الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبداع والحرية

صاحب الربيعي

2006 / 4 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تصنف الثقافة ضمن منظومة القيم العليا للمجتمع لأنها تمثل وجهه الحضاري، ومن المفترض بها أن تعبر عن تطلعات المجتمع لأنها المرآة العاكسة لكافة أوجه النشاطات الاجتماعية في الحياة. وبما أن مهامها الأساس مرتبطة بشؤون المجتمع، فإنها تعكس أنماطاً متعددة من المهام لكنها في الغالب تكون متداخلة بعضها مع البعض الآخر. وهذا التداخل أدى إلى تعدد سلطاتها داخل الدولة والمجتمع، وتسعى كل منها لأسر الأخرى وإخضاعها وتجيير مهامها لخدمتها.
وهذا المسعى يمكن رصده اجتماعياً في الثقافة السياسية الساعية أبداً لأسر أنماط ومهام الثقافة ذاتها لأنها تعتمد أساليب العنف والابتزاز وشراء الذمم بغرض إخضاع السلطات الأخرى لها، وتجيير مهامها لخدمة توجهاتها السياسية.
عند هذا المنعطف من صراع السلطات بين الأنماط الثقافية تصبح الثقافة موجهة تخدم أهدافاً سياسية محددة بعيدة كل البعد عن مهام الثقافة ذاتها. وبهذا فإنها تتخذ اتجاهين متعاكسين: ثقافة خالية من الإبداع تمثل السلطة، وثقافة إبداع غير موجهة تمثل المجتمع.
وكلا الاتجاهين يعكسان مهام وتوجهات وبالتالي سلطات متعارضة وغالباً ما تسعى السلطة الأقوى (الثقافة السياسية-السلطوية-الحزبية) لفرض توجهاتها بالقوة والعنف لإخضاع السلطة المتعارضة منها وتحجيم مهامها والحد من نفوذها عن طريق حجب الحرية عنها.
يعتقد ((كَنت))"أن السلطة التي تحرم الإنسان من حرية طرح أفكاره بشكل حر، تسعى إلى حرمانه من حرية التفكير".
ومهما بلغ حجم العنف والاستبداد وحجب الحرية الذي تمارسه السلطة السياسية لفرض توجهاتها على المجتمع فإن الأخير يعمل على مقاومتها بأشكال متعددة...وبالرغم من سيادة ثقافة السلطة وتوجهاتها المصحوبة بالعنف وحجب الحرية في المجتمع فإن ثقافة الإبداع لاتنتهي تماماً لكن يتحجم نتاجها المعرفي وتنحصر مهامها بالمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية.
يقول ((توفيق الحكيم))"أن الحرية هي الهواء الضروري لسعة الصدر والعقل...الحرية هي الدواء الحقيقي للأمة المريضة".
هناك تلازم بين الإبداع والحرية فبدون وجود فضاء من الحرية لايمكن للإبداع أن ينمو ويتطور، والحرية ذاتها لايمكن تجزئتها إلى حرية لثقافة السلطة وحرية لثقافة المجتمع. أية ثقافة محددة التوجه وتخضع لسلطة لايمكن أن تنتج إبداعاً على الإطلاق لأنها محكومة بسلطة تفرض نهجها على المبدع وتقسره على الانصياع لتوجهاتها. وهذا القسر يفرض آليات وأساليب محددة على الخلق الإبداعي الذي يولد مشوهاً ومعاقاً ولايمكنه ممارسة مهامه في الرفد الحضاري.
لايؤثر انعدام الحرية فقط على الميدان الثقافي باعتباره يمثل منظومة القيم العليا للمجتمع، وأنما تأثيره يمتد ليأسر كافة مرافق المجتمع لما يعكسه من مطالب اجتماعية عاجزة سلطة الاستبداد عن تحقيقيها. وحينها تقتصر مهام ثقافة السلطة على الدفاع عن سقطات وتوجهات السلطة ضد ثقافة الإبداع الملتزمة بمهامها الأساس في الدفاع عن مصالح المجتمع.
يقول ((الأمام علي-ع))"لاخير في الصمت عن الحكم، كما أنه لاخير في القول بالجهل".
الإبداع هو إنتاج ثقافة متميزة عن غيرها من الثقافات السائدة، وبالتالي فإن المبدع ذاته هو حالة خاصة ومتميزة عن أقرانه في الوسط الثقافي. وهذا التمييز في النتاج الثقافي ومنتجه هو ظاهرة جديدة تتنافى وما ينتجه الواقع، وبالتالي فإنه يتعارض كلياً مع الوسط الذي غالباً ما يرفض ما هو غير مألوف لديه ويحجب الحرية عنه ليحد من تأثيره على الواقع السائد لرفضه كل تغيير يأتي بالجديد.
مساحة الحرية التي يحتاجها المبدع هي الضامنة لحرية التعبير والنقد لما هو سائد من ثقافة في المجتمع، وهذا التعبير يكون حراً بقدر مساحة الحرية المتوفرة التي تحدد بذات الوقت سلطات الأنماط الثقافية عبر القانون لمنع سلطة الثقافة السياسية تحديداً من ممارسة سياسة الإخضاع والأسر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟