الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة الذكرى الستون لثورة 14 تموز-- من جدليات الثورة الثرية وأهدافها:( 1-3)**

عقيل الناصري

2018 / 8 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


{ أعلم أن كمال الوجود وجود النقص فيه، إذ لو لم يكن لكان كمال الوجود ناقصاً بعدم النقص فيه }
أبن عربي
يتمحور تاريخ العراق المعاصر، منذ مطلع القرن المنصرم، بحيث نستطيع تلمس الجوانب التغيرية في السيسيولوجية والسياسية والفكرية وتمظهراتها حول ثلاثة منعطفات أرأسية، كانت تمثل، كما أعتقد، انقطاعاً تاريخياً مهماً مع أراسيات التأريخ الماضي القريب من النواحي: الطبقية ؛ وانماط الانتاج الاقتصادية ؛ والأبعاد الاجتماسياسية والتحولات الفكرية، بمعنى آخر إنهما يحملان في ماهياتهما طبيعة جديدة ذات نكهة خاصة اجتصادية سياسية، بل وحتى فكرياً، وهذان المنعطفان الأرأسان، حسب تاريخية تحققها وظهورها، هما:
1- تأسيس الدولة في آب 1921 ؛
2- والتغيير الجذري في تموز 1958 .
3- الاحتلال الثالث (9 نيسان 2003 -31 كانون أول 2011) وإعادة تأسيس الدولة
لقد أفضى المنعطف الأول : إلى فرض الانتداب البريطاني وأسر القرار السياسي والاقتصادي للدولة المركزية الملكية بعد تشكلها ، و( إستيراد) ملكها، وتثبيت حدودها الرسمية وتشكل مؤسساتها وأدامت هيمنة أحد المكونات الاجتماعية (المكون السني) الموروث من الفترة العثمانية، وهيمنة النمط شبه الاقطاعي على الاقتصاد الوطني ؛
بينما أفضى المنعطف الثاني: زمناً للتغيير السياسي والاجتصادي الحاسم في المجتمع العراقي. وقد أفضت إلى إنهيار الملكية وإعلان الجمهورية وتمكين الطبقات والفئات الاجتماعية المتوسطة ودونها في المجتمع والرفاه النسبي، بعد تجريد طبقة الإقطاع من قوتها الاقتصادية والسياسية، وانقطاع الاواصر مع السلطة الاستعمارية البريطانية، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني وتحديث أنماطه.
وقد أفضى المنعطف الثالث إلى الإعادة المشوشة، بل التخريبية، لتأسيس الدولة االعراقية، والذي أعتمد على فكرة الهويات الفرعية من طائفية وأثنية ولغوية، كبديل عن الهوية الوطنية. وهذا ما وسمة الجمهورية الثالثة ( 9 نيسان 2003- ولحد الآن ) ضمن الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة وإحياء سايكس - بيكو جديدة للمشرق العربي تحديداً.
ومن الناحية المنهجية فاعتقد أن أفضل منهج لمعالجة أية ظاهرة اجتماتاريخية سياسية، أن يتم تناولها ضمن الأطر التالية: نطاقها التاريخي الملموس ؛ في تاريخية النشوء والتبلور ؛ ضمن منظومة المفاهيم العلمية ؛ وعلى ضوء الخصائص المادية الملموسة للظاهرة . ولهذا سنقتصر الحديث عن المنعطف الثاني حتى نتبين أهميتها وجدلية تطورها والمكابح التي عرقلتها.
شهد العراق المعاصر، في جميع هذه المنعطفات، صراعات حول الافق اللاحق لشكل الدولة السياسي وتحديد أوليات نظامها الاقتصادي بين مختلف القوى الاجتماسياسية، تجسدت ماديا في جملة من الصراعات الاجتماسياسية والفكرية والأثنية المحلية، كانت بداياتها بالاساس، مع قوى الاحتلال الأول على تعدديتها ومضامين استراتيجيتها لمستقبل العراق والمنطقة وبخاصة التجسيد المادي لوعد بلفور.. هذا الصراع انعكس بجملته على : تغيير أولويات ومعادلات وتوازنات القوى الاجتماعية وتمظهرها ؛ وعلى نشاطها الاجتصادي والسياسي والفكري سواءً بالريف وحواضره وقيمه المعيارية ؛ أو بالمدينة ومتجاوراتها المؤسساتية التي انبثقت بعد تأسيس الدولة على وفق معاييرها الدستورية (الغربية) التي رسمتها الدولة المحتلة وحققتها ماديا القاعدة الاجتماعية للحكم الملكي . أما ما بعد الاستقلال الشكلي (1932) فتغيرت أوجه الصراع وأنصب على السلطة السياسية الأوليغاركية وصغرها وقاعدتها الاجتماعية، وبرنامجيتها المستقبلية وتحالفاتها الخارجية، فكثرت الانتفاضات الفلاحية في الريف، وفي المدن من قبل الطبقة العاملة الفتية والقوى الشعبية وأحزبها المطالبة بالتغيير الجذري لمجمل الحياة الاجتصادية والسياسية والفكرية ومن أهمها التبادل السلمي للسلطة.. هذه النضالات كانت المقدمات المادية التي تكللت بالنجاح. في ثورة 14 تموز 1958. ولهذا اكتسبت هذه الثورة بعدها التغييري وأهميتها المنصبة على جملة من االمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية. وأمست تلك المتغيرات ومصالحها أحد عناوين هذا الصراع، وماهياتها تتغير حسب طبيعة القوى الاجتماعية التي تدير الدولة، وزمنيتها وتسيسها، ونضج هذه المفردات في التعبير عن ذاتها ومصالحها الطبقية ورؤاها الفكرية. وقد كان صراع الهوية الجماعية للبلد واحد من أهم المناحي التي وسمت الصراع السياسي في العراق المعاصر، منذ تأسيس الدولة المركزية. كما أنه كان ولا يزال أحد أهم عوامل عدم الاستقرار فيه، والافق المفتوح له، طالما إن ظروفها المشجعة والمحفزة الناجمة عن الإحتلال الثالث باقية.
من أراسيات أهداف الثورة الثرية:
تميزت حركة الضباط الأحرار في العراق منذ مطلع الخمسينيات في العراق, بسمة: وجود غائية عامة مستهدفة، مقارنةً بتلك التكتلات والتنظيمات الهشة التي سبقت حرب فلسطين الأولى عام 1948 ؛ وعن تلك الحركات الانقلابية التي سادت آنذاك في عموم المشرق العربي. كمنت هذه الغائية في صيرورة إسقاط النظام الملكي بالاساس، مع جملة أهذاف نبلورت في سياق الصراع الاجتماسياسي درجة نضج الحركة ذاتها. اما ما تبلور من اهداف معلنة، فقد تم مناقشتها شفاهً بعد تشكيل اللجنة العليا للضباط الأحرار. ولهذا يكتنف هذه الغائيات المتبلورة وتلك التصورات المتبناة الكثير من الغموض والضبابية ، إستناداً إلى ما عرضه الضباط الأحرار أنفسهم أو بالأحرى الاشخاص المحوريون منهم في اللجنة العليا . هذا الغموض مستنبط من: خلفياتهم الاجتماعية والطبقية ؛ ومساحات التباعد النفسي بينهم ؛ وفضاءاتهم الفكرية المتباينة التي إتسمت بالتناقض التناحري في بعض مفاصلها ؛ رغم أن جامعها الأرأس تجسد في البعد السياسي المتمثل بإسقاط النظام الملكي، حيث رأوا فيه إستنزافه لذاته وبالتالي فقدانه لمبررات وجوده الدستوري والسياسي الشرعي وضيق قاعدته الاجتماعية والسياسية وتخلف أهم عناصرها (الاقطاع والارستقراطية التقليدية والكومبرادورية الطفيلية). وعند العودة إلى البحث في ماهيات برامج كتل ضباط الأحرار, بإستثناء اللجنة الوطنية لاتحاد الجنود وضباط الصف والضباط، التي يقودها التنظيم العسكري للحزب الشيوعي، سنصل إلى مدى واقعية الإستنتاج المذكور أعلاه. إذ لم يُعثر على برنامج موحد متفق عليه بين هذه الكتل ، ولا حتى عند أعضاء اللجنة العليا، الذين لم يدونوا في حينها، برنامجاً مكتوباً لغائيتهم المستهدفة, وذلك لتحريم كتابة اي شيء بينهم. وأغلب من كتب عن أهداف الحركة بالتفصيل، فأعتقد جازماً، أنها دونت ما بعد الثورة بما فيهم محمد حسين الحبيب الذي اشار فيها إلى وجود ميثاق وطني يشتمل على المبادئ الجوهرية التي اقرها الخمسة عشرا ضابطاً دون قيد أو شرط . وأنا أعتقد بأن لا وجود لمثل هذا الميثاق الوطني، وإنما كانت هناك أهداف عامة ومبادئ أساسية تعتبر من البديهيات لأية حركة عسكرية ضد الحكم الملكي وهي التحرر السياسي والاجتصادي، كما بينته الكثير من تجارب التحركات العسكرية التحررية في العالم النامي.
وهنا ستطرح، الضرورة التاريخية بماهيتها، الأسئلة التالية نفسها بقوة: هل فكر ونظم القادة، المحوريون على الاقل، لحركة الضباط الأحرار، في ماهيات أهم الأهداف الغائية المستهدفة لذاتها ؟؟ وإن وجدت فما هي هذه الأهداف ؟؟ بخاصة فإن بعضها، كما اورها الحبيب، يناقض الفلسفة الحياتية والفكرية لأغلبية قادة اللجنة العليا، حيث انهم متبنون للفكر العروبوي الاسلاموي بصيغته التقليدية ؟؟ وإذا وجدت مثل هذه الأهداف هل تم مناقشتها والاتفاق عليها داخل اللجنة العليا ؟؟ أم كُتبت بعد نجاح الثورة ؟؟ أم انها تم استخلاصها من مطاليب الحركة الوطنية المعارضة ؟؟ وإذا كان بالايجاب، فهل تم الاستعانة بالقوى السياسية المدنية على بلورتها وطرحها سياسياً ؟؟ وما مدى تطابق هذه الاهداف مع تطلعات الشعب العراقي؟؟ أم أنها مستوحات من البرنامجية التي أنجزتها ثورة 14 تموز؟؟ وغيرها من الأسئلة .
ينفرد محسن حسين الحبيب، دون بقية اعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار .. في تحديد ماهيات هذه الأهداف وتلك الغائيات، حسب قراءته اللاحقة، ما يقارب من عشرين هدفاً ضمتها ثلاثة مستويات هي: الداخلية ؛ العربية و الدولية. هذه الاهداف المسطرة ـ تتشابه إلى حدٍ كبير مع ما ذكره ليث الزبيدي في دراسته الأكاديمية عن ثورة 14 تموز .. والتشابه في المضامين وفي تصنيفها على المستويات الثلاثة.
هذا الطرح للإهداف، كما اورده الحبيب، يضع الباحث في مواجهة عدة إستفهامات عن مدى مصداقية هذا الميثاق شبه المتكامل للجنة العليا, في وقت كان معظم ضباط المؤسسة العسكرية يعانون من ضعف في مقوماتهم الفكرية والسياسية, علاوةً على كون البرنامج كان أرقى مما سطرته القوى السياسية المؤتلفة بجبهة الإتحاد الوطني آنذاك, في برنامجها المستهدف ذو النقاط الخمس , من حيث: الشمولية والسعة ؛ في المدى الآني والمستقبلي ؛ بصدد المضامين الاجتماعية والسياسية ؛ التحالفت الإقليمية والدولية ؛ طبيعة النظام السياسي ؛ أوالية ( ميكانزم) تداول السلطة.
وإزاء هذه الحالة وشفوية ما تردد على ألسنة قيادة الضباط الأحرار، بخاصة عبر مذكراتهم، كلها دللت على عدم إتفاقهم على مضامين برنامجهم, وهذا لا يسعنا سوى التأمل في ما طرحه الحبيب من برنامج والقول أن فيه : تضخيم كبير للذات المهنوية للضباط ؛ وللإيحاء بكونهم قادرون على إستعادة مكانتهم و(دورهم التاريخي) في السلطة ؛ ولهم الأولوية في إدارتها, ليس لكونهم يتصرفون بوسائل العنف المادي حسب, بل (لمشروعهم التنموي المفترض!!) ذات الأبعاد الشاملة للمعضلات الاجتصادية/السياسية والثقافية. وهذا الأخير يمثل القاسم المشترك لكافة الحركات الانقلابية في العالم الثالث. لذا ليس من حق بعضهم أن يسطروا مبادئ معينة ويدعون إنها تمثل رأي الكل, وبالتالي فالاستنتاج الذي خرجنا به، عبر طرح الاستفهامات المتعددة حول الاهداف الغائية من الحركة، بأنها مستوحاة من من عدة مصادر، كما اتصور، وأهمها :
- مما طرحته الحركة الوطنية المعارضة للنظام الملكي وبخاصة من الحزبين ذويّ المنطلق العراقوي وهما: الوطني الديمقراطي والشيوعي العراقي وبقية أحزاب المعارضة العروبية ؛
- من البرنامج المتكامل الذي قدمه الحزب الشيوعي لقاسم قبل الثورة ؛
- مما طبقته حكومة تموز في الجمهورية الأولى ( 14 تموز 1958- 9 شباط 1963).

الهوامش
** نشرت الدراسة في العدد ( ) من الثقافة الجديدة بإختصار مكثف. بمناسبة الذكرى الستون لثورة 14 تموز 1958
- لقد خضع العراق المعاصر لثلاثة احتلالات: الأول 1914-1932؛ الثاني 1941- 1947، والثالث 9 نيسان 2003- 31 كانون اول 2011 .
2 - من خلال دراستي لواقع العراق السياسي، فقد توصلت إلى إستنتاج أرأس من أن القوة المتحكم بالقرار المركزي للسلطة الملكية، كان مثلث الحكم المتكون من : مؤسسة العرش، السلطة التنفيذية ( الوزارة) وقوى الإنتداب لحد عام 1932، أما بعدها فقد كانت السفارة البريطانية.
3 - راجع للمزيد مذكرات كل من : محسن حسين الحبيب وصبيح علي غالب وإسماعيل العارف وصبحي عبد الحميد, وعبد الكريم فرحان., ومن الكُتاب: ليث الزبيدي ثورة 14 تموز, حنا بطاطو, ج. 3, د. مجيد خدوري, العراق الجمهوري, الذاكرة التاريخية لثورة 14 تموز, د. فاضل حسين, سقوط النظام الملكي, د. محمد حسين الزبيدي ثورة 14 تموز في العراق، وموسوعة 14 تموز لخليل إبراهيم حسين.
4 - راجع مجيد خدوري، العراق الجمهوري، ص. 40، الدار المتحدة للنشر، بيروت 1974.
5 - يقول محسن حسين الحبيب، إن هذه الأهداف دونها لأول مرة عام 1960، واحتفظ بها لمدة 20 عاما ، واثناء هذه الفترة ظهرت الدراسات الاكاديمية والبحوث والمذكرات، مما "... وجدت أن الوقت قد حان لإعادة قراءة وترتيب ما كنت قد كتبت، فكانت هذه الصفحات ...". كما يذكر ذلك في تقديم امذكراته. راجع حقائق عن ثورة 14 تموز في العراق، الأندلس 1981، المكان بلا.
6 - ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز 1958 في العراق، ط. 2، اليقظة العربية ، بغداد 1981.
7 راجع للمزيد عبد الرزاق الحسني, تاريخ الوزارات العراقية,ج.10,ط.4, ص. 242,. وقد شملت هذه النقاط: تنحية نوري السعيد وحل المجلس النيابي؛ الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق مع سياسة البلاد العربية المتحررة؛ مقاومة التدخل الاستعماري وإنتهاج سياسة مستقلة أساسها الحياد الإيجابي؛ إطلاق الحريات الديمقراطية والدستورية؛ إلغاء الإدارة العرفية وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإعادة المفصولين لأسباب سياسية.
8 - عامر عبد الله ، خواطر وذكريات، بمناسبة الذكرى 25 لثورة تموز المجيدة، ث.ج، العدد 144، تموز 1983.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم