الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة المسلمين فى ذكرى استشهاد الحسين

عبدالحليم أبوعفصة

2018 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أى ذكرى تمضى تعد بالنسبة لنا تاريخا حدث وانتهى ، لكنّ الذى لم ينتهى هو استلهام الدروس والعبر من الذكريات التاريخية ، وجعلها - الدروس والعبر - معبرا نعبر خلاله من ماضينا التاريخى إلى حاضر ومستقبل أفضل ، هكذا يرى العقلاء .

وتبقى ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن على عليهما السلام ( العاشر من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة )من أهم الذكريات التاريخية للأمة ، والتى من وقتها لم تتحرك الأمة قيد أنملة من الماضى وتحاول دراسته ومناقشته دراسة علمية جدية ، تستطيع بعدها أن ترسم طريقا منيرا لأبنائها .

فالعاشر من المحرم بالنسبة للمسلمين - السنّة - هو يومٌ انتصر فيه الحق على الباطل ، حيث مكّن الله لخليفة المسلمين يزيد بن معاوية بقتل الخارجين على حكمه إعمالا للمرويات الشهيرة المحذّرة من الخروج على الحاكم حتى وإن وصل للحكم عنوة ، وهو ما يسمى فى أدبياتهم ب - المتغلب بالسيف - .
وبالنسبة للمسلمين - الشيعة - يعد يوم عزاء ومأساة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يوم لعن ورفض لكل من وقف ضد الحسين عليه السلام .

فالأمة سنة وشيعة قد وقفت عند الذكرى - محلك سر - ، وأصبحت ما بين قائل " الحسين قتل بسيف جده " ، وقائل " لبيك يا حسين" ، وكلا الموقفين فى غاية السلبية ، لأنه لا يمت بصلة لواقعنا المعاصر المؤسف بعد مرور أربعة عشر قرنا من الذكرى تقريبا .

بعد هذا البيان أطرح السؤال : ولماذا خرج الحسين عليه السلام ؟ ، وهل كانت ثورة أم محاولة انقلاب أم ماذا ؟
ولن أجد أفضل من الإمام الحسين مجيبا ، إذ حدد الغاية من خروجه قائلا " إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين " ، وكلام كهذا كلام ثائر بحق ، ولكن كيف نتثبت من صدق هذا الكلام ؟ ، إنه الواقع خير شاهد على صدق الكلام أو عدم صدقه ، فالإمام يدّعى أنه خرج على الحاكم طالبا الإصلاح ، وهذا يستوجب أن يكون الحاكم - يزيد - غير صالح ، وبالعودة لسيرة يزيد بن معاوية نجد أنه قد تولى الحكم بالوراثة عن أبيه وبرغبة أبيه الذي حولها ملكا عضوضا ، فهو إذا لم يأت برغبة الرعية ، بل جاء والسيوف تنتظر رقاب من سيرفض بيعته ، وهنا سنجد مليون شخص من عبيد الاستبداد يقولون لنا : ليس مهما طريقة وصوله للحكم ، المهم بماذا حكم الناس وكيف كان حكمه ؟ ، وهؤلاء أحيلهم إلى كتب السير والتاريخ التى بيّنت أن يزيد هذا قد جوع الشعب المسلم، وصرف أموال هذا الشعب في اللذات، والرشا وشراء الضمائر، وقمع الحركات التحررية، هذا الحكم الذي اضطهد المسلمين غير العرب وهددهم بالافناء، ومزق وحدة المسلمين العرب وبعث بينهم العداوة والبغضاء هذا الحكم الذي شرد ذوي العقيدة السياسية التي لا تنسجم مع سياسة البيت الأموي وقتلهم تحت كل حجر ومدر، وقطع عنهم الأرزاق وصادر أموالهم ، وكان قائد النظام يشرب الخمر ويدع الصلاة !!
فهل بعد كل هذا سنجد من يقول إن الحسين خارج على حاكم المسلمين !!
الجواب : نعم وجدنا بالفعل عبيد الاستبداد وما أكثرهم يقولون مثل هذه التراهات ، لكن هؤلاء لا يؤبه لهم .

ثمة أمر آخر يدّعيه العبيد ، وهو رغبة الحسين فى الحكم ، فهو قد استغل جرائم النظام للتبرير للثورة ضده أولا ، والاستئثار بالحكم بعد ذلك ، وجوابى على هؤلاء بسيط جدا ، يتلخص فى مقولة ابن عمر رضى الله عنهما حين نظر للحسين قبيل خروجه قائلا : هذا أحب أهل الأرض لأهل السماء اليوم ، فهذه الشهادة من رجل ذى فضل كابن عمر تجعلنا نقول : ومن أحق بالحكم من رجل صالح تقى منصف كهذا ، ورغم ذلك فإن الإمام الحسين قد رفض كل المغريات التى حاولوا شراء مبادئه بها ، وأبى إلا الخروج على الحاكم الظالم ، الذي سلط عسكره على قتله والتمثيل بجثمانه الشريف ، ورغم كل المحاولات التى حاولها المقربون منه بعدم الخروج إلا أنه عليه سلام الله قد أصرّ على الخروج للثورة ، لأن صاحب المبدئ لا يتراجع وإن علم أن حياته ثمنا للدفاع عن مبدئه .

هكذا كانت ثورة الحسين عليه السلام ، ثورة على الظلم، والاضطهاد والتجويع، وتحريف الدين، واختلاس أموال الأمة .
إننا أمام ثورة عدل فى مواجهة الظلم ، ثورة حرية فى مواجهة الاستبداد ، ثورة مبادئ فى زمن شراء الذمم .
فأين الأمة - سنة وشيعة - من هذه المعانى !
لماذا لا نربى أنفسنا وأبنائنا على استنشاق نسمات الحرية فى ذكرى استشهاد سيد الأحرار بدلا من مأساة اللطم واللعن من قبل الشيعة ، والتبرير للمستبد من قبل السنة !!
إن الحسين عليه السلام ليس مِلكا للشيعة ، وليس مِلكا للسنة ، بل هو مِلكٌ لكل حر أبىّ صاحب مبدأ ، وصدق المفكر المسيحى السورى الكبير انطوان بارا حين قال : لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب