الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتوى (الشيخ الحنفي) في وشم الجبهة

جاسم العايف

2006 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يمكن تجاهل الوضع اللاانساني ، البربري والوحشي ، المتدني ، الذي كان يتعامل به ، السفاح صدام حسين مع فئة من شباب العراق ، الذين دفعتهم ظروفهم الخاصة والحالة الاجتماعية القاسية السائدة في ذلك الوقت ، والكيفية التي كانت المؤسسة العسكرية المنهارة تتعامل به معهم وتدفعهم للهروب من جحيمها المهين ، واعتمادها الرشاوى لقاء نيلهم جزءاً بسيطا من حقوقهم المشروعة وكذلك الدور الامني الذي لعبه أعضاء حزب البعث القتلة المسعورين ، عندما قاموا بمطاردة الشباب العراقي الممتنع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية والذي كان في حقيقته شكلا شعبياعلنيا في معارضة السلطة البائدة ونهجها الجائر . ومن المؤكد ان ملايين العراقيين لن ينسوا ما فعله بهم وبعوائلهم اولئك المهووسون المدفوعون لخدمة سيدهم بمنتهى القسوة ،والضراوة والسادية والتفنن في إيقاع الأذى والانتهاكات المتواصلة بحق العراقي ,ولازالت الذاكرة العراقية ندية وستبقى و الضمير الجمعي العراقي يحفظ في ذاكرته سنوات الرعب تلك رغم جراح الحاضر ودمويته اليومية والتي يلعب فيها زمر البعث المنهار وشراذمه وبقايا الاجهزة الامنية والمخابراتية دورا فاعلا حينما تحالفت هذه البقايا مع الارهاب التكفيري المدعم من قبل بعض دول الجوار الاقليمي التي تسعى في الهروب من استحقاقات الواقع في بلدانها وتأمل من اجل ان يكون ثمن التخلص من نظام يتشابه في الواقع معها ليكون ذلك درسا باهضا امام شعوبها وتسعى بجدية وتنسيق مشترك لافشال المشروع الوطني-الديمقراطي العراقي في بناء العراق على اسس التعدد واحترام الكرامة الانسانية والاستمرار في استباحة دماء العراقيين في كل مكان بعد ان تعامل معها الوحش صدام بمنتهى الاستهانة والدونية وكان سلوكه مجرد مسؤول لمافيا, لا رئيس لدولة,وليس ادل على ذلك من قيام القاتل صدام حسين بإصدار قراره الهمجي في منتصف التسعينيات والذي يقضي بقطع يد السارق ، متجاوزا بقراره هذا الظروف الاجتماعية ، التي كان عليها العراق في ذلك الوقت ، وما أدت اليه حروبه العبثية السخيفة الخاسرة ، وما آل أليه المجتمع والإنسان العراقي في حصار قاس تسببت به سياساته الهوجاء . وكان صدام حسين يعمد في معالجة الأزمات الاجتماعية إلى نوع جاهل ومتخلف في ممارسة الحكم ، وذلك بطريقة فرض القرارات القاسية العلوية ، وهو نوع سهل جدا في ممارسة السلطة الغاشمة ، ويشي بفرديتها ، وقمعيتها ، فبدلا من دراسة ظاهرة السرقة خاصة في تلك الحقبة ومعالجتها وبحث دوافعها الاجتماعية والظروف التي ادت اليها ومحاولة القضاء ولو جزئيا على الأسباب الموجبة والدافعة لممارستها ، نراه يأمر بقطع يد كل متلبس بذلك ، وفعلا قام التلفزيون العراقي, في مساء ما ، بعرض ، مواطن مخدر ومسجى على نقالة المستشفى ، ويده المقطوعة ملقاة إلى جانبه, وكان صوت المذيع المسعور وصراخه يترافق و زعيق ( لا هوادة بعد اليوم ...) وهو يتوعد العراقيين بالمصير ذاته, هذا العرض التلفزيوني البشع ، والمعلن عمداً ، في وقت اجتماع الأسر العراقية,التي انهكها الحصار, حول جهاز التلفزيون ليلا وبعد العشاء المتيسر ، أثار القرف والاستهجان ، وفعّل مشاعر الغضب المتزايدة ضد السلطة ذاتها وأعلامها الرخيص ومع ذلك لم تتوقف عمليات السرقة ، لا بل ازدادت ، و معها ازدادت رشاوى السراق إلى المسئولين الحكوميين لغرض التخلص من عقوبة قطع اليد .في منتصف ذلك الأسبوع ، كتب احد (علماء الدين) في كلمة له حول ذلك جاء فيها: (( رأيت القصاص العادل الذي أُوقع بالسارق ، وهو ينسجم مع حكم الشريعة ، وان وجود هؤلاء في الشوارع ، والدوائر ، والمحلات السكنية ، والأماكن العامة بأيديهم المقطوعة ، سيجعلهم متشابهين مع من قُطعت أيديهم في قادسية صدام المجيدة وام المعارك الخالدة, لذا,( أفتي) ، بوشم جبهة كل من طُبق بحقه ,اوسيطبق, القصاص العادل تمييزا لهم عن حملة أوسمة المجد المبتورة أيديهم في معارك العراق الخالدة)) هذا ما كتبه ( عالم الدين الشيخ جلال الحنفي) في ذلك الوقت وفي حقله الأسبوعي (رؤوس أقلام) في جريدة (القادسية) التي كان الوضيع (هاني وهيب) يرأس تحريرها ، ومن المؤكد ان رأس النظام قد تلقف هذه (الفتوى) التي اطلقها متطوعا الشيخ (جلال الحنفي) الذي سبق له الظهور على شاشة التلفزيون وهو يتقلد وسام الشجاعة من احد مساعدي صدام حينما كان يتم تقليد اعوانه وزبانيته من الشعراء والكتاب, هذه الانواط التي لا تحمل الا شعار عارها على صدورهم الان. بعد ايام على هذه ( الفتوى) أصدر صدام قراره الفظ في (قطع صيوان الأذن ووشم الجبهة) الذي انزل بالاف الشباب العراقي عقوبة لا مثيل لها في العالم الذي كان يعيش آواخر القرن العشرين. تُرى كيف اجاز عالم الدين المرحوم الشيخ( جلال الحنفي) لنفسه اطلاق تلك الفتوى وهو الفقيه الذي سبق ان عمل من اجل تفسير القرآن بفهم معاصر وله مؤلفات معروفة مرموقة في هذا المجال كما ان له من البحوث والمؤلفات والاهتمامات ما لايمكن حصرها او تبيان اثرها والتي تشهد له بالمكانة اللامعة المتميزة . ما الذي سيفعله (الشيخ جلال الحنفي) الذي ذهب لمقابلة ربه بآلآية الكريمة التي تؤكد أن (لا تزر وازرة وزر اخرى) وكيف سيواجه( عالم الدين الفقيه المرحوم جلال الحنفي ) ربه وهو يقف بين يديه بعد ان رحل عن هذه الدنيا عندما يُسأل عن فتواه هذه التي منحها متطوعا وعلنا لحاكم جائر ؟؟ ام ان تبرير ذلك يقع في خانة(طاعة أولي الأمر) ومعاضدتهم على ايقاع الاذى بالرعية؟؟!! والتي لاحول لها ولاقوة.
* هامش:
في كتاب (بلاد ما بين النهرين) لمؤلفه (ليو او بنهايم) ترجمة الأستاذ (سعدي فيضي عبد الرزاق) منشورات وزارة الثقافة والإعلام/بغداد/ سنة/ 1981/ سلسة الكتب المترجمة /104/و في الصفحة /94/ يرد ما يلي : ـ
((ان البابليين الأسياد كانوا يضعون علامة (الوشم) على جبين الرقيق الهارب ، وكانت العلامة تعني بالنص البابلي ـ: هارب اقبض عليه)) ترى في أي عصر كان صدام حسين يعيش ؟! ويُفتى له ويُطلب منا ـ كرها ـ ان نعيش معه ، وتحت ظل نظامه ؟! ومن أي فكر وضيع ودوافع همجية كان يستمد قراراته ؟! خاصة إذا علمنا ان البابليين ذاتهم ومع توطد سلطة دولتهم ، ومركزيتها ، قد تخلوا عن هذا الوشم ، الذي عُد مهينا حتى في ذلك العصر والذي يبعد عن عصرنا هذا أكثر من ستة آلاف عام... رحم الله الشيخ الفقيه اللامع (جلال الحنفي) الذي شغلته مآدب ومغانم (السلطان) عن الانسان ومتغيرات الزمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 158-An-Nisa


.. 160-An-Nisa




.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا