيد بمطلقات الكنيسة ومثالياتها تلك التي تجعل العقل طرفا متلقيا لا وظيفة له غير تلقي تعليمات الكنيسة ومثاليات الكتب المقدسة.
ولو أن الكنيسة كانت هي التي حسمت الصراع في حربها مع العلمانية لظلت الأرض حكرا على الدواب والزواحف وما شهدت السيارة والقطار وحتى الدراجة, ولظلت السماء حكرا على العصافير ولما شهدت الطائرة والصاروخ, أما المركبات الفضائية الهادفة لإكتشاف الفضاء فكان مقدرا ان لا تتوقف عقوبة الحرق على القائل بها وإنما تمتد لتشمل جميع أهله من الأحياء وتنبش قبور أهله من الأموات. .
والنصر المتحق كما هو واضح لم يكن يعني التغلب على الدين وتعليم الناس ضرورة الإنصراف عنه, وإنما إجبار الكنيسة كي تعطي للعلم والمعرفة وحركة الإنتاج حرية النشاط وتتخلى عن قمعه أو تكفير القائمين به.
وما حدث ان العلمانيين لم يأخذوا رجال الكنيسة أسرى أو يغلقوا عليهم معابدهم بالشمع الأحمر, ولم تنته المعركة إلى وضع فيتو على نشاط رجال الدين وإنما أقنعوا الكنيسة على رفع الفيتو ضد الحركة العلمانية ثم اجبروهم على الجلوس في منابرهم يوم الأحد وترك بقية ايام الأسبوع للسياسيين لكي يتدبروا أمور الخلق.
في مرحلتنا الحالية العلمانيون في العراق وفي أكثر الساحات المجاورة يخوضون الصدام عراة بدون دروع وخوذ كتلك التي كان إمتلكها العلمانيون في أوروبا, في مواجهة فكر ديني مدرع ومجهز بكل وسائل الدفاع والهجوم.
ما كنت أراه أن الفكر العلماني في العراق سوف يبقى لأمد هو الطرف الأضعف لأن البيئة التي تحيطه قد جردته من دروعه وأسلحته وحرمته من أن يطور وسائل وأليات المواجهة التي كانت قد توفرت للحركة العلمانية في الغرب, ولذلك قد يرى البعض أن دورنا التنويري سيبقى فكريا تبشيريا يفتقد إلى البيئة التي تدرعه لحين تغير البيئة المتخلفة, علميا وإنتاجيا, بشكل يجعل عملية تلقي الفكر التبشيري والتفاعل معه والإستجابة له تاتي على شكل حاجة له ولا يأتي على شكل ترف فكري وزينة ثقافية.
لكن ذلك لم يكن ليس سليما بالمرة, فالطريق إلى العلمانية ليس واحدا. إذ هكذا كنت أتصور, لكن تطور الأحداث من حيث تركيبتها وسرعتها كان قد ألغى هذا الإعتقاد. لقد وضعنا أنفسنا حينها في خانق التطور الميكانيكي, لكن الإنسدادات التي جابهتها حركة الإسلام السياسي سرعان ما جعلتنا ندرك أننا بتنا في حاجة للعلمانية باشد ما كانت عليه أوربا في عصر التنوير, فإذ كانت العلمانية قد جاءت في الغرب لفصل الدين عن الدولة لأغراض تتعلق بإنصراف الكنيسة لواجباتها الروحية وترك الحكم للسياسين فإن حاجة البلدان المتخلفة لها تنطلق من ضرورات تتعلق بحماية هذه المجتمعات من الإنقراض لأن العالم بدأ يتطور بسرع صاروخية باتت تهدد بطرح أسئلة تتعلق بمدى حاجة العالم إلى بقاء مجتمعات قد باتت خارج مداره, لذلك تبدو العلمانية هنا كمناهج فكرية وسياسية وفلسفية تتحدث عن معنى بقاء هذه المجتمعات إذا ما بدأت تفقد لغة التخاطب مع العالم المتطور, وهذه هنا أي العلمانية قد صارت تتحدث عن حاجات بقاء وليس عن حاجات تطور, وفي المجتمعات التي تحتدم فيها الصراعات الطائفية, كالعراق مثلا, فإن بقاء الهيمنة الدينية يسرع ويعمق عوامل زوال هذه المجتمعات لأنه يعرقل ويكبح محاولات العبور إلى الحد الأدنى من مستويات السلام الإجتماعي وهو اللازمة المطلوبة لإجتياز حالات التآكل الداخلي.
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفيزياء ثم الفيزياء ثم الفيزياء
محمد البدري ( 2018 / 7 / 17 - 05:00 )
عند الحديث عن الفيزياء فنحن نتحدث عن المادة ولا شئ في الوجود الا مادة وحركة. وعلي هذا الاساس اشكرك علي قولك -العلمانية والتنوير الديني في الغرب لم يأتيا على هيئة فكر تبشيري متجرد من أسلحته المادية -
لان تقسيم العمل علي قاعدة نمط الانتاج الاقطاعي هو مادي وتصور شكل الكون علي قاعدة من حركة افلاكه وتحواته مادته الارضية هو مادي حتي اللغة التي اصلح فرانسيس بيكون اول ضارب بمعول العقلانية في ثقافة الكنيسة بعضا من اسسها التعبيرية هي مادية. الامثلة كثيرة وتؤكد كلها ان العقل تم توجيه بوصلته الي الماديات بدلا من اللاهوتيات. فاللاهوتيات حكمت اوروبا طويلا ولم تحققق شيئا. نحن إذن في حاجة الي عقلانية تضرب في نصوص الاديان التي حكمت باطول مما حكمت الكنيسة في الغرب لان لدينا دينا احمق اسمه الاسلام لم يحول احدا الي قن في الارض او عمالة في مجتمع صناعي بل الي عبيد لا نعرف لهم سيدا ينبغي قتله. وتحياتي لك ولينيتشه رغم كراهية الكثير من اليسار له


2 - المقارنة والتقليد تضييع للوقت والجهد
nasha ( 2018 / 7 / 17 - 08:15 )
شتان ما بين حالة اوربا قبل 500 سنة وبين حالة العراق والدول الاسلامية اليوم للاسباب التالية-;-
1- لم يكن لاوربا في ذلك الزمان نموذج لتحتذي به وانما كان تطورها نابع من ذاتها ومن ثقافتها.
2- القيم الثقافية الاوربية المسيحية تختلف اختلافا جذريا عن القيم الثقافية الاسلامية في كل العصور.
3- سرعة تبادل المعلومات اليوم لا تقارن باي شكل بسرعة تبادل المعلومات قبل 500 سنة
4- لم تشكل المسيحية كثقافة عائقا للتغيير بل كانت الوعاء الذي احتضن العلماء والادباء والفنانين . المقاوم للتغيير كانت السلطة بشكليها السياسي والكنسي .
الاسلام ليس فقط ثقافة عامة وانما ايديولوجية سياسية متجذرة في عقول الناس ومن الخطأ المقارنة بينه وبين المسيحية. المسيحية ثقافة عامة لا تملك مقومات ايديولوجية سياسية.
على المفكرين والمثقفين المسلمين ابداع حلول جديدة لحل لهذه المعظلة والا سنبقى مكانك راوح الى الابد
تحياتي

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa