الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعاً عن البيانوني وخدّام في وجه إعلان دمشق

علي الشهابي

2006 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد تشكيل "جبهة الخلاص" في بروكسل، انهالت اعتراضات باقي أطراف "إعلان دمشق" على البيانوني، وثارت عاصفة انتقاداتهم على خدّام. فقد ذكرت صحيفة الحياة عن السيد حسن عبد العظيم قوله "لا علاقة لنا لا من بعيد ولا من قريب. والموقف الأولي من الذي حصل في بروكسل، هو إنه خارج إطار إعلان دمشق ولا علاقة له به، وإنه لم يحصل نتيجة أي تشاور". (الحياة 20/3/2006) كما نقلت مصادر أخرى عن السيد رياض الترك أنه يرى عموماً بـ"أن هذه الجبهة غير ممثلة للمعارضة السورية" ويعتقد بأنه "كان يجب على البيانوني أن ينسق مع إعلان دمشق". (التيار السوري الديموقراطي)

لا اجتهاد بما فيه نص
انطلاقاً من نص إعلان دمشق الداعي إلى "تمهيد الطريق لعقد مؤتمر وطني، تشارك فيه جميع القوى الطامحة للتغيير، بما فيها من يقبل بذلك من أهل النظام"، فإن هذه الاعتراضات على سلوك البيانوني شكلية، لا بل إنها في منتهى البيروقراطية. وإذا كان تشكيل "جبهة الخلاص" مزعجاً لمنتقديها من أطراف "إعلان دمشق"، فمن واجبهم الانزعاج من موقفهم السياسي الذي أصدر الإعلان بهذا الشكل، قبل أن يحق لهم الانزعاج من سلوك البيانوني.

فالبيانوني انطلق من هذه الدعوة النظرية في إعلان دمشق ليقوم بتنفيذها عملياً. وبديهي أنها لا يمكن أن تتنفذ إلا بعدما يخرج أحد من أهل النظام عن النظام ويعارضه، وهذا ما فعله خدام ونفّذه البيانوني. أما أن تتخيل بعض أطراف إعلان دمشق أن على خدّام أن يتقدم أولاً بطلب انتساب إلى الإعلان، لتناقش القيادة الموضوع ومن ثم تبت فيه، فهذه هي البيروقراطية عينها.

كان يحق لهم الاعتراض على البيانوني من حيث الشكل، لو أنه اجتهد وأدخل خدام في معارضة "إعلان دمشق" لكنه لم يجتهد قط، بل هذا ما نص عليه الإعلان. على العكس، يحق لخدام أن يتهم منتقديه من أطراف الإعلان بانتهاك نصه، لأنهم رحبوا بمن يشاء من أهل النظام بلا شروط، ليقوموا بعد التحاقه بالمعارضة بمطالبته بمطالب إضافية لم ينص عليها الإعلان. فالسيد رياض الترك بات يدعوه إلى أن "يتبرأ وينقد نفسه ثم يضعها تحت المساءلة السياسية والقانونية والشعبية والأخلاقية بحكم علاقته مع النظام".(الحياة 20/3)

ليس هذا فحسب، بل بات السيد رياض الترك يعترض على انضمام خدام إلى معارضة إعلان دمشق لسكوته السابق عن جرائم النظام. "إذا كان خدام لم يرتكب جرائم قتل، لكنه كان ساكتاً عن هذه الجرائم. إذاً فهو شريك بصورة أو بأخرى بهذه الجرائم". (التيار السوري الديموقراطي). بهذا باتت شروطه لانضمام أيٍ من أهل النظام إلى إعلان دمشق تعجيزية. فهو لم يعد يقبل منه فقط أن يكون طاهراً كحمام مكة، بل صار يطالبه بأن يكون معارضاً علنياً للنظام أثناء وجوده في النظام، ربما بعقد المؤتمرات الصحفية المنددة بهذه الجرائم داخل سوريا. وإلاّ كيف سيبرئ نفسه من جريمة السكوت عن جرائم النظام؟!


أهمية انشقاق خدام
بديهي أن هذه البداهات لا يمكن أن تكون غائبة عن أطراف إعلان دمشق، لأنها بداهات. وانشقاق خدام ليس مهماً لهذه البداهات، بل لبداهتين أهم:
· إنه وضع أطراف الإعلان أمام سياستهم وجهاً لوجه، بوضعه سياستهم النظرية على محك التطبيق العملي. ومن حسن حظ المجتمع ككل، من زاوية نظر المعارضة الديموقراطية في سوريا، أن هذه السياسة التي تكشّفت أنها خرقاء، لم يترتب عليها عملياً أي كوارث على المجتمع. وهذا نادر الحدوث في السياسة.
· إنه يكشف الفرق بين آليتي عمل الإخوان المسلمين والديموقراطيين الحقيقيين، هذا الذي يؤدي حكماً إلى اختلاف ماهية سوريا التي يطمح كل منهما إلى بنائها.

النقطة الأولى صحيحة، لذا ليس مهماً أن تعترف بها أطراف إعلان دمشق أم لا. ولأنها صحيحة، جن جنون السيد رياض الترك من حالة خدام، حتى بات يهذي وهو في حمّى خروجه عن المنطق. لنستمع إليه:
إن "الأطراف التي اجتمعت وشكلت جبهة مع خدام كان عليها تقديم النصائح له قبل الاجتماع معه، فخدام يدّعي انه يمثل قوى من البعث والسلطة، وله امتداد داخلي. فإن كان كذلك أين تحركه وامتداداته؟ يجب عليه التحرك إن كان كما يدعي". (المصدر السابق)

لا أعرف عمّ يتحدث، لأن المنطق يقول "إن المتكلم نفسه لا يعرف". لنفترض أن خدام عنده ضابطان وواحد في المخابرات وعشرة عساكر وخمسة وعشرون بعثياً، أو حتى عشرة أضعاف هذا العدد، فهل من الحكمة أن يقول لهم "هيّا! تحركوا للإطاحة بالنظام السوري". أو "عليكم أن تكونوا في طليعة المشاركين في اعتصامات المعارضة"؟!

هذا الكلام لا يستدعي التفكير، أما ما يستدعيه فهو إذا كان خدام بهذا الوزن، فهل من الحكمة أن يقامر الإخوان المسلمون بعلاقتهم بباقي أطراف إعلان دمشق مقابل هذا الثمن البخس؟ هذا السؤال يقود مباشرة إلى النقطة الثانية.

الإخوان المسلمون يخدمون استراتيجيتهم بشكل صحيح، ومن الخطأ الاستنتاج بأن باقي أطراف إعلان دمشق استنفذوا مهمتهم عندهم. على العكس، فسيبذلون ما في وسعهم "لرأب الصدع" بينهم وبينهم. فهذا "الصدع"، صدع فقط من زاوية باقي أطراف الإعلان، أما بالنسبة للإخوان فلقاؤهم مع خدام تكتيك سياسي، تماماً كلقائهم مع باقي أطراف إعلان دمشق. وإذا ما أرادت باقي أطراف إعلان دمشق قبول خدام فيه، فيا حبذا. ومالم ترد، فلا ضير، وهم لن يفرضوا عليهم إدخاله فيه. أما إذا ظنت باقي أطراف الإعلان أن علاقتهم بالإخوان دائمة، أو على الأقل حتى يسقط النظام، فهذه مشكلتهم. فمن قال لهم أصلاً إن الإخوان المسلمين يتزوجون "زواجاً نصرانياً"؟!


الإخوان يعملون والديموقراطيون يهرّجون
فالإخوان لم يقيموا "جبهة الخلاص" مع خدام لأهمية وزنه الحالي، بل للعمل على تحييد البعثيين. فمن خلاله يبعثون لهم برسالة تطمين مزدوجة. الأولى بأن سقوط النظام لن يفضي إلى محاسبتهم، فخدام ضمانتهم طالما أن هذا البعثي العريق بات أحد قادة المعارضة، وهو لن يتخلى عنهم لأنهم جيشه. والثانية إننا نقبل حتى برأس الفساد، بخدّام نفسه، وموقفنا من كل الفاسدين "من دخل بيت أبي جمال فهو آمن".

كما يحاولون بطريقة أو بأخرى استمالة الأكراد، بالتحريض ضد ديكتاتورية النظام، وإبداء التعاطف معهم، دون طرح أي تصور لكيفية حل مشكلة العلاقة العربية ـ الكردية في سوريا. كما يتمنون انشقاق أحد رجالات السلطة العلويين، غير رفعت، لينسقوا معه، طمأنة لأفراد هذه الطائفة بأن سقوط النظام لن يهدد أمنهم.

بهذه السياسة تظل كل مشاكل سوريا على حالها تتفاقم، ريثما يسقط النظام، لتتفجر هذه المشاكل بطريقة ردة الفعل التي ستفضي، كما يعتقد الإخوان، إلى توافقات بين أطراف طائفية، تستوعب الأكراد في نسيجها، ويكون الإخوان اللاعب الأقوى جراء الغلبة العددية للطائفة السنية. هذه هي سياسة الإخوان التي لا تنفي ديموقراطيتهم، التي سوّقوها بأنفسهم، وسوقهم بها أغلب الديموقراطيين.

فالإخوان ديموقراطيون بشهادة وكفاح كل أطراف إعلان دمشق، على مدى السنوات الخمس الماضية. والعلاقة بينهما متينة، وهم لم ينقلبوا على أحد قط، بل هم هم. فكل ما أكّدوه أنهم يقبلون بصناديق الاقتراع، وعلى أساس هذا القبول صاروا عند كل أطراف إعلان دمشق ديموقراطيين. وتحالفهم مع خدام لا ينقض قبولهم بصناديق الاقتراع، بل إن خدام نفسه صار يقبل به، وبالتالي صار ديموقراطياً مثلهم، أو مثل نفسه. وكل طرف من حقه أن يكون ديموقراطياً بطريقته، وبالتالي ليس هناك ما هو أسهل من أن يصير المرء ديموقراطياً، طالما أن الديموقراطية مجرد صناديق اقتراع.

كل هذه الأمور، على أهميتها، قليلة الأهمية مقارنة بالأهم: الكل يعمل على ملء صناديق الاقتراع بمشروعه، الإخوان وخدام ورفعت وغيرهم وغيرهم، فماذا يعمل الديموقراطيون العلمانيون لملء صناديق الاقتراع بمشروعهم؟ هذا هو السؤال.


علي الشهابي
دمشق
24/3/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب