الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نرجسية الأديان
محمد ابداح
2018 / 9 / 9العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ثمة طابع فوضوي لكل حقبة نجتازها، وبشكل خاص في أوقات الأزمات السّياسية للأنظمة العربية الحاكمة، وفي كل مرة يجري تحوّل للإستثمارات السياسية والإقتصادية بالبنية العامة للمجتمعات المُستسلمة للظواهر الثقافية والدينية بارتياح مُقلق، عائد لتركيز الجهد التحليلي لعالم الماورائيات، مسروين جدا كعادتنا بعودتنا لمنازلنا برغيف الخبز، وفي ذات السياق فإن تركيز الذهن الذي تشهد عليه فصول مسلسل الإنحدار العربي المتواصل يكتفي بخطاب الشعوذة على غرار الخطاب الديني والذي هو أحد وجوه التأويل السحري للسلوك السياسي لغالبية الأنظمة العربية الحاكمة، كحُزم الفتاوي الشرعية المفصّلة على هوى الحكام، غير أن لهذا السحر في كل حقبة تاريخية مراحل متفاوتة من الصعود والإنحدار، فهو يصل لحد التصحّر بفترات الرخاء والسلم، ويفيض إبان الشدائد والحروب، ومن العدل بهذا المعنى القول بأن القضية لاتتعلق بردّ أحكام الإدانة على مُطلقيها، لأن كشف العقيرة بأن الذنب ذنب الساحر، يعني بأن على المرء أن يتصرف كرجل دين، فالوظيفة الأيديولوجية للأديان تتمثل في عبادة القوى الخفية، ويُعد ذلك استجابة مشروعة لحاجة اجتماعية بالدرجة الأولى قبل استغلالها سياسيا وذلك بعبادة القوى الظاهرة المتمثلة بشخص الحاكم.
ومما لاريب فيه بأنه لا يولد كافة البشر مولعين بعبادة مظاهر الطبيعة أو قواها الخفية، لكن إن كانت بُنية الحُكم فردية مُطلقة فإن الحديث جماعي، وقضيّته قضية رأي عام مسموعة ومجابة المطلب، وإن كان نافخ الكير أو المشعوذ المتبىء هو الناطق الرسمي باسم (الرأي العام)؛ فيصبح أكثر ملائمة تسميته برجل الدين الصالح، ويضمن بذلك خلق التوازن بين الزمر الإجتماعية المؤمنة به وبين السلطة الحاكمة، ومن خلاله يُعرف بأي قيمة أخلاقية يجب التمسُّك وفي أي مسلك يكون المسير.
تقول الحكمة: من قال لا أعلم فقد أفتى، إننا لاندري كيف تصبح لفكرة ما قوة مادية تستحوذ على الجمهور، وتمتلك مخالب من حديد، ولا ندري كيف يُترجم التأمّل إلى مُعتقد والقول إلى أوامر، ولنقولها دفعة واحدة؛ قوة الفكرة، ولتوضيح العلاقة السببية بين التمسّك بالفكرة وبين العمل بها؛ يملك العرب فكرة سحرية قابلة للإنتقال من فرد لآخر ومن جيل لآجيال تليها، وهي فكرة تملك قوة خفية، يُعتبر المسلم العربي هو الوحيد القادر على السيطرة عليها وتسخيرها، فهي قوة مادية وروحية معا، موصوف وصفة، قول وأداة عمل، فما هي تلك الفكرة التي تمنعنا من طرحها حقيقة الدين والإيمان؟
إن فكرة الدين تجعل من المُمكن للمرء أن يرى من خلالها صيغ عقلانية للماورائيات، فبدل أن يُعير الإنسان تركيزه وقواه للعلوم المادية، يُعيرها لتصورات ذهنية (لاهوتية) غير قابلة للتجسيد (من يُرد الله به خيرا يُفقهه بالدين..)، ولأن نجد أفكارنا وتصوراتنا مزودة بقوى عجيبة وقدرات خفية، فهذا ما يجعل من رجل الدين والفقيه والمُفتي في موقع الساحر والمشعوذ الشافي بالرقى، ولسوف تدور المجموعة البشرية في فلك نظرياته الأمر الذي يجسد معنى النرجسية بأبهى صورها.
إن روح الفكرة هي مرآة المُفكر ومُحرّك بحثه، وإن المثقف ليقف أمامها طويلا متأملا، تلك هي نرجسية المثقف وهي ذاتها على أية حال روح الدين ونرجسية المُتعبّد، الأمر الذي يكشف لنا سلفا تفاصيل مسار الأديان وخطب العزم، وتحويل المؤلف أو المبشر أوالنذير إلى بطل، يتصدى للأبالسة، ويجندلُ غيلان الشر وحده، لكن عليه أولا (على غرار الملاحم والأوديسيّات التاريخية) أن يدخل في أنفاق وسراديب العوالم الخفية التي تكمن فيها أسباب شقاوة وسعادة البشر، ثم يصبح بعدها المخلّص والمطهّر، والحاكم الآمر باسم السماء، وروح القدس، وآية الله والمرشد الأعلى، وخادم الحرمين ووليّ النعم.
ثمة علاقة مصاهرة طبيعية بين الدين والسحر لإنجاب السّياسة، وليس مردّ ذلك فقط إلى أن ممارساتنا السّياسية هي في الوقت ذاته قائمة على المكر الشيطاني والحيل السحرية والإبداع الرّوائي، ولسوف نرى على الدوام لِمَ كانت المثالية والجوهرية أساسا للمُمارسة الديوسياسية (الدينية - السياسية)، وخلافا لما نعتقد فليست الجوهرية مثالية بل نفعية محضة، وحيثما تجد التأثير تجد الحِيل، ويبدو لنواظرنا بأن الدين والسّياسة والسحر تتناوب في تبادل الأدوار، وهذا التناوب يخلق احتكاكا قسريا يُعيد على الدوام انتاج النماذج الأصلية للنبوءات التي تُنجز لنفسها ما تعلن عنه.
وفي المادة السّياسية تحديدا يُمكن أن ينطبق الخطاب اللاهوتي على المضمون مع ضمان النتائج التي تجعل النقد العلمي ينفلت من عقاله، أمام كمّ الإستثمارات الهائل للأديان في القوى البشرية، رغم عشق الإنسان لقيم المال والعمل أكثر من تعلقه بقيم المُعتقد، ورغم أن فائض القيم من المعتقدات يضع تحت تصرف أي باحث أو مؤرّخ ما لا يُحصى من المعطيات العملية والنظرية، إلا أن الدين يُسعفُ السياسة ويُتمم نعمته عليها، فالهيمنة السياسية في حقيقة الأمر ورغم أهمّيتها القصوى إلا أنها في نهاية المطاف تورّط ، والدين بنرجسيّته من ناحية أخرى يُعدّ استغلالا مثمرا ومربحا سياسيا واقتصاديا؛ فالأول يُفرط باستنزاف أموال المخصّصات والمشاريع، والثاني يضع كل المصادر البشرية والمالية تحت تصرفها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. القمة العربية والإسلامية في الرياض تطالب مجلس الأمن بإلزام إ
.. يهود فرنسا يطالبون ماكرون بمنع سموتريش من دخول البلاد.. ما ا
.. 7 سنوات من العنـ, ف والدمـ ـ ـاء .. جر, ائم الإخوان لح, ـرق
.. هل يدرج ترامب الإخوان كمنظمة إرهابية مجدداً ؟
.. القمة العربية الإسلامية تدعم جهود مصر وقطر لوقف إطلاق النار