الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية اللغة العربية هي إشكالية طبقية وليست عجز في اللغة (مقال تتمة لموضوع: اللغة المغربية وخرافة الخدش)

عذري مازغ

2018 / 9 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ا
النص الذي أفاض الكأس في الحالة المغربية:
"ازدادت في بيتنا مولودة جديدة. إنها بنت جميلة، سميناها نبيلة (........)
"اجتمعت العائلة كلها في بيتنا.. جدي وجدتي، عمي وعمتي، وخالي وخالتي وأبناؤهم وبناتهم، هيأت خلتي "الغريبة" و"البريوات"، واحضرت جدتي صحنا من "البغرير" المدهون بالزبدة والعسل".
هذا النص لأقسام الدراسة في السنوات الأولى ابتدائي أثار في المغرب زوبعة عارمة في المنتديات الافتراضية وأسال الكثير من الفعل وردود الفعل حول اقتحام أكلات بأسماء مغربية خالصة، وأعتقد أن الذين بدؤوا الحملة هم من شعروا بتخوف خاص جيني دفين ظاهره الخوف من موت اللغة العربية الفصحى ولذلك تذرعوا بالمقدس في إحيائها من خلال إثارة موضوعة الخدش والجمالية وما إلى ذلك، اما باطنه فله علاقة دفينة أيضا هي الخوف من موت وظيفة هذه اللغة المقدسة التي يمتهنها الكهنة وهي وظيفة الشراح، وظيفة شارح الدين بشكل عام وشارحي الخطاب الرسمي للدولة.
يثير هذا النص مشكلة أساسية في الهدف علاقة بالزوبعة اللسنية بالمغرب، مالهدف من تلقين الطفل؟ أن يستوعب النص بشكل مباشر، أم ان يستوعبه بواسطة شراح (وليكن شخص المعلم الذي سيشرح على أن اكلة كذا وكذا إن وجدت في لسان الشعر الجاهلي هي فقط "بغرير" بالمغربية (كنموذج) أو قاموسا لغويا برغم أن هذا القاموس في مثل هذه السن ليس مستوعبا البحث فيه عند طفل لانه أساسا يتعلم الكتابة والقراءة كمبدأ أولي في التكوين)، والحقيقة أن مهمة التعليم في الإبتدائي هي مهمة تلقين الكتابة والقراءة مقرونتين بالفهم والاستيعاب. إن الطفل يأتي إلى المدرسة وفي جعبته اللغة الأم، عليه فقط أن يكتب ويقرأ لغته ويفهمها أيضا وهذا أسلوب متبع حتى في الدول التي لها أحسن تعليم.
مشكلة اللغة العربية الفصحى هو مشكلة الفكر العربي السائد، فهي أصلا لغة قائمة الذات ولغة حية أيضا في لسان الشعوب الناطقين بها، لكن هذه الشعوب تنطقها وفق قواعد أخرى هي ما لا يستطيع الفكر السائد أن يتجرأ ليعترف بها ويؤكدها في لسنياته. بمعنى أن هذا الفكر هو من يقصي لسان شعوبه التداولي لصالح لغة كانت حية في زمن خاص وبيئة خاصة.
اللغة العربية الكلاسيكية كانت حية بدليل مختلف اللسنيات التي ضمنتها في قاموسها، يعني كانت لغة بيئة خاصة أغنت قاموسها من لغات كانت سائدة حينها، لغات محيطة بها، فالقرآن مليء بالمصطلحات الفارسية والسومرية والآشورية والأرامية والعبرية أيضا (أغلب الأسماء العربية المتداولة الآن هي عبرية).
لماذا هي مشكلة الفكر العربي السائد؟ ببساطة وبالاستناد إلى واقع اللغة ذاتها في واقعها المفارق: شعوب تتكلم لغة عربية حية سميت دارجة وترسيم لغة ميتة سميت فصحى، هذا الفكر صنع من اللغة ثباتا خرافيا لضرب التنوع السكاني في العالم الذي يسمى عربي، إنه ضرب من الفاشية والعنصرية، نوع خرافي من حفظ النوع بحسب تعبير نيتشه وهنا هي حفظ نوع الكهنة الإسلاميين. لم ينظروا إلى اللهجات العراقية، السورية، المصرية، الشمال إفريقية، اللبنانية وبشكل عام، لم ينظرو إلى مختلف تنوع هذه اللهجات على أنه إحياء وإغناء للعربية، بل نظروا إليها على انها وسخ وتلويث للنسل..
إغناء هذه اللغة بما يحيط بيئتها من تدفق متنوع يفترض أساسا هدم جدار التقعيد الذي هو صمام الثبات لحفظ نسلها وهي تاليا مشكلة لسنية معقدة تفترض جهدا جبارا، تفترض بدئيا اعتبارها لغة انسانية وليست لغة الله، اعتبارها لغة متطورة وحاضنة لها خاصية القابلية التي للغات التي تسمى عند هذا الفكر لهجات أو "دارجة"، ضرب قاعدة المثنى التي لم تعد تستعمل في كل اللهجات بدون استثناء، إنها ثورة في اللغة تخيف الفكر السائد وتحط من عليائه.
مشكلة اللغة العربية علاقة باللغات الغربية وبالعلوم ليست مشكلة تحويل هذه العلوم إليها بل هي مشكلة رفض تحويل هذه العلوم إليها في الوقت الذي اللغات الحية التي تسمى "دارجة" تحول هذه العلوم بسهولة فائقة لانها فقط تزيح الرقابة السيادية التي لها علاقة سيكولوجية بالطبقة المثقفة السائدة، فهذه الطبقة عرفت تلك العلوم بلغة اخرى وهو في حد ذاته ميزة يجب أن تستثمر في تميز شخصياتها هذه، ولكي تكون عالما ينتمي إلى هذه الشخصيات عليك أن تكون قد مررت بما مروا به هم: أن تدرس العلوم البرانية كما درسوها هم (عقدة حفظ النوع تعتمد على إعاقة تبدوا عقلانية فيما هي مرتبطة بالعجز المالي الذي يحول دون توصل فقراء أذكياء إلى العلم الذي هم وصلوا إليه)، والإدعاء بأن العقل الغربي له ميزة خاصة تجعله عقلا علميا هي خرافة أخرى تمنع أن نرى كيف تحرر العقل الغربي مما أسره في العصور الوسطى، فاللغة في كل الأحوال ليست هي المشكلة بل هي في التعاطي مع إشكاية العقل بين أسره في الغيبيات وبين تحرره منها، ولنكن واضحين من البداية، هذه الغيبيات تخدم طرفا في علاقته بالغرب من حيث هو يشكل تابعا له من حيث هو بها يجعل الطرف الآخرالنقيض في حالة عجز عقلي دائم هو عجز مالي كما وضحنا ، التعليم طبقي وضرب مجانيته هو بهدف إبقاء المميز مميزا من حيث هو من سادة القوم، وإبقاء الآخر مميزا باستعباده حتى لو كان أذكى من السيد.
إن لغة ترفض أن تتوسخ بلغات محيطة بها هي في كل الأحوال لغة عنصرية فاشية، وعليه فمشكلية التعليم في بلداننا هي أيضا مشكلة هيمنة الفكر الفاشي العنصري على ثقافتنا.
يجب أن نثير بعض الملاحظات:
ــ اللغات الحية ليست بالضرورة لغات متداولة عالميا، بل اللغة الحية هي اللغة التي بها شعب معين يعيش، هي اللغة التي يتداولها في الصرف اليومي شعب معين وليست لغات الأكاديميين من كهنة المعبد الجديد.
ــ الصراع الطبقي هو أيضا، في جانب منه، هو صراع بين لغة حية ولغة ميتة تسود بقوة المال والحديد والنار.
ــ ردا على عشاق الأنجليزية، الإنجليزية حية في بلدانها فقط، في التعامل الدولي، عند الاكاديميين الحقيقيين، يستعملون الترجة، ليس ضروريا أن أتقن الانجليزية لأتكلم عن موضوع دولي ، ولننهي هذه الحماقة التي يفتخر بها بعض انتهازيي المؤتمرات الدولية ممن يورثون حفظ نوعهم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل اللغة العربية لغة حية؟؟؟
camarade sarfati ( 2018 / 9 / 13 - 11:45 )
رفيقي، أتفق مع جل ما أتيت به، لكن أود طرح سؤال عليك: هل فعلا تؤمن بأن اللغة العربية الفصحى لغة حية؟ حسب معرفتي اللغة الحية هي تلك التي حية بشعبها، كما تفضلت وأوضحت. لكن
العربية الفصحى لا أحد يتكلمها إلا من درس بالمدرسة والجامعة، وأتقنها. أما من لم يدرسها فهو لا فقهها. لذلك أرى أنها مثل اللاتينية لا يتكلم بها إلا رجال الدين الذين درسوها وأتقنوها. بل أكثر من ذلك، اللغة العربية الفصحى ليست موحدة لا من حيث مرادفاتها، ولا من حيث تراكيبها، ولا من حيث تعابيرها. فهي متنوعة من قطر إلى آخر، ومن إقليم إلى آخر. يمكن للدارس أن يفهم من أي قطر أو على الأقل من أي إقليم كاتب النص من خلال المصطلحات والتعابير والتراكيب. مثال: نحن في المغرب نستخدم مصطلح اللسانيات، بينما مثلا المصريون يستخدمون مصطلح علم اللغة، نحن نقول جلبانة، بينما السوريون والأردنيون..إلخ يقولون بزاليا وهكذا. وحتى في العصر ما قبل الإسلام لم تكن هناك لغة موحدة، وذلك يظهر من خلال الشعر، حيث الفقهاء المحافظون مصرون على أن مخالفة القواعد هي للضرورة الشعرية، وليس تعبيرا بلغة قبيلة انتماء الشاعر، والقرآن أيضا يشمل أمثلة على عدم توحيد لغته.


2 - اللهجات اليوم فروع عن الفصحى ياهذا
متابع بصمت ( 2018 / 9 / 13 - 12:15 )
وانصح تعليق 1 بالبحث عن اللهجات في اللغة العربية عند مولانا الحاج القديس جوجل


3 - ما هو اختصاصك أيها المتابع بصمت؟؟؟
camarade sarfati ( 2018 / 9 / 13 - 12:54 )
أولا غوغل ليس مصدر علمي للدراسة والبحث الأكاديمي. ثانيا أعتقد أنك لست مختصا في اللغة واللهجات حتى تناقش مثل هذه المواضيع. لكل هذا أنصحك بالدراسة في الكتب وليس في النت.


4 - أقرأ فالقراءة ببلاش
متابع بصمت ( 2018 / 9 / 13 - 14:18 )
والنت فيه كل النسخ الورقية للكتب والمراجع
أنت قديم جدا يا جدو
ولا شأن لك بشخصي


5 - أنت بعيد عن علوم اللغة كل البعد
camarade sarfati ( 2018 / 9 / 13 - 14:32 )
هناك من يقرأ، وهناك من يدرس، والدراسة غير القراءة. عموما توضح أنك بعيد عن المجال، وتردد ما كان شائعا في الستينيات وحتى السبعينيات من أن اللهجات هي متفرعة عن الفصحى أو كما كان يقول بعض المصريين أن اللهجات حالة شادة مقارنة مع الفصحى. يجب أن تعلم أن الشعوب المسماة بالعربية مثل المغرب والجزائر ومصر وسوريا والسودان وغيرها ليست عربية بل مستعربة والفاهم يفهم.
ويكفي هذا القدر المجال ضيق لا يسمح، لكن يجب أن تعلم أنك تخاطب مختص في المجال وبخاصة في اللهجات، بينما أنت بعيد كل البعد عنه.
تحياتي!


6 - اللهجات هي لغات كاملة
محمد البدري ( 2018 / 9 / 13 - 21:48 )
الفصحي ونموذجها المثالي هو القرآن لا قواعد نحوية وصرفية لها. بل تخلو من كثير جدا من الالفاظ التي يحتاجها الفرد في مساهماته اليومية. ولو حاول احد ان يوجدها فلن يجد سوي مجموعةات متعددة من القواعد يستحيل قياسها علي نموذج معياري لهذا يمكن القول ان اللغة الفصحي كلها شواذ. اما ما يسمي لهجات في بغات كاملة اكثر انضباطا وقدراتها علي التعبير افضل مئات المرات عن الفصحي اضاة الي انها ثرية بمفرداتها التي يستحيل الاستغناء عنها في الحياة اليومية بعكس الفصحي الفقيرة في كل شئ.


7 - تحياتي الخاصة
عذري مازغ ( 2018 / 9 / 16 - 11:50 )
الرفيق السرفاتي
قلت بأن العربية كانت حية عندما كانت تداول وتنتعش من لغات سابقة عليها أو محيطة ببيئتها وقلت بأن القرآن مليء بكلمات خاصة بلغات بيئة ومحيط ذلك التاريخ، اما الآن فهي لغة ميتة تسقى بالسيف والفرض القسري من خلال ترسيمها في الإدارات العامة او في التعليم


8 - الأستاذ محمد البدري
عذري مازغ ( 2018 / 9 / 16 - 12:09 )
تحياتي الخاصة
القواعد النحوية لم تؤسس في العربية إلا عندما تحولت من لغة شفهية إلى لغة مكتوبة أما لغة القرآن فهي لهجة قريشية لا غبار عليها تحولت إلى لغة بقوة الحديد والنار شأنها شان الإسلام نفسه وهي بالفعل في القرآن، من حيث ان النص سابق لها،حاولت ان تتاسس بناء عليه بشكل يحد من صرامتها في التفتح على ضم ما يغنيها كلغة بل أيضا ساهمت تلك الصرامة في عزلتها عن محيطها اللسني البيئي لتصبح لغة حاقرة لما يسمونه اللهجات وحاقرة أيضا للغات التي يسمونها عجمية بحيث بقيت متعالية حتى على لغة العلوم التي هي في تطور وولادة دائمة عكس -اللهجات- التي لها خاصية استقبال أي لغة دخيلةأو اي لغة وليدة

اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار