الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي في العراق – 3

ياسر المندلاوي

2006 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الوطن والوطنية
إن طائفية (الإسلام السياسي) في العراق تتعدى عصبيتها، لتلج دهاليز اللاوطنية، فكرا وممارسة. فالطائفية لا تقيم وزنا للوطن والمواطن والمواطنة. والمساحة الواقعية لجميع هذه المفاهيم، هي تلك الرقعة التي تشهد الإنتشار الطائفي، وحيث يتوقف هذا الإنتشار، يكف الوطن أن يكون وطنا، والمواطن مواطنا، والمواطنة مواطنة. ولعل هذا هو علة إنشداد (الإسلام السياسي) في العراق إلى العمق الطائفي خارج حدود الوطن، شرقا وغربا، كل حسب إنتمائه الطائفي، الأحزاب (الشيعية) شرقا نحو إيران، والأحزاب (السنية) غربا نحو المحيط العربي. والأسوأ من هذا الإنشداد إلى خارج حدود الوطن، هذا الإستقواء بالعمق الطائفي الخارجي، لإلحاق الهزيمة بالوطن والمواطن في لجّة حرب أهلية، يتهيء بعض أسبابها في دول العمق الطائفي المجاورة للعراق. هنا يتجلى دأب (الإسلام السياسي) على إختزال الوطن ليقبع في الوعي الطائفي لا بصفته الواقعية، وانما بصفته التجريدية في هيئة إنتماء إلى الطائفة، لتكون النتيجة، تراجع الوطن إلى العمق الطائفي خارجه، وتراجع حدود الوطنية إلى حدود الطائفية.
إن الطائفية، بهذا المعنى، تنفي الوطنية بمقدار يساوي نفي الوطنية للطائفية، فهما نقيضان لا يجتمعان، ولا يجوز الإيغال في وهم إعتبار الطائفية شكلا مرحليا للتعبير عن الوطنية العراقية. فالقراءة الصحيحة لتوجهات ( الإسلام السياسي) في العراق، تشي بلاوطنيته، تأسيسا على طائفيته، فهو ينكفيء نحو الذات الطائفية بغير إكتراث للثوابت الوطنية، والثابت الوحيد لديه هو الثابت الطائفي. لذا تراه ينجذب بقوة نحو الأقليم الطائفي، عوضا عن الوطن العراقي، ونحو الهوية الطائفية، بديلا عن الهوية العراقية، ومداومته على التعاطي في الشأن الوطني، لا تنم عن وطنية مفترضة، بقدر ما تشكل إستجابة لنزعة مضمرة وظاهرة، ديدنها الهيمنة الطائفية. فمثلما يتعامل ( الإسلام السياسي) مع الإسلام بجعله إياه حيازة طائفية، فإنه يسعى لجعل الوطن حيازة أخرى في خدمة مشروعه الطائفي المتضاد مع المشروع الوطني. فالوطن وفق (الإسلام السياسي) في العراق، غنيمة طائفية، وحالما يستعصي الوطن عل التحول إلى غنيمة، يعود (الإسلام السياسي) لإشهار بدائل معهودة، تبدأ بالدعوة لتشكيل أقاليم تتسم بالنقاء الطائفي، ولا تنتهي بالحرب الأهلية المدمرة. ولما كانت مبتغيات (الإسلام السياسي) في العراق طائفية وغير وطنية، فهو لا يعبأ بأية آلية وطنية للعمل السياسي، وجل إهتمامه يتمحور في إقتحام المنافذ المؤدية إلى الفردوس الطائفي، في ميكافيلية شائنة تتجاوز ميكافيللي نفسه. فهذا الأخير يستحسن ويستقبح بدليل التمكن من الهدف أو عدم التمكن منه، ولكنه رغم ذلك كان يوصي الحاكم إجتناب الطمع في شيئين من أشياء الرعية، هما المال والنساء، ويبدو إن (الإسلام السياسي) لا يسعى إلى المملكة الطائفية إلا طمعا في هذين. فهو يتأبط الوسائل، حسنها وقبيحها، لبلوغ الهدف. لذا تراه لا يمتنع عن التحالف مع الإحتلال ما دامه يدعم الآليات الطائفية، ويؤازر المشروع الطائفي. وقد يحدث أن يتخذ هذا التحالف أشكالا متناقضة، تبعا للإختلاف الطائفي، إلا أن الجوهري فيه هو وحدة المصالح. فالإحتلال لا يدوم إلا بالطائفية، وهذه الأخيرة لا تحقق غاياتها إلا بوجود الإحتلال. وحيث أن ( الإسلام السياسي) يدرك هذه الصلة الصميمية بين مشروعه الطائفي وبين الإحتلال، فإنه يحابي وجود الإحتلال إما بتقديم الدعم والمساندة له، لتمكينه من الإستمرار في إحتلاله، أو بمواجهته عسكريا وسياسيا بوسائل طائفية مستنكرة، تشكل في النهاية ذرائع لدوام الإحتلال من حيث يحتسب (الإسلام السياسي) أو لا يحتسب، والأرجح من حيث يحتسب.
إن الذي يترتب على طائفية ( الإسلام السياسي) في العراق، ليس تناغمه مع الإحتلال فحسب، وإنما إقتران طائفيته بالنزعة العشائرية والقبلية أيضا. فهذه النزعة هي بوابة ( الإسلام السياسي) للتصارع الطائفي في العراق، بل واحدة من أهم قواعد الإحتراب الداخلي على أسس طائفية، وهنا كما هناك، فالعلاقة بين المؤسسة القبلية والعشائرية وبين المؤسسة الطائفية، علاقة عضوية، ويمكن تأشير بعض ملامحها فيما وقع من أحداث وأدلها التنازع العشائري للإستحواذ عل الأراضي في المدائن، وفي منطقة البزايز في ديالى، حيث علت الرايات الطائفية لحسم المنازعات العشائرية بالقوة الغازية، مثلما علت الرايات العشائرية لتحقيق الهيمنة الطائفية بالقوة ذاتها وفي المناطق عينها.
لا ريب إن أولوية الأولويات في أجندة ( الإسلام السياسي) في العراق هي تحقيق الغلبة السياسية من منظور طائفي، أي من منظور التمايز والتفارق مع الآخر، وبالتالي، فإنه يسعى من كل بد إلى تفعيل كل ما من شأنه إدامة هذا التمايز وذاك التفارق، وإستحضار مستلزماتهما المادية والمعنوية على أكثر من صعيد. وحيث إستشعر ( الإسلام السياسي) قصور الأدوات الداخلية في تمكينه من الغلبة المنشودة، إستعان بما هو خارجي، ليعضده في إحداث الفتنة الداخلية. ويبقى، مع ذلك، القول الفصل في قدرة ( الإسلام السياسي) على تحقيق مشروعه الطائفي، رهن الإستجابة الداخلية لمفردات خطابه السياسي.


- يتبع -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah