الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدب الأوروبى والدفاع عن الشعوب الإفريقية

طلعت رضوان

2018 / 7 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى القرن العشرين ظهرمُـبدعون أفارقة دافعوا عن الخصوصية الثقافية لشعوبهم، ونالوا شهرة يستحقونها وبعضهم فازبنوبل مثل الأديب (ج. م. كويتسى) عن (رواية العار) والأديبة (مونيكا على) الفائزة بالبوكرعن روايتها (بريك لين) والأديب (تشنوا أتشيبى) وروايته البديعة (أشياء تتداعى) إلخ. وإذا كان من الطبيعى أنْ يـُـبدع الأفارقة عن شعوبهم وتاريخهم مع الاستعمارالأوروبى..فإنّ إبداع بعض الأوروبيين عن نزعة الأوروبى العنصرية واحتقاره للأفارقة، يكون له أهمية خاصة فى التأريخ لحركة الأدب عن أفريقيا، مثلما فعلتْ الروائية البريطانية (دوريس ليسنج) فى روايتها (العشب يغنى)
تبدأ الرواية بجريمة قتل: القتيلة البريطانية (مارى) والقاتل خادمها الزنجى الذى اعترف بأنه هوالفاعل..فهل اعترف تحت إكراه أم لا؟ وإذا كان هوالقاتل فلماذا قتلها؟ اكتفتْ المبدعة بهذه البداية لتحفرداخل حياة القتيلة، التى تزوّجتْ من (تيرنر) البريطانى البائس الذى يمتلك مزرعة فى روديسيا..ويقضى نهاره كله وسط العمال..وبالرغم من ذلك كانت كل الظروف ضده..فكان يخسرما جمعه ويستدين..وهكذا باستمرار.
وكان مسترسلاترصاحب مزرعة قريبة من مزرعة تيرنر..ويـدّعى صداقته لتيرنرفى الوقت الذى يشعرفيه بالسعادة كلما تراكمتْ ديونه..لأنه يرغب فى ضم مزرعة تيرنرإلى مزرعته..وعندما حانتْ اللحظة المواتية عرض شراء المزرعة..وهوالعرض الذى فسّـره تيرنر(بالطرد من مملكته الخاصة) وبعد أنْ أغراه بمبلغ الشراء أجبره على أنْ يكون رحيله سريعـًـا فقال له تيرنر((أنت تطردنى بهذه الطريقة..وأنا هنا منذ خمسة عشرعامًـا)) (من ص304- 311)
وبالرغم من أنّ الإثنيْن بريطانييْن فإنّ طباعهما مختلفة: تيرنريـُـعامل الأفارقة بأسلوب مُـغايرلأسلوب سلاترالذى يرى أنّ أفضل طريقة للتعامل مع الزنوج تكون باستخدام الكرباج، عكس تيرنرالذى رفض هذه الطريقة..وفضــّـل التعامل معهم بنزعة إنسانية سخرمنها سلاتر، لدرجة أنه كان يقول لتيرنرإنّ ((وجهك لم يسود من تأثيرالشمس (فقط) ولكن من مكوثك الدائم مع الزنوج.
رأتْ مارى أنّ زوجها تيرنر(ضعيف الشخصية) عند مقارنة شخصيته بشخصية سلاتير..وزاد من إقتناعها بهذه الفكرة نجاح سلاتروتحقيق الأرباح من مزرعته، بينما مزرعة زوجها على العكس..وسمعتْ من بعض الأوروبين أنّ سلاترقاسي لايرحم..والكرباج معلق على جداربيته كشعاريقول: إنك لاتعبأ بالقتل لوكان ضروريـًـا..وقال لترنر:ينبغى أنْ تشترى كرباجـًـا قبل المحراث أوالجرافة.
شخصية سلاترتركتْ تأثيرها على مارى التى كانت تكرهه لغروره..ولكنها معجبة بطموحه المُـفتقد عند زوجها..وبدأتْ تشعربالندم لأنها وافقتْ على الزواج من تيرنر..خاصة عندما رأتْ بيت الزوجية (غيرالمسقوف) وأنها تعيش فى بلد (منقوع فى الشمس)
كان العرف السائد أنّ صاحب المزرعة الأبيض لابد أنْ يخدمه أحد الزنوج. وكان تيرنر(رغم فقره) حريص على هذا العرف..فاستجلب زنجيـًـا لخدمته..وبعد زواجه كان يذهب إلى المزرعة ويترك الخادم مع مارى ليقوم بأعمال البيت.
أفرغتْ مارى طاقة غضبها فى الخدم من الزنوج..وكان الخادم يطلب السماح له بمغادرة البيت (بحجج مختلفة) بعد أسبوع أوأسبوعين..وذلك بسبب قسوة مارى..وكثيرًا ما طلب تيرنرمنها أنْ تــُـحسن معاملتها لهم..وأنه احتفظ بخادمه طوال عدة سنين..ولكنها لم تستجب لرغبته فكانت تطلب من الخادم القيام بأعمال أقرب للسخرة..وتــُـصرعلى أنْ يقوم الخادم بحك الأرضية عدة مرات طوال اليوم..ومنعته من تناول وجبة الغداء..قبل أنْ ينتهى من عمله.
وكان من رأى بعض الإنجليزإنّ ((الحضارة البيضاء تدافع عن نفسها..وحضارتنا لن تعترف أبدًا بأنّ شخصًـا أبيض..وعلى وجه الخصوص امرأة بيضاء يمكن أنْ تكون لها علاقة إنسانية..سواء بالطيب أوالرديىء مع شخص أسود..فمجرد الاعتراف بذلك معناه انهيارحضارتنا البيضاء))
واعترف كثيرون أنّ المحاكمة كانت شكلية..ولكن لا أحد بحث أواهتم بالأسباب الحقيقة لجريمة القتل..وأليس من المحتمل أنْ يكون القاتل من البيض؟ وحتى لوكان من الزنوج أليس من المحتمل أنه كان فى حالة (دفاع عن النفس)؟
فى أول يوم بعد الزواج قدّم لها تيرنرالخادم..وظلّ الخادم العجوزينظرإلى الأرض وقال: صباح الخيريا سيدتى.. نظرتْ إليه باستهزاء فقال زوجها: سوف يعتنى بك. إنه ليس خنزيرًا عجوزًا سيئــًـا. لم يسبق لمارى أنْ تعاملتْ مع الزنوج بل كانت خائفة منهم..وبعد أسبوع اتهمتْ الخادم بالسرقة فأنكرولكنها أصرّتْ وخضع تيرنرلغضبها وخصم شلنيْن من راتب الخادم..ولم تقتنع بهذه النتيجة وأصرّتْ على طرد الخادم..فشعرتيرنربالحزن لأنّ خادمه العجوزالذى خدمه كل تلك السنوات سوف يتركه..وكان انتصارها على تيرنريشعرها بالسعادة.
واستخدمتْ قسوتها مع الخادم الجديد الذى أمرته أنْ يدعك حوض الاستحمام طوال النهار..ولما عاد تيرنرمن المزرعة وعلم بالأمرقال لها: الحوض من الزنك..وهذا هولونه وليس قذارة كما تعتقدين..ولكنها لم تقتنع..وتملكها الغضب عندما سمح للخادم بالانصراف لتناول طعامه..فقالت لزوجها: كيف تأخذ جانب الزنجى وتنتصرله؟ فقال إنه إنسان.
وعندما مرض زوجها باشرتْ العمل فى المزرعة وهى تؤرجح الكرباج على معصمها وقالت له: أنا لا أومن بمعاملتهم باللين..ولوكان الأمربيدى لجعلتهم يعملون ويطيعون بالكرباج.
وبلغتْ النزعة العنصرية لدرجة أنه لايجوزللزنجى التحدث بالإنجليزية مع سيده الأبيض..وجسّـدتْ المبدعة هذه العنصرية فى مشهد بين مارى وخادمها الأسود..حيث رفعتْ الكرباج وأنزلته على وجهه فى ضربة عنيفة..وبلغ الإبداع قمته بتصويرالحالة النفسية لمارى: بين صلافتها وجبروتها وشعورالخوف الذى تملكها..حيث سيطرعليها اعتقاد بأنّ الزنجى سينقض عليها..فتكومتْ مرتعبة خاصة عندما فكــّـرتْ فى احتمال تقدم الخادم بشكوى للشرطة..ورغم صراحة القانون فإنّ الشرطة- غالبـًـا- تنتصرللأبيض..ومع ذلك قالت مارى لنفسها: هذا الحيوان الأسود لديه حق الشكوى ضد امرأة بيضاء.
وعن محورالتفرقة العنصرية ذكرتْ المبدعة أنّ رجل الشرطة الأسود لايجوزله أنْ يضع يده على الرجل الأبيض عند القبض عليه..وعندما مرض تيرنربالحمى فإنّ زوجته نظرتْ إليه باحتقارحاد لما أبداه من جبن ((مثل أى زنجى)) والنزعة العنصرية تأكــّـدتْ من النظام المعمول به فى جنوب أفريقيا، حيث أنّ الحصول على عمال من الأهالى للعمل فى المزارع، يكون بنظام (شراء الزنجى بخمسة جنيهات للرأس)) (ص232) والخادم الزنجى (حتى ولوكان عمره فوق الثمانين) فإنّ سيده ينادى عليه (تعال ياولد) والأوروبيون فى جنوب أفريقيا كانوا يكرهون الأوروبيين الذين يـُـدافعون عن الزنوج..ويسخرون منهم فأطلقوا عليهم (محبى الزنوج) وسادتْ فى جنوب أفريقيا مقولة ((إنّ الشخص الأبيض عندما ينظرإلى شخص من الأهالى السود كأنما ينظرإلى كلب))
لم يحتمل الزنوج العمل فى بيت تيرنربسبب قسوة مارى..وكان الخادم الأخير(موسى) الزنجى عامل المزرعة الذى ضربته بالكرباج منذ عامين..وهنا كثــّـفت المبدعة الحالة النفسية لمارى..رأتْ أثرالجرح على وجهه..قالت لزوجها ألايوجد خادم آخريصلح؟ قال: إنه نظيف ومطيع وأفضل الأولاد الذين عملوا معى.
تساءلتْ: لماذا هذا الولد بالذات؟ كانت هناك تلك اللحظة من الخوف بعد أنْ ضربته بالكرباج منذ عاميْن..وعندما كانت تــُـكلمه لايرد عليها..ويتقبـّـل توبيخها دون أن ْيرفع وجهه..ومع ذلك كان صوتها يزداد حدة وتوترًا. تضاعف خوفها من الزنجى فكانت تحبس نفسها فى غرفتها وتبكى وتحبس دموعها وتخشى أنْ يسمعها حيث يجلس خلف غرفتها..وفى مرة رآها تبكى فشعرتْ بالخزى.
تعاطف الزنجى معها بعد بكائها المستمر..وحاول التودد إليها بتقديم وردة أوثمرة فاكهة أوتقديم الشاى والطعام دون أنْ تطلب..ولكنها كانت تــُـقابل تودده بمزيد من العنف..وبدأتْ تحلم حلمًـا تكرركثيرًا، ترى فيه الزنجى وهويقترب منها ويلمس جسدها..ووصل توترالعلاقة بينهما لدرجة أنْ سألها: المدام خائفة منى؟ أليس كذلك؟ ازداد توترها وهى تقول:لا.لا. لستُ خائفة..ولكنه لم يقتنع فقال: لماذا المدام خائفة منى؟ لقد تحوّل الرجل الأسود الذى ضربته بالكرباج إلى كابوس يجثم على صدرها..ولكنها- تحت ضغط المرض والشعوربالاعياء- سمحتْ له بمساعدتها فى ارتداء ملابسها..وفى لحظة مناجاة قالت لنفسها: ماجدوى انتظارالموت؟ سيأتى بمجرد أنْ يفتح الباب. دخل يحمل صينية الشاى فارتعبتْ.
سمعتْ صراخ الرياح ووقعتْ على الأرض..فكــّـرموسى: هل يساعدها؟ اقترب كلبان من مارى. أبعدهما عنها ثم قتلها وساريتخبط وسط الأحراش وعقله مُـشوّش بأفكارالندم والشفقة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف