الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظومات الوعي بين الماضي والحاضر

صاحب الربيعي

2006 / 3 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن إحدى أهم مقومات الأمة هو أرثها الحضاري ومدى مساهمته في رفد الحضارة الإنسانية، وبغض النظر عن تعارض قسماً منه مع الثقافة المعاصرة فإنه يمثل جملة العلاقات الثقافية والاجتماعية والإنسانية في حقبة زمنية من تاريخها، وبالمحصلة فإنه يشكل منظومة وعيها العام المنعكس على تربية أجيالها اللاحقة.
وبالتأكيد هناك تعارض (وتداخل) بين الموروث الثقافي السائدة في اللاوعي الاجتماعي ومنظومة الوعي المشكلة حديثاً، وهذا التعارض غالباً ما يخلق حالة من الصراع بين الأجيال المختلفة أو بالأحرى بين الجيل المحافظ (الرافض للتغيير) والجيل المطالب بالتغيير والأخير ينقسم إلى قسمين: جيل رافض بشكل كلي للماضي لصالح الحاضر كله. وجيل يرفض الماضي جزئياً لما يسببه من إعاقة لمجريات الحاضر، فهو يعتبر الماضي سنده في الحاضر لأن الأمة بلا تاريخ كالطير الذي يطير بجناح واحد في الفضاء فالماضي والحاضر جناحي الأمة للطيران في فضاء المستقبل.
يعتقد ((أدونيس))"إن تجاوز الماضي لايعني تجاوزه على الإطلاق وأنما تجاوزاً لإشكاله ومواقفه ومفهوماته وقيمه التي نشأت كتعبير تاريخي عن الحالات والأوضاع الثقافية والإنسانية الماضية التي يتوجب أن يزول فعلها لزوال الظروف التي كانت سبباً في نشوئها".
ومن الإجحاف إصدار الأحكام على مجمل الإرث الثقافي، ومنظومته الاجتماعية بآليات وسُبل الحاضر واعتباره متخلفاً ومعيقاً لعملية التطور. التطور المعاصر ما كان له أن يكون تطوراً دون التراكم المعرفي الذي خلفه الماضي لنا، فهو كان متطوراً بالنسبة للماضي الذي سبقه ومتخلفاً عن الحاضر المعاصر الذي تلاه.
الثقافة هي الثقافة على مدى العصور لأنها إبداع إنساني، والإبداع لايتقيد بالزمن لكنه قد يفقد بعضاً من بريقه وسماته بمقاييس وتقنيات الحاضر. وهناك إبداع إنساني أزلي عجزت مقاييس وتقنيات الحاضر على مجاراته أو تقليده خاصة في فنون الرسم والنحت الذي جسدته حضارة الماضي.
يرى ((أرنست لافيس))"أن لكل عصر في التاريخ أحكاماً، ولكل جيل خصائص فحكمنا على كل عصر من عصور التاريخ يجب أن يكون حكماً نسبياً تبعاً للظروف المحيطة به. وليس بالقياس إلى درجة حضارتنا الراهنة، كما أن حكمنا على رجل من رجال التاريخ يجب أن يتم بأحكام زمانه وخصائص جيله ولايجوز قياس ظروفه على مقاييس وظروف الأجيال التي أتت من بعده".
إن التعاطي مع منظومة الوعي الاجتماعي المشكلة تاريخياً يجب أن يكون منصفاً ويخدم الحاضر، فالأساليب والمواقف والقيم التاريخية المتعارضة مع مجريات الحاضر يجب إسقاطها من منظومة الوعي الراهن لتمكن المجتمع من متابعة مجارات التطور المعاصر للحاق بركب الأمم المتقدمة حضارياً.
وبذات الوقت لايجوز الفصل الكامل لمنظومة وعي الماضي عن الحاضر، لأنه يتنافى والأساليب العلمية الحديثة في التربية الاجتماعية التي تقر بأن منظومة الوعي المعاصر ما هو إلا نتاج تراكم لخبرات الأجيال السابقة.
ولايمكن تغيب المجتمعات عن إرثها الحضاري بحجة إعداد الجيل المعاصر للمستقبل، فالجيل الذي لايعي ماضيه لايعي حاضره ولايمكنه أن يخطو نحو المستقبل عن طريق هدم مقومات بناءه الأساس. تعمل توجهات التربية المعاصرة على تعزيز ثقة الإنسان بماضيه الحضاري لإعداده للمستقبل وتمنحه جميع الإمكانيات العلمية والثقافية لتعزيز دوره في الحاضر والتخلي عما يعيق تطوره وتقدمه نحو المستقبل.
يعتقد ((روجيه أوبير))"أن إعداد شعب إعداداً تاريخياً لايعني أن نهدم ما تعلق بذاته وماضيه، وأنما يعني تعزيز شعوره بشكل دقيق بإمكانياته التي لاتتجاوز مقاييسه كإنسان يؤطره المكان والزمان ويفرض عليه سلوكه وممارسته في الحياة".
إن التوجهات الداعية لإلغاء الماضي كله لصالح الحاضر كله، دعوات أقل ما يقال عنها إنها دعوات (سياسية!) أكثر منها دعوات للإصلاح الاجتماعي. ولربما تكون دعوات (مغرضة!) لفك ارتباط المجتمعات بتاريخها وإعادة تشكيل منظومة وعيها بما يخدم مصالح وتوجهات معينة، تسعى لإضعاف أصرة العلاقة بين ماضي الإنسان وحاضره من خلال التركيز على معوقات الماضي لتطور الحاضر وإغفال الجوانب الايجابية (خاصة النفسية منها) من الماضي المعززة لدور الإنسان في الحاضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟


.. احتراق ناقلة جند إسرائيلية بعد استهدافها من المقاومة الفلسطي




.. بعد فرز أكثر من نصف الأصوات.. بزشكيان يتقدم على منافسه جليل


.. بايدن في مقابلة مع ABC: كنت مرهقاً جداً يوم المناظرة والخطأ




.. اتصالات دولية لتخفيف حدة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل ومخاو