الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية في فكر الليبراليون الاسلاميون أو ما يسمى (اليسار الاسلامي) (عبد الوهاب المسيري محمد شحرور نموذجا)

عاصم علي سعيد

2018 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتبر الدكتور حسن حنفي من أوائل الذين نظروا لمصطلح (اليسار الاسلامي) ويسميه أيضاً (لاهوت التحريري الاسلامي) على نسق (لاهوت التحرير المسيحي) عند مارتن لوثر، فهو تحويل الدين لثورة لمصلحة المستضعفين من الناس منطلقاً من تأويلات معاصرة للنص الديني متجاوزة للموروث الفقهي.
يقفذ إلى السطح اسم الدكتور عبدالوهاب المسيري كلما أردت أن تعرف ماهية العلمانية عند المفكرين المسلمين خصوصاً كتابه (العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية) والذي ينادي فيه عبدالوهاب بالعلمانية الجزئية بعد تحرير المصطلح من اللبس الذي اعتراه، ويشن هجوما قوياً عن العلمانية الشاملة ويقول في هذا الكتاب صفحة (223) (إنما تعني فصل كل القيم الدينية والأخلاقية والانسانية (المتجاوزة لقوانين الحركة والحواس) عن العالم أي عن كل من الانسان "في حياته الخاصة والعامة" والطبيعة ونزع القداسة عنهما بحيث يصبح العالم مادة نسبية لا قداسة لها).
وقد يأتي اللبس عند الاسلاميين لشمولية التكوين والجمود العقلي، فيؤكد على عبارة العلمانية "فصل الدين عن الدولة" هي عبارة غير دقيقة والواقع يكذب ذلك فالدين موجود بمؤسساته وتعاليمه وفقه حتى في أكبر الدولة علمانية.
والعلمانية الجزئية عند المسيري تتمحور في رؤية جزئية للواقع لا تتعامل مع الأبعاد الكلية والمعرفية، ومن ثم لا تتسم بالشمول، وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة، وربما الاقتصاد وهو ما يُعبر عنه بعبارة "فصل الدين عن الدولة"، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلزم الصمت حيال المجالات الأخرى من الحياة، ولا تنكر وجود مطلقات أو كليات أخلاقية أو وجود ميتافيزيقا وما ورائيات، ويمكن تسميتها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية".
أما محمد شحرور الذي أنجز الدولة على المستوى النظري من منظور اسلامي في كتابه (الدولة والمجتمع) ومن خلال قرائتي له هي (دولة ديمقراطية مدنية ليبرالية) ديمقراطية من خلال التداول السلمي للسلطة، مدنية من خلال القانون والتشريعات، ليبرالية من خلال الحرية الفردية، وركز جدا على مسألة الحرية التي يعتبرها مفقودة تماماً في الطرح الاسلامي المعاصر وقال في ذلك (أن الحرية عند الفقهاء كانت لا تتعدى (الحر ضد العبد وفقط).
كما تطرق في مقال له عن العلمانية نشر بتاريخ 7 نوفمبر 2014م عبر صفحته في الفيس بوك يقول: (المشكلة في النظام العلماني ليست في أنه ما إذا كان مع الدين أو ضده، بل هل العلمانية مستبدة أم غير مستبدة؟ فإن كانت غير مستبدة فهي بالضرورة ليست ضد الدين)، وينطلق د. شحرور في تأويله لقوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) من أن الله نفى جنس الإكراه في الدين وأن السلطة تقوم على الإكراه يقصد (سلطة الدولة) ويضيف (وهي من التسلط والقهر والدولة لا تقوم لها قائمة من دون سلطة تحافظ على هيكليتها)، فبالتالي أي سلطة تأخذ شرعيتها من الدين لابد أن تلبس الدين ثوب الإكراه ويخلص إلى أنه لابد أن يُفصل القرار السياسي عن القرار الديني ويرجع ويؤكد على أن الدين لا يمكن أن ينفصل عن المجتمع ولم ينفصل عنه على مدار التاريخ حتى في أعتى الدول العلمانية.
هنا نشير إلى تركيا الكمالية نجد أن علمانيتها قامت (ضد الدين نفسه) من منع للآذان وتحويل بعض المساجد لدور آخرى أو حتى لخمارات وتغيير الزي واغلاق مدارس تحفيظ القرآن وغيرها، واستبدال اللغة العربية، وهذه كلها قرارات سياسية، كان الهدف منها طمس الهوية الدينية، السؤال هنا لماذا لم ينتهي الدين في تركيا نجد أن الإجابة على هذا السؤال لإرتباطه بالمجتمع فالمجتمع هو محور الدين وليس السياسة، فبقاء الدين ببقاء المجتمع.
أن العلمانية في حد ذاتها قد تطورت وتفاعلت مع الواقع ولم تعد تلك العلمانية التي اقصت الدين في بداية عهدها.. وهنا لابد أن نقول أن أي مشروع بشري إصلاحي لابد أن يعتريه النقص فإذا عقدت المقارنة بين (المشروع الاسلامي في السودان ومشروع حزب العدالة الاسلامي المعلمن) لوجدت أن النجاح صاحب التجربة التركية والفشل لازم التجربة السودانية لسبب بسيط وهو واقعية المشروع التركية وخيالية ومثالية وطوباوية المشروع الاسلامي في السودان، فلابد أن تتعامل مع العلمانية باي شكل من الاشكال لعلو البنية العلمية الصلبة التي تقف عليها ولإحتياج العالم الاسلامي لهذه البنية العلمية.
فالعلمانية بعد تنظيرها وكتابتها وتطبيقها واحتكاكها مع الواقع الذي أفرزها تقدمت في الجانب العلمي والعملي ووصلت علميا لأمور علمية كانت صعبة على العقل البشري تصورها في قديم الزمان وأصبحت حقائق يتفق عليها غالبية البشر ونجدها أيضا رجعت واعطت الدين مجاله الحقيقي الذي من المفترض أن يعمل فيه وهو (تهذيب الأخلاق ورعايتها والحث عليها) فنجدها مثلا لا تتدخل في الشعائر مطلقاً يقول د. شحرور هنا (فإذا بحثنا عما {أنزل الله} في التنزيل الحكيم من أحكام لنحكم بها بحيث لا ينطبق علينا صفات (الكافرون أو الفاسقون أو الظالمون)، آخذين بالاعتبار أن الحرام شمولي أبدي مغلق، بيد الله وحده، لوجدنا أن أحكام الله تختزل بمحرمات أربعة عشر، ولوجدنا أن أغلب السلطات في العالم، ديمقراطية كانت أو ديكتاتورية، دينية أم علمانية، مستبدة أم غير مستبدة، تحترم هذه المحرمات، فلا يوجد برلمان صوت مثلاً على الإيمان بالله واليوم الآخر، حتى في الدول الشيوعية التي تبنت عقيدة الإلحاد كان يمكن للمؤمن الاحتفاظ بإيمانه في قلبه، ولا يوجد برلمان عرض وحدانية الله للاستفتاء، أو بر الوالدين، أو منع قتل الأولاد أو السماح بممارسة الجنس علنياً، أو الاقتراب من مال الأيتام أو الغش بالكيل والميزان أو نقض العهد أو شهادة الزور أو نكاح المحارم، أو منع أكل نوع معين من اللحم أو الإجبار عليه، أو غيرها، أما الشعائر فيفترض أنك تقيم الصلاة (خارج أوقات العمل) أينما كنت وتصوم وتنفق كذلك، وحريتك الدينية وحرية غيرك يجب أن تكون مصانة، وهذا ما تحققه الدول العلمانية “الزنديقة”) .وقد حصد الناس ثمارها واستفادوا من منجزاتها بما فيهم الاسلاميون أنفسهم، فعندما طبقها اسلامو تركيا هي ناجحة حتى الآن.
ونجد أن المتتبع لكتابات (الاسلام اليساري) يجدها ما هي إلا قفزات نوعية وواقعية تمهد الطريق لمشروع دولة واقعية تتجاوب مع متطلبات الواقع، تحكمها مقاصد الدين وروحه وليست حرفية النص الديني كما يريد أن يطبقه الفقهاء والتقليدين. وقد استفادة تركيا وماليزيا وسنغافورة من أطروحات هؤلاء الكتاب في حين أهملتها البيئة التي كتبت فيها ومن أجلها بل كفرت في أحايين كثيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ