الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظلومية قراقوش

عبدالوهاب جاسم الجرجري

2018 / 8 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من الشخصيات التي ظلمت تاريخيا هي شخصية بهاء الدين قراقوش . وقراقوش المسكين الذي صار على السنة الناس في كل زمان وفي كل بلد المثل المضروب لكل حاكم فاسد الحكم فكلما اراد الناس يصفوا حكما بالجور والفساد قالوا هذ حكم قراقوش وفي بعض البلدان يحرفون اسمه فوق تحريف تاريخه فيقولون :قراقاش.
وقراقوش معناها بالتركية النسر الاسود(قوش : النسر، قرا : اسود)
حيث ان له صورتان ، صورة تاريخية صادقة صحيحة وصورة روائية مزيفة صورها احد اعدائه و منافسيه والغريب ان الصورة الحقيقة طمست والصورة الخيالية الباطلة بقيت وخلدت ، فلا يذكر قراقوش الا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة وهذه الاحكام الغريبة التي نسبت اليه واقترفت عليه.
فمن هو قراقوش؟
هو احد قواد بطل الاسلام صلاح الدين الايوبي ،كان من اخلص اعوانه ومن اقربهم اليه وكان قائدا مظفرا وجنديا امينا وكان مهندس حربيا منقطع النظير وكان مثالا للرجل العسكري الامين.
ومن امانته ان الفاطميين عندما احسوا بزوال ملكهم عمد بعضهم الى العبث بممتلكات ونفائس القصر واخذوا منه ما خف وزنه وغلى ثمنه وكان القصر مدينة صغيرة كدس فيها الخلفاء الفاطميون على مدى قرون من الكنوز والنفائس مالا يحصيه العد.
فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر فنظر فاذا به عقود الجواهر والحلي النادرة والكؤوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب مالا مثيل له في الدنيا هذا فضلا عن العرش الفاطمي الذي فيه ارطال الذهب ومن نوادر اليواقيت والجواهر ومن الصنعة العجيبة مالا يقوم بثمن، وفوق ذلك من الوان الجمال كان القصر فيه المئات والمئات من الجواري المنحدرات من كل امم الارض ما يفتن العابد .
فلا فتنه الجمال ولا اغواه المال ووفى الامانة حقها ولم يأخذ لنفسه شيئا ، ولا ترك احدا يأخذ منها شيئا.

كان حسن المقاصد، جميل النية، وصاحب همة عالية، فآثاره تدل على ذلك، فهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة، ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وعمّر بالمقدس رباطا، وعلى باب الفتوح بظاهر القاهرة خان سبيل، وله وقف كثير لا يعرف مصرفه
وعندما قام الحكم الأيوبي في مصر وخارجها، احتاج صلاح الدين الأيوبي إلى منشآت حربية ومدنية، كان من أهمها إذ ذاك إقامة الجسور، وتطهير الترع، وتشييد القلاع والأسوار المحيطة بالبلاد، لتقييها شر غارات الأعداء من الخارج، فانتدب صلاح الدين لذلك: بهاء الدين قراقوش، فأقام أول ما أقام (قلعة الجبل) وهي ما يعرف حاليا بقلعة محمد علي، فقد بناها قراقوش على أعلى الجبل، لتكون مطلة على القاهرة كلها، وقد اتخذت من بعد صلاح الدين مقرا للحكم، حتى عهد محمد علي، ثم في عهد إسماعيل انتقلت دواوين الحكم إلى دور أخرى وسط مدينة القاهرة وبنى قراقوش أيضا بعد قلعة المقطم، قلعة أخرى، تسمى قلعة (المقس) على النيل، وبنى بالقرب منها أبراجا أخرى على النمط الإفرنجي، وانتدبه صلاح الدين الأيوبي ليبني سورا يحيط بمصر والقاهرة، وقد فعل، ويروى أن مجرى العيون كذلك بناه قراقوش، والذي لا يزال أثره موجودا في مصر القديمة حتى الآن. ثم طلبه صلاح الدين ليرمم له سور (عكا) والذي اخترق عن طريقه الصليبيون للوصول للقدس واحتلاله، فرممه، وأثناء ترميمه، تعرض قراقوش ومن معه لحصار من الإفرنج لمدة عامين، أدار الحصار بشكل ماهر كبير.
لما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين الايوبي ،وكادت تقع بينهم الحرب ما كفهم ولا اصلح بينهم الا قراقوش .
ولما مات العزيز الايوبي ،واوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيا في التاسعة من عمره جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش ،فكان الحاكم العادل، والامير الحازم ، اصلح البلاد ، وأرضى العباد.
هذا قراقوش ،فمن اين جاءت هذه الوصمة التي وصم بها ؟ ومن الذي شوه هذه الصورة السوية ؟
انها جريمة الادب التي أساء ابن مماتي الى قراقوش واظهره بغير وجهه الحقيقي ،وابن مماتى كاتب واديب بارع طويل اللسان كان موظفا في ديوان صلاح الدين وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه ويتملقونه بالود حينا وبالعطاء أحيانا ،ولكن قراقوش الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به ولم يخشى شره ، ولم يدر ان سن القلم اقوى من سنان الرمح وان طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى ، او تقتل المجروح فيموت اما طعنة القلم فتجرح جرحا لايشفى ويريح من ألمه الموت.
فألف ابن مماتى رسالة صغيرة سماها (الفافوش في احكام قراقوش)ووضع هذه الحكايات ونسبها اليه وصدقها الناس ونسوا التاريخ.
فمات قراقوش الحقيقي وعاش قراقوش الفافوش.

ويكفي هنا ان نستشهد بما قاله مؤرخ عظيم عاش في أواخر الدولة الأيوبية وهو: ابن خَلِّكان فكتب ترجمة لقراقوش قال فيها: (والناس ينسبون له أحكاما عجيبة، في ولايته نيابة مصر عن صلاح الدين، حتى إن الأسعد بن مماتي له فيه كتاب لطيف، سماه: (الفاشوش في أحكام قراقوش) وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهرة أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان يعتمد في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه).



*للاطلاع بشكل اوفى راجع:
كتاب حكم قراقوش لعبداللطيف حمزة.
كتاب رجال من التاريخ لعلي طنطاوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح