الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس كل تجاور تجاورا

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 9 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


صرنا كما كنا في الماضي البعيد، منازل حجرية واسمنتية متفرقة على طول الرقعة الجغرافية المسماة 《بالشعيبات》* لا أعلم من أين أتى هذا الاسم، لقد سمعته أول في مرة في حياتي حينما تأخرت عن المدرسة وقال لي الحارس : 《 هل أنت من الشعيبات؟ 》 بدأت أتلعثم لأني أول مرة أسمع بهذا الاسم، ربما اشتق الاسم من الشعاب، بحيث أن البنية الطوبوغرافية و التضاريسية للمنطقة ليست مسطحة، بل عبارة عن بنية مقعرة مملوءة بالمنحدرات، فأعلى نقطة تصل إلى 200 متر فوق سطح البحر، وتتمثل في صخرة مومن وصخرة الحربيلي وصخرة الكصعة، بينما أدنى نقطة تتمثل في مجرى 《سهب خزيت 》الذي ينبع من مناطق متفرقة من الشعيبات، ومن المفترض أن هذه المنطقة قبل الاستقرار السكاني كانت مليئة بأشجار 《الجبوج 》المتشابكة، فيصعب ولوجها، فسميت 《بالشعيبات》أي الشعاب، ومن الأجدر أن تسمى بالكصعة المكسرة، فلو أردنا تقسميها إلى أربعة أجزاء، فسوف نجد ثلاثة أجزاء منها عبارة عن منحدرات، بينما الجزء الرابع عبارة عن فالق مكسور مشرف على وادي نهر النفيفيخ حيث يجري 《سهب خزيت》 مسافة 4 كيلومترات مشكلا الرافد الأيمن للوادي إلى جانب مجرى 《صفرو》 القادم من دوار أولاد طرفاية . يستقر أهالي 《الشعيبات》بشكل متفرق في منازل اسمنتية يسمونها محليا 《بالخيام》 مع العلم أن لا أحد بقي يسكن في الخيمة التقليدية التي تصنع من وبر الجمال والماعز مثلما كان الأمر في الماضي، بل صار الجميع يسكن في بيت مشيد بالاسمنت و الآجور مفضلا الاستقرار على حياة الرحل، ومن اللافت القول أن هناك قلة قليلة ممن لازالت تمارس نصف الترحال وهو ما يسمى محليا 《بالتعزاب》إذ يتم خلال الصيف ترك المنزل الاسمنتي والرحلة بالمواشي جنوبا والاستقرار على الضفة اليسرى للوادي في أرض خصيبة تسمى بالتيرس، وهناك تشيد الخيمة التي تسمى محليا 《بالعشة》وفي كثير من الأحيان تتعرض إلى التحريف وتصير 《المعشوشة 》وخصوصا في الطفولة حينما كنا نريد أن نكسر حياة الرتابة المعتملة على أرض الشعيبات، فنلعب مع أبناء الجيران، فتسمع أحد الكرزازيين يقول لنا: 《سيرو لهيه ولعبوا حدا معشوشتكم》 وتعني بالعربية : 《 اذهب إلى هناك والعب بالقرب من منزلكم》 أي أنه لا ينبغي اللعب بالقرب من منزله، والأنكى من ذلك يعتبرون اللعب شأنا طفوليا وليس له أية قيمة بالمقارنة مع مكوث الطفل إلى جانب المواشي، ولذلك فالأطفال نادرا ما يسمح لهم باللعب، بينما الكبار لا يجتمعون ويلعبون كلية، إن من يريد الحديث ولعب الورق (الكارطة ) عليه أن يتوجه مسافة كيلومترين نحو منطقة 《موالين الواد》 وهناك يمكنه اللعب، بينما في أرض 《الشعيبات 》 الصمت والسكون، ففي الخريف يمكن للمرء أن يسمع حشرجات الفلاحين الذين يحرثون الأرض ويرى طائر النغاف يحلق فوقهم باحثا عن الدود وهو يحدث نقيقا ممزوجا بالغريزة المشتعلة.
ويعد أهالي الشعيبات أكثر انغلاقا حيال بعضهم البعض، منازلهم مسيجة بنبات الصبر، وجانب كل منزل نجد كتلا من التبن المصفف الذي يسمى 《بالنادر》أي من الندرة وخصوصا في فصلي الخريف والشتاء، ويتم الاحتفاظ به لإطعام المواشي خلال فصل الشتاء .
كما يسيجون أراضيهم ويحرزونها على بعضهم البعض، في الكثير من الأحيان يمنعون حتى الآبار، إلا أن هذه الأخيرة لم تكن عذبة، فكانوا يجلبون الماء من عين 《 المرصيط》 التي تقع في دوار البيض، وفي أحيان أخرى كانوا يجلبون الماء من سقاية شيدها رجل بيضاوي، لكن في السنوات الأخيرة تم استقدام سقايات وصار السكان يحصلون على الماء .
شكل الماء هاجس السكان المحليين، وإلا لما كانوا رحلا في الماضي، والأمر كذلك بالنسبة للكلأ، إن 《التحراز》 يرتبط بالندرة، وفي الأعراس لا يحضرون بالكثافة التي يحضرون بها في الأتراح، ففي طقوس الحزن يلاحظ المرء أنهم أكثر تعاونا وتضامنا ومساعدة، لكن في طقوس الفرح، نادرا ما يهبون إلى المساعدة، لقد لاحظت في الأطلس المتوسط (وبالضبط بالقرب من بحيرة ويوان/ عين اللوح》 أن الحضور إلى الأفراح يكون ضخما، فكل امرأة أو رجل ما إن يسمع بوجود عرس، حتى يأخذ البندير ويهب إلى الغناء دون دعوة من أحد، ولا يذهب إلى الأكل بالمقارنة مع أهالي الشعيبات الذين لا يأتون إلى العرس إلا من خلال الدعوة، بينما في الأتراح لا تكون هناك أية دعوة .
في الأعراس يعمل أهالي الشعيبات على التفريق بين الجنسين، بينما في الأطلس المتوسط يرقص الجنسان بلا مشكلة أو خوف، ويغنون بشكل جماعي، ففي الشعيبات وفي كل مناطق الشاوية ذات البنية الاجتماعية الذكورية الأبوية يثير دخول المراهقين والشباب إلى خيمة النساء صدامات وصراعات كبرى، فالرقص لا ينبغي أن يكون جماعيا، بل كل جنس تشيد له خيمة خاصة به . وهذا هو الذي يفسر لماذا هناك بون ومسافة بين منازل أهالي الشعيبات؟ ولماذا 《 التحراز》؟ ولماذا التسييج ونبذ اللعب والحياة ؟
إنه سؤال المرأة والتاريخ والإنسان والوجود !!

* إحدى قرى منطقة الشاوية بالغرب المغربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل