الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوافل الثقافة

ياسر العدل

2006 / 3 / 29
المجتمع المدني


كثير من المصريين لا يعرف أن مصر بلد كبيرة، قديمة مستقرة فى الجغرافيا، تمتلئ بالجبال والبحيرات والصحارى والغابات ومنابع المياه، مساحتها مليون كيلومتر مربع، يسكنها ثلاثة وسبعين مليون من البشر، لها شواطئ بحرية تزيد عن ألفين وخمسمائة كيلومتر، وأن مصر قديمة متغيرة فى التاريخ، تعيش دولة مركزية قلبها وادى النيل، تتسع حدودها أو تضيق على قدر طموحات حكامها.
وكثير من المصريين لا يعرف أن حكام مصر يعشقون الجلوس حتى الموت على كراسى الحكم، أشهرهم رمسيس الثانى، حكم البلاد سبعا وستين سنة وتزوج بخمس أو ست عظميات وأنجب أكثر من مائة ولد ملكى، ومن حكام مصر من جلس على الكرسى أكثر من ربع قرن ولا يعرف أحد بالضبط كم مرة تزوج وكم مرة أنجب، ومنهم من جلس لمده شهر واحد ولم يتزوج قط، وفى عهود الحكم الطويلة تنتشر الفضائح الإدارية والشقاقات الداخلية وترتفع أسعار المعيشة، وتصبح أمور الحكم فى مصر جاهزة لأن يتسلمها أصحاب الجنسيات المزدوجة والملوك الكهنة0
ولأن مصر بلد كبيرة تتمتع بالاستقرار عبر الجغرافيا يجد الجميع فيها لقمة عيش، أصبح سهلا على حكامها أن يضعوا نظما إدارية تنتج بشرا ضعفاء لا يتعلمون من التاريخ ولا يجيدون إدارة التطور، وأصبح سهلا على كل مملوك أو مغامر أن يصير حاكما لمصر، أنا شخصيا حلمت بحكم مصر لمدة سبع ساعات، وهى فترة أعتقد أنها كافية لأتزوج بكل الجميلات وأنجب ألافا من أبنائى (الجمهلوك)، جمهوريين من طرف الأب وملكيين من طرف الأم، أمنحهم عمارات ومطاعم وشوارع ومحطات بنزين، وأنشئ ثلاثة أحزاب لأصدقائى وجريدة لأعدائى، وأملك خمس سفن كبيرة وجزيرتين وعبارة، وأشترى من حر مالى كلب حراسة وبقرة حلوب وكيلوجرام من الكباب الساخن.
كل هذا النقص فى معرفة المصريين راجع لأن كثيرا من حكام مصر يرون العصمة فى أنفسهم ويسوءهم أن ترتبط طموحات المصريين بضفيرة الانتماء والتحضر، هكذا تتحول مهام وزارات الإعلام والثقافة والصحف الحكومية الى تجهيز قوافل ثقافية تشيد بعصمة الحكام0
فى وزارة الإعلام، تبدأ لعبة القوافل الثقافية بفكرة طيبة، أن الكلمة الطيبة تصنع وعيا حضاريا، وعند التنفيذ يقوم مدير القناة الإذاعية بالاستعانة بالمذيع ابن أمه حيث أمه لا تجيد اللغة العربية، والمذيعة بنت أبوها حيث أبوها لا يجيد الحياة المصرية، ويقوم معدوا البرامج من هوامش المثقفين بالدخول فى مفاوضات يتعرفون فيها على المسموح به والمسكوت عنه، وفى الوقت المناسب تظهر على شاشات العرض قوافل الثقافة تضم مذيعين مدربين يمسكون بمتحدثين مروضين ويرقص الجميع حول خطوط فكرية خضراء يضعها الحكام، وتتحول وزارة الإعلام إلى عزبة خاصة يديرها الحكام لصالحهم.
فى وزارة الثقافة، تبدأ لعبة القوافل الثقافية بفكرة طيبة، أن الدولة القوية تصل جمهورها بالفن والإبداع، وعند التنفيذ تصطدم إدارات الوزارة بضعف الإمكانيات المادية ( هيئة قصور الثقافة فى حاجة لأكثر من اثنين مليار جنيه لتحسين البنية التحتية لقصور الثقافة القائمة)، وضعف الإمكانيات الفنية (نسبة المتفوقين دراسيا والمبدعين فنيا لا تزيد عن خمسه فى المائة بين العاملين فى مجال الثقافة)، وتنطلق القوافل تنشر إنتاجها فى المسارح والاحتفالات والمعارض بصحبة وفود إعلامية تضم أشباه صحفيين ونقاد يحترفون جمع بدلات السفر والمكافئات والصراخ على موائد الطعام، هكذا ينحسر دور قوافل الثقافة على تقديم عروض فقيرة لجمهور صغير، وتتحول وزارة الثقافة إلى عزبة خاصة يديرها الحكام لصالحهم.
فى الصحف الحكومية، تبدأ لعبة القوافل الثقافية بمقولة طيبة، أن الصحافة سلطة رابعة، وعند التنفيذ تقوم ماكينات الطباعة فى مصر فى إخراج أكثر من خمسمائة صحيفة ومجلة ومطبوعة، تمتلئ بكتابة مئات من صحفيين دون مستوى الوعى الحضارى والحرفية المهنية، يكسب بعضهم آلاف الجنيهات شهريا مقابل تمجيد سلطة الحكم، عندها يتقلص الوعى الثقافى ويتفكك الانتماء العام وينحسر عدد قراء الصحف فى مصر إلى حوالى مليون ونصف المليون قارئ، بنسبة لا تصل إلى اثنان فى المائة من عدد السكان، وتتحول الصحف الحكومية إلى عزبة خاصة يديرها الحكام لصالحهم0
هكذا فى عصور الملوك الكهنة، يعرف بعض المصريين أنهم يدفعون الضرائب للدولة ويقدمون الطاعة للحكام من أجل تجهيز قوافل ثقافية تكرس مركزية الدولة وتشيد بعصمة الحكام، ويتباكى الجميع على قتل الانتماء للوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: الأوضاع في غزة كارثية ج


.. جهاز الشاباك: حذرنا بن غفير والأمن الوطني من استمرار الاعتقا




.. شهادات أسرى غزة المفرج عنهم حول التعذيب في سجون الاحتلال


.. مواجهة شبح المجاعة شمالي غزة بزراعة البذور بين الركام




.. مدير مستشفى الشفاء: وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية صعب ومأ