الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي في العراق

ياسر المندلاوي

2006 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التفجير الآثم للمرقدين الشريفين في سامراء، وما تبعه من إعتداءات سافرة على المساجد ـ حرقا وتدميرا وإستيلاء ـ وإشاعة الأجواء المضطربة بالشروع الفوري في عمليات القتل الفردي والجماعي على الهوية، دفع الكثيرين إلى إمعان العقل والنظر في مآل الوضع الراهن، وإحتمالات إنزلاقه إلى حرب أهلية معلنة، بعد إبتداء بوادرها الخفية في صمت مريب لا يشقه سوى ما يطرق مسامعنا من نتف الخبر في تسريبات تتشح بالمآرب الدنيئة، دون الحرص على سلامة البلاد والعباد.
فبينما تعالت الأصوات محذرة من الإنزلاق إلى حرب أهلية، إنزلقت أقلام كثيرة، وزلت ألسن هذرة، إلى مستنقع الإتهامات المجانبة للأدلة، لتتسع دائرة المتهمين في إحاطة لا طائل منها، تليق بأصحابها في دأبهم على نحر الوطن من الوريد إلى الوريد. فالجاني طرف واحد أو مجموعة أطراف، والنية الجرمية متوفرة لديه أو لديهم، والمصلحة متحققة له أو لهم، فهو هم، وهم هو، فالأمر سيان، ولا نخوض مع الشاتمين الشامتين، الموالين للإحتلال وبعض المناوئين، وإنما نخوض فيما ينبغي، ونجول النظر فيما بطن وفيما ظهر من أمر الإسلام السياسي في العراق، فهو ( في شقيه المماليء والمناويء) من بعد الإحتلال، بيت الداء وعلة البلاء.

(1) الإسلام السياسي إصطلاحا


في حديث تلفزيوني، إستنكر الشيخ القرضاوي على العلمانيين إستخدامهم لمصطلح (الإسلام السياسي)، وعد هذا الإستخدام منافيا لحقيقة الإسلام، والمصطلح بدعة العلمانيين في تجزئة الإسلام الواحد الموحد إلى إسلام سياسي، وإسلام إقتصادي، وهلمجرا. فوفق تلميحات الشيخ القرضاوي، فإن السياسي في الإسلام حقيقة، بينما (الإسلام السياسي)، كإصطلاح، إختلاق وبدعة، في توصيف مغرض للسياسي في الإسلام، الذي ينتمي إلى النسيج الموحد لمنظومته الفكرية الإيمانية، في علاقة عضوية لا فكاك منها بين جميع مكونات الفقه الإسلامي في شقيه العبادات والمعاملات. وحيث إننا نستخدم هذا الإصطلاح (المنكر) في هذه المتابعة للأحداث في العراق على خلفية التداعيات الطائفية، إرتأينا التوقف برهة لتوضيح ما إلتبس على الشيخ الجليل في تعليله للإستخدام الواسع لمصطلح (الإسلام السياسي) من قبل العلمانيين، في محاولة منا لرد الشبهات، وتقويم الأفعال والأقوال بلا مبالغات، أو أي قصد آخر قد يندرج تحت بند الرغبة في الإفتعال. وإبتداءً نقول بأن المصطلح، أي مصطلح، لغة، كل كلمة يراد بها معنى معين متفق عليه بين العلماء في علم ما. وفي المسألة التي نحن بصددها، فإن (الإسلام السياسي) إصطلاح في علم السياسة، ويشترط الإتفاق علىالمعنى المراد به بين علماء السياسة حصرا، وبالتالي فإن مخالفة علماء الدين والطب والرياضيات والكيمياء وغيرهم للمعنى المتعارف عليه بين المشتغلين في السياسة، لا يخرج (الإسلام الساسي) من حقيقته كإصطلاح، يراد به الحركات السياسية التي تنشط وفق القراءات الخاصة بها للسياسي في الإسلام، بمعزل عن باقي مكونات المنظومة الفكرية الإيمانية للإسلام، وفي أفضل الأحوال، وفق قراءات تبالغ في دور السياسي على حساب المكونات الأخرى، بحيث تبدو هذه المكونات توابع هزيلة تبرر القراءات الخاصة لما هو سياسي في الإسلام ليس إلا. وفي كلتا الحالتين، فإن النتيجة المؤكدة هي مفارقة (الإسلام السياسي) للسياسي في الإسلام، بل وللإسلام كله. وعليه يمكننا القول بأن مصدر الإلتباس لدى الشيخ القرضاوي، والذين على موقف سماحته من إستخدام مصطلح (الإسلام السياسي)، إنما يكمن في إفتراض المطابقة الخاطئة بينه وبين السياسي في الإسلام، في حين نحن لا نذهب إلى إنكار المطابقة بينهما فحسب، وإنما إلى إعتبار (الإسلام السياسي) عامل نفي للإسلام برمته. وقولنا هذا ليس فيه إفتعال، بل هو تقرير لواقع الحال، ويمكن الإستدلال عليه بما يلي:
نقطة البدء في عملية الإستدلال تبدأ من القول بأن لا إفراط ولا تفريط في الشؤون التي يتناولها الإسلام، وغالبا ما يكرر الشيخ القرضاوي هذا القول للتعبير عن وسطية وإعتدال الإسلام، وذلك بالدعوة إلى أن يزن الفرد المسلم (والجماعة المسلمة) الأمور وفق موازينها بلا زيادة أو نقصان. وحقيقة نفي الإفراط والتفريط تتجلى في عموم الإسلام للحفاظ على تناسق وإنسجام مختلف أوجه النشاط الديني والدنيوي للفرد والجماعة. فمن وجهة النظر الإسلامية، فإن الإسلام نظام شامل يحكم حياة الأفراد والجماعات في ترابط وثيق بين ما هو ديني وما هو دنيوي، فلا وجود للسياسي في الإسلام بمعزل عن الإقتصادي والإجتماعي، ولا وجود لها مجتمعة بمعزل عن العقائدي، وهكذا مع جميع أوجه النشاط الفردي والجماعي للمسلمين. فوفق وجهة النظر هذه، فإن المقاصد الإلهية من الإسلام لا تتحقق ما لم تتحقق الموازنة الدقيقة بين عديد هذه الأوجه، وأي إفراط في جانب، يقابله تفريط في الجوانب الأخرى، والعكس صحيح. وفي صياغة أخرى، فإن كل جزئية من هذه الجزئيات تنتظم في نسيج المنظومة الإسلامية، وتفعّل لخدمة الإسلام كقصد إلهي، وحيثما تعطل مبدأ لا إفراط ولا تفريط، تخالفت المعادلة، واصبح الكلي في خدمة الجزئي. وهذا هو بالتحديد ما فعلته قوى (الإسلام السياسي)، التي وضعت الإسلام في خدمة حركتها السياسية، عوضا عن تفعيل الجزئية السياسية في الإسلام لإعلاء شأنه وتحقيق مقاصده. والنتائج العملية لهذه المعاكسة للعلاقة بين الجزئي والكلي، كانت التضحية بالمباديء الإسلامية لحظة تعارضها مع الهدف السياسي لهذه القوى، وتاليا، تقديم الدين الإسلامي على غير حقيقته، فيبدو تارة، مهادنا للطغاة والجبابرة، وتارة أخرى، رافضا متمردا، غير عابيء بالقيم الدينية و الإنسانية. والحصيلة كما نعايشها، إساءة بالغة للإسلام والمسلمين، ذروتها الرسوم المسيئة للرسول الكريم(ص)، والتي نؤمن، بلا ريب أو مواربة، بأن (الإسلام السياسي) موجدها صورة ومعنى، قبل أن تتشكل في هيئة رسوم ساخرة بريشة الرسام الدنماركي.
خلاصة القول في هذا الشأن، إن (الإسلام السياسي)، وجود حقيقي، والإصطلاح في شأنه لم يكن بدعة علمانية لمناوئة الإسلام، وإنما صياغة لمعنى هذا الوجود في تعارضه للإسلام ومناوئته للمسلمين. أي أنه إصطلاح مطلوب لتحقيق التمييز بين ما هو إسلامي، وما هو غير إسلامي، ينشط سياسيا لإنجاز أهداف خاصة في إستخدام شاذ وإستثنائي لنصوص القرآن الكريم، وللسنة النبوية الشريفة، وتخرجهما من وظيفتهما في تحقيق مقاصد الشريعة، إلى تحقيق أهداف حركية لجماعة سياسية، في تعارض بيّن مع تلك المقاصد.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah


.. 210-Al-Baqarah




.. 212-Al-Baqarah