الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة القتيل للحياة ورومانسية الوهم المريض

طلعت رضوان

2018 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتب الأستاذ صبرى زمزم مقالامُـهمًـا عن الشاعرأمل دنقل "أهرام22يونيو 2018"وأشارفيه إلى قصيدته التى ردّد فيها تعبيرلاتصالح..وإذا كان السياسيون لهم توجهاتهم الأيويولوجية..فإنّ الكارثة الحقيقية تتجسّـد أكثر..عندما يتبنى المُـبدع هذا التوجه الأيديولوجى..ويُـعبّرإبداعه عن تلك الرومانسية المريضة..مثلما فعل الشاعرالكبيرالموهوب أمل دنقل فى قصيدته (مقتل كليب) التى أخذتْ اسم (لاتُصالح) وبعد أنْ قرأتُ مقطعها الأول، تساءلتُ كيف لشاعرأنْ يتبنى العنف، بينما الإبداع يسعى لترسيخ التحضر؟ وتضخم التساؤل مع ولع الثقافة السائدة بهذه القصيدة..كستارمن الدخان يعمى عن حقيقة أنّ مأساة الشعب الفلسطينى لن تــُــنهيها قصائد التحريض الرومانسية التى تنص على (إما نحن أوهم) فإذا كانتْ مرجعية الشاعرمستمدة من التراث العربى (مقتل كليب) وأنّ الصلح لن يتم إلاّبعودة القتيل إلى الحياة (= طلب المستحيل) فإنّ الإسقاط على قضية الفلسطينيين يعنى عودة عقارب الزمن إلى عام تقسيم فلسطين، أى إجراء عملية جراحية (إنْ جازالتعبير) فى جسد الماضى..فتتنازل إسرائيل عن كل انتصاراتها الساحقة..ويعود الوضع كما كان قبل عام التقسيم (= عودة القتيل إلى الحياة) هنا يتبيّن أنّ الثقافة السائدة المولعة بالشعارات لم تــُـدرك التناقض الذى وقع فيه الشاعرعندما قال ((إنها الحرب/ قد تــُـثقل القلب/ لكن خلفك عارالعرب/ لا تــُـصالح/ ولاتتوخ الهرب))
صحيح أنّ الهرب مرفوض..ولكن إذا كان الفلسطينيون خلفهم ((عارالعرب)) فكيف يُمكن أنْ يتخلــّـصوا من هذا (العارالعربى) وهم ملتصقون ببعض التصاق الجنين بالمشيمة؟ هذا السؤال واحد من أسئلة كثيرة مسكوت عنها فى قصيدة الشاعر..كما أنّ القصيدة تمتلىء بالصياغات التقريرية والبديهيات الطبيعية مثل قوله ((أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبتْ جوهرتيْن مكانهما/ هل ترى؟)) فما الجديد الذى أضافه الشاعرلوعى القارىء؟ فأى إنسان يعلم هذه البديهية..كما أنّ الشاعرانزلق وراء الصياغة الشاعرية متجاهلا أنّ الإنسان الحريُدرك ويرى بصيرته أكثرمما يرى ويُدرك ببصره.
تأثرأمل دنقل بالتراث العربى..فأخذ ما حدث عن حرب البسوس..وجملة اليمامة الشهيرة ((أنا لا أصالح)) وأسقطه على مأساة الشعب الفلسطينى..وجاء فى كتب التراث العربى عن موقف اليمامة التى توهـّـمتْ امكانية تحقيق المستحيل ((فلما جاءتْ الوفود ساعية إلى الصلح..قال لهم الأميرسالم: أصالح إذا صالحتْ اليمامة..فدخلتْ عليها أمها الجليلة القبيلة وقالت: أما كفى؟ فقد أهلكتْ الحرب رجالنا..وساءتْ أحوالنا..ومات فرساننا..فقالت لها اليمامة: ((أنا لا أصالح ولولم يبق منا أحد يقدرأنْ يُـكافح)) واعترف الشاعردنقل بالهدف الذى جعله يكتب تلك القصيدة فقال ((حاولتُ أنْ أقدم فى هذه المجموعة حرب البسوس التى استمرتْ أربعين سنة..عن طريق رؤية معاصرة..وقد حاولتُ أنْ أجعل من كليب رمزًا للمجد العربى القتيل، أوللأرض العربية السليبة..ولانرى سبيلا لعودتها إلاّبالدم..وبالدم وحده)) (مجلة آفاق عربية– عام 1981، وص372 من ديوان الشاعر)
فإذا كانت اليمامة (ابنة كليب) مصابة بالرومانسية عندما قالت ((إنى لا أصالح إلى الأبد، مادامت روحى فى هذا الجسد)) فكيف انتقلتْ العدوى إلى الشاعرالذى عاش فى القرن العشرين؟ ولماذا لم ينتبه إلى أنّ عدم الصلح يعنى القتال..وأنّ القتال يعنى الاستعداد للحرب..وهذا معناه (توازن القوى) فى المنطقة.. وهوتوازن غيرمُــتحقق، لأنّ كل المؤشرات تؤكد تفوق إسرائيل على كل الأنظمة العربية..وتخاذلها وعدم وقوفها مع الشعب الفلسطينى عندما كتب ((إنها الحرب/ قد تــُـثقل القلب/ لكن خلفك عارالعرب)) وهنا كان الشاعر(المريض بطلب المستحيل) لم يهتم بنتائج تلك الحرب التى يتمناها..ونتيجتها المُـرعبة..كان همه (الوحيد) الاستمرارفى الحرب حتى لومات الشعب الفلسطينى كله..عملا بقول اليمامة ((أنا لا أصالح ولولم يبق منا أحد يقدرأنْ يكافح))
وإذا كان الشاعركتب ومضى (فهذه رؤيته وهذا حقه) فإنّ الكارثة تكمن فى الثقافة السائدة المولعة بالإبداع أحادى النظروالذى يجترتراث العنف دون أفق إنسانى يبتكرتصورات لمجتمع بشرى أقل تعاسة وأكثرسعادة..وكما احتفتْ الثقافة السائدة بقصيدة (لاتصالح) سبق لها أنْ فعلتْ نفس الشىْ مع قصيدة (إما أنْ نكون أولانكون) ل (على أحمد باكثير) وفيها قال ((لاصُلح ياقومى وإنْ طال المدى/ وإنْ أغارخصمنا وأنجدا/ وإنْ بغى وإنْ طغى وإنْ عدا)) إلخ. الفساد الشعرى هنا يكمن فى توظيف جملة شكسبيرالفلسفية لأغراض السياسة وفوقها ديماجوجية فجة..مثلها مثل فساد طلب عودة القتيل إلى الحياة..وفى كل الحالات يجد العقل الحرأنه أمام دوائرعبثية من اجترارالذهنية العربية التى ترى (إما الكل أولاشىء) وهى ذهنية عبّرعنها شاعرعربى قديم (عمروبن كلثوم) فى قوله ((وإنــّـا أناس لاتوسط بيننا/ لنا الصدردون العالمين أوالقبر)) وقال أيضًا ((لنا الدنيا ومن أمسى عليها/ ونبطش حين نبطش قادرينا/ طغاة ظالمون وما ظــُـلمنا/ ونظلم حين نظلم بادئينا)) أليستْ دائرة الثأرالجهنمية هى دعوة للانتحارالجماعى..كما تفعل حماس التى ترى أنّ بقاءها وحصولها على أموال الشعوب العربية والإتحاد الأوروبى مرهون باستمرارشقاء الشعب الفلسطينى حتى ولوأدى الأمرإلى فنائه..وكان أ.عبدالرحمن الراشد على حق عندما ذكرأنّ الرافضين لإطلاق سراح شاليط (الجندى الإسرائيلى) لايهمهم مأساة مليون فلسطينى، لأنّ ذلك لوتم فلن يكون هناك حصارومواجهات وقضية يرفعون قميصها كل يوم لأغراضهم الأخرى (صحيفة الشرق الأوسط 1/6/2010ص13)
وإذا كان بعض الشعراء المعاصرين لنا يلوكون تراث الماضى القائم على لغة الخطابة الحماسية..ومأثور"السيف أصدق أنباءً من الكتب" فهل يأتى يومٌ يكون فيه (المجد للقلم وليس للسيف)؟ أى تعظيم قيم التحضرلمواجهة خطاب العنف وآلياته؟ سؤال أترك إجابته لعقل وضميرالثقافة السائدة فى مصر..وإلى متى يظل العرب (ومعهم قطاع عريض من المُــتعلمين المصريين) داخل دوامة (الرومانسية المريضة) وهل يمكن لأمثالهم الخروج من وحل طين طلب المستحيل؟ وهل يمكن أنْ يأتى يوم تكون فيه البشرية (قد) نجحتْ فى (قتل) الرغبة فى القتل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف