الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الثقب الاسود الدينية

عادل صوما

2018 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعود فضل فكرة هذه الرؤية إلى العالِم الفيزيائي ستيفن هوكينغ الذي نظر إلي مجرتنا بطريقة فلاش باك، وتعني النظر إليها كثقب أسود قبل الزمان والمكان، وهو منطقة في الفضاء ذات كثافة مهولة تحوي كتلة بالغة الكبر بالنسبة لحجمها تفوق غالباً مليون كتلة شمسية، وتصل الجاذبية فيها إلى مقدار لا يستطيع الضوء الإفلات منها، ولهذا تسمى ثقبا أسوداً. وقد أثبتت الوسائل الحديثة التي نرى بها الكون صحة نظرية هوكينغ، وهناك فيديوهات معروضة على شبكة الانترنت تصور لحظة ميلاد مجرة جديدة تبعد عنا عشرات الملايين من السنين الضوئية.
ميلاد البشرية
إذا صدقنا الاساطير الابراهيمية وما تقوله عن أسطورة الخلق وميلاد البشرية وطبقنا نظرية الفلاش باك لنشاهد تلك اللحظة بعين العقل، لابد أن نعتبر أن آدم وحواء هما الوحيدان صاحبا أفضل تظرية عن الله والايمان وخلق الكون، على اعتبار أنهما الأقرب إلى الله الذي تمّشى معهما في الجنة وعلمهما وأرشدهما، لدرجة انه علّم آدم اسماء الاشياء والحيوانات وما لم يعلم، حسب آخر الروايات الإبراهيمية، ونهرهما عن فعل شيء محدد هو أكل ثمار شجرة التفاح.
كان منطقيا أن يوّرث آدم وحواء ما تعلماه من الله مباشرة بدون وسيط إلى ابنائهما، الذين كان يجب أن يتناقلوا من ثمة هذه الحقائق والوقائع ذات الاهمية البالغة في حياة الجنس البشري، خصوصا حقيقة وليس رمزية المصيبة التي نقلتهم من النعيم والخلود إلى الشقاء والمرض والقتال من اجل كل شيء، حسب مقتنيات العصر، والانفعالات الانسانية والموت.
لكن وقائع التاريخ تقول أن آدم وحواء واسرتيهما الاولى كانوا جميعا أجهل افراد جنسنا البشري وأقربهم إلى القردة العليا، ولم يورثوا ابناءهم سوى الخوف من الموت واللا أدرية عن الخالق والوجود وما بعده. لم يورث آدم وحواء حتى أي لغة أو إسم أو حقيقة علمية أو حتى معلومة مما سمعاها من خالقهما، ولا حتى أي شيء من اوصافه حيث انهما شاهداه بأم العين وتكلما معه، والمثير للدهشة ان آدم وحواء لم يقولا آنذاك لأبنائهما أي شيء عن النار والجنة والحوريات والملائكة أو رئيسهم، ولم يقدما أي وصف للشيطان الذي تحدث معهما وأغواهما وكان سبب الويل الذي نعيش فيه وسنعانيه بعد الممات إذا لم نؤمن بما قالته الادبيات الابراهيمية خصوصا الدعوة المحمدية.
الاسطورة الابراهيمية تقول أن آدم وحواء طُردا من الجنة كما هما، ما يعني انهما انتقلا بالجسد والعقل والذاكرة واللغة كما هي، ومن ثمة تكون طبيعة الجنة لا تختلف عن طبيعة الارض، ولم تكن في مكان علوي بل على كوكبنا، وهي معضلة جعلت بعض منظري الادبيات الابراهيمية والمرتزقين منها يقولون اين كانت تقع الجنة على الارض، وقادت التفاسير الفكر الابراهيمي إلى معضلة ثانية هي أن الله ايضا مرئي مثل أي شيء، لأن آدم وحواء شاهداه بأم العين، وكل ما حدث بعد الطرد من الجنة انه فقط لم يعد يزور الارض كما كان في السابق، وترك الجنس البشري الحديث الحالي أكثر من ثلاثمائة ألف سنة، ثم قرر أن يكون بينه وبينهم رُسل ووحي وكتابات.
إذا انتقلنا من نقطة الفلاش باك من آدم وحواء إلى تسلسل وقائع التاريخ، سنجد كل الموروثات والثقافات قد أتت لاحقا بدءا من اللغة التي كانت مجرد أصوات تشبه تماما أصوات القردة العُليا، إلى اكتشاف فكرة الله التي تطورت ولم تزل عبر العصور، واختراع فكرة الجنة والعذاب بواسطة الفراعنة، مرورا بانتقال الجنس البشري نفسه من مراحل الترحال كقطيع حيوانات إلى الاستقرار بعد اكتشاف الزراعة، وتطور حياة القطيع إلى الحياة المدينية التي نعيشها اليوم وستتطور إلى ما لا يمكننا تخيله مستقبلا بسبب تطور العقل والمعارف، لدرجة أن العلم بدأ يطوّر كل شيء حتى عمر الانسان.
ظاهرة ثقافية
الادبيات الإبراهيمية من هذا المنظور الواقعي مجرد ظاهرات ثقافية يستحيل أن يكون مصدرها الله لأنها لم تقدم أي معلومة علمية واحدة نهائية عن الخلق أو الموت أو الكون، رغم ارتباطها الوثيق بالوحي الإلهي وصاحبه هو العارف الخالق كل شيء من عدم كما رددوا عن ثقافات البحر المتوسط القديمة، وحتى مسألة الغيبيات خصوصا حقول السلام ومقر العذاب كانت ترديدا مسيحيا ثم إسلاميا للمصير الماورائي الذي اخترعه الفراعنة لكن بأسماء مختلفة، لأن اليهودية الاصيلية لا حياة اخرى فيها وجاءت تلميحاتها عند طائفة الفريسيين المتأثرين بمنتج ثقافات المنطقة، وليس الصدوقيين أو الناموسيين الملتزمين بحرفية النص التوراتي.
اليهودية كانت ظاهرة ثقافية نتيجة لمعاناة شعب كما قالوا في أساطير متناقضة عن حياتهم في مصر.
المسيحية كانت ظاهرة ثقافية نتيجة لانتظار مخلّص يخلص اليهود من نير الظلم المستمر عبر تاريخهم رغم انهم شعب الله المختار، لكن يسوع خيّب آمال منتظريه كنبي عسكري وصُلب بمؤامرة منهم وترك اليسوعانية غير مفسرة أو منظمة فجاء بولس وأوجد المسيحية ومؤسسة الكنيسة.
ثم جاء محمد نتيجة ظاهرة ثقافية هي نصيب ابناء إسماعيل من أدبيات النبوات الابراهيمية، فورث كل الظاهرات الثقافية الابراهيمية كما هي بما في ذلك طقوس الحج والصلاة عند العرب أنفسهم قبله، وقد بدأ كمُبشِر إبراهيمي عادي ثم تراجع عن طريقة دعوته التي بدأها في مكة بعد فشلها، ونسخ كل آياتها وفسر كل شيء تفسيرا جديدا يختلف عن دعوته الدينية الصرفة الاولى، ويتلائم مع دولته السيودينية في يثرب وتحوله إلي نبي عسكري يؤيده يهودها الذين اعتقدوا انه النبي العسكري الابراهيمي المنُتظر، ووصلت التفسيرات بعد تعاظم قوته العسكرية إلى حدود الصدام والتعميم المطلق وتجهيل من سبقوه رغم كونهم المصدر كما قالت آيات التبشير المكية، ومن امثلة التعميم، تعميم ما يُفهم عن اليهودية بما كان تفهمه قبائل يثرب فقط عن موسوية الدعوة وليس كل اليهود، والخلط بين ما ورد في الانجيل من أن الله الأزلي لم يكن بتاتا بدون كلمة أزلية وهذه الكلمة روح مقدس وقد تجسدت في الزمن بالمسيح، وما قالته فرقة "نصرانية" أن الله ثالث ثلاثة وأن له صاحبة.
كان القرآن والاحاديث أفضل الادبيات الابراهيمة كظاهرة ثقافية شاملة، لأنهم كانوا ردود اسئلة وحلول بلاغية عن استفسارات علمية وفرض سلوك لمواقف يومية وتحليل وتحريم، ومن ثمة كان القرآن والاحاديث وحدتين لا تنفصلان ولا تعيش إحداهما بدون الاخرى عند المسلم، لأنهما رسما وحددا أدق حياة تفاصيل المؤمنين بهما بدءا من قضاء الحاجة حتى دخول الجنة، وهذه الظاهرة السيوثقافية عكس ظاهرة شريعة موسى التي كانت عبارة عن لوحين عليهما وصايا الله بخط يده، وظاهرة موعظة المسيح على الجبل وهي شريعته.
من المثير للإهتمام في ظاهرتي اليسوعانية والمحمدية هو رفع قيمة الانسان فوق خالقه، فالله يتجسد ويُصلب بواسطة من خلقهم في المسيحية، ثم تجد الله وملائكته يصلّون على محمد ويسلمون عليه تسليما، بينما كان الانسان لا شيء امام خالقه في الموسوية، وكان الملتزمون بالنص الموسوي كما هو يقولون "هو" ولا يقولون "الله" بسبب شدة الاحترام.
ثقافات وإلوهيات
كل الظاهرات الثقافية تطورت حسب مقتضيات العصر لإيمان اصحابها بأنها من وحيه وادواته وحاجاته، وتميزت بعدم وجود مؤسسات تحارب دونها لاستمراريتها لذلك أصبحت تاريخا مع التطور، ما عدا ظاهرة الادبيات الابراهيمية فقد بُشر بها على انها وحي من الله وترفض المؤسسات التي تحارب دونها أي تعديل فيها وتعتبرها كاملة منزهة مناسبة لكل العصور والبيئات، فأُريد لها الاستمرارية كما هي بتهديد الدخول إلى جهنم لمن يحاول أن يضعها في إطارها المنطقي وهو ظاهرة العلاقة الخاصة بين الله وربه، وليس العلاقات التي تنظم شأن المجتمعات مهما تطورت وتجاوزت عصور هذه الادبيات.
على ماذا سترتزق المؤسسات إذا اصبحت الظاهرات الثقافية الابراهيمة سجلاً لا يصلح للمستقبل سوى كتاريخ يُقرأ، وهل يُعقل أن يفقد المنّظرين والمنتفعين سطوة إلوهيتهم؟
السؤال بشقيّه سيجيب عنه عصر انتشار المعلوماتية للجميع، فما يقرأه الناس من العلماء من حقائق ووقائع وكشف للأوهام سيورط الكهنة والفقهاء كافة بمواقف لا قِيل لهم بها. المستفيدون من الاسلام سياسيا والفقهاء يعيشون صحوة الموت كأصحاب سلطة دنيوية مهما قالت الظواهر الموقتة، لأن اموال البترول والسياسة وهبتهما قرنا آخر من الحياة، وعصر البترول على وشك الغروب والسياسة استنفذت مآربها من الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa