الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيحية وجذورها الآشورية

سليمان يوسف يوسف

2006 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ القديم أعطى الإنسان الأكادي(البابلي/الآشوري) ظواهر الطبيعة بعداً وظيفياً،من خلال طبع هذه الظواهر بغايات ومقاصد كان يطمح إليها وربطها بالمناسبات والممارسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الآشوري القديم.وقد دفعت،ضرورات التنظيم وضبط الأحداث السياسية والدينية والظواهر ذات التأثير المباشر على الحياة والنشاط الزراعي،الإنسان الأكادي في (بلاد ما بين النهرين) ليضع تقويماً سنوياً (روزنامه) حدد فيه الأول من نيسان بداية السنة الجديد.ويعد (التقويم الآكادي)- الذي سيبلغ في الأول من نيسان القادم 6756 -أقدم (تقويم) أوجده الإنسان، شكل هذا التقويم مرحلة انعطاف فكري وتاريخي كبيرين في حياة المجتمعات القديمة.فمع ظهور التقويم الأكادي بدأت تتشكل (الذاكرة التاريخية) و (الوعي الكوني) لدى الإنسان،بمعنى آخر إليه يعود الفضل في كتابة التاريخ البشري وتدوين الكوارث الطبيعية وتسجيل الأحداث السياسية التي كانت تختصر قديماً على تأريخ الحروب ووفاة الملوك وتنصيب ملوكاً آخرين بديلاً عنهم.والذي ساعد الإنسان الأكادي (البابلي/ الآشوري) على الوصول الى هذا الابداع العظيم هو الفكر الأسطوري (الميثيولوجيا الأكادية) القديمة المتمحورة حول: (الطبيعة) و (الآلهة) و(الإنسان)،وكان لها دوراً هاماً وأساسياً في الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لدى شعب (بلاد ما بين النهرين).فقد حملت (الميثيولوجيا الأكادية) في طياتها إرهاصات فلسفية عميقة تركت بصماتها على معظم الفكر الديني في الشرق القديم. فتحديد بداية السنة الجديدة مع تجدد دورة الحياة في الطبيعة في نيسان يضعنا أمام التصور (الآكادي –البابلي /الآشوري)للتاريخ من حيث هو حركة دائرية مغلقة- وربما فكرة أرسطو: (( إن الطبيعة تضمن الخلود للنوع عن طريق العودة الدورية لها))، مستوحاة من الميثيولوجيا الأكادية القديمة- وفي هذا السياق تأتي الأهمية الخاصة لملحمة/اسطورة الخلق والتكوين البابلية ( اينوما ايليش)- تعني باللغة الأكادية (عندما في الأعالي)_ التي تعود الى أواسط القرن الثاني عاشر ق0م.حيث كانت تقدم هذه الملحمة على شكل( مسرحية الآلام) في احتفالات السنة الجديدة، تبلغ ذروتها بتتويج (مردوخ) ملكا إلها على الكون، احتفاءً بانتصاره على (التنين) صاحب الجبروت وتخليداً لذكرى موته وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث بصفته (مخلصا) عظيما للإنسان.فقديماً كان الآشوريون يعبدون الإله (مردوخ) في شخص الإله/الملك (آشور)،لأنهم كانوا يعتقدون بأن الإنسان يشارك (الآلهة) بقدر ما كانت الآلهة مشاركة للإنسان في إنسانيته ،بصيغة (الإله إنسان) و (الإنسان إله)، هذا الاعتقاد يفسر قيام الآشوريون بـ (تأليه) عظماء الملوك وهبوط آلهتهم إلى العالم السفلي موطن الإنسان، هبوط الآلهة (عشتار) وزواجها من الإله (تموز) وصعودها ثانية.تماماً مثلما يؤمن المسيحيون اليوم بسر (التجسد)، تجسد الله على صورة الإنسان بشخص السيد المسيح ونزوله الى الأرض وموته صلباً وقيامته في اليوم الثالث وصعوده ثانية ليتحد مع الله، نستنتج من هذا: أن فكرة ( التجسد) و(الانبعاث) و (الخلاص ) التي تشكل جميعها جوهر (العقيدة المسيحية) هي بجذورها وأصولها، عقائد آكادية (بابلية/آشورية)قديمة.وما احتفالات المسيحية في ربيع كل عام بعيد (الفصح-القيامة) تخليداً لـ (انتصار السيد المسيح) على الموت (قوى الشر)،إلا تواصلاً واستمراراً لتلك الاحتفالات التي كان يقيمها الآشوريون القدماء. وربما هذا التقارب أو التشابه الكبير بين الميثيولوجيا الآشورية القديمة والفلسفة المسيحية يفسر لنا: لماذا الآشوريين (السريان) في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين هم أول شعوب المنطقة اعتنقوا المسيحية خارج فلسطين.لهذا يمكننا القول: أن شهر نيسان الآشوري هو بحق عيد (الطبيعة والآلهة والإنسان) معا، فهم ثلاثة أقانيم في واحد هو(الوجود/الكون) عمل الإنسان الأكادي (البابلي/ الآشوري) منذ القديم على مد الجسور بينها، مفصحا عن العلاقة التاريخية بين الله والإنسان أولا، وعن العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة ثانيا.من هنا تبرز أهمية احتفالات الآشوريين القدماء في الأول من نيسان، بداية السنة الآشورية الجديدة -كان يسمى بعيد (الأكيتو)، أي البيت الريفي _ تقام خلالها طقوس وشعائر خاصة، على مدى اثنا عشر يوماً بين أحضان الطبيعة، تقدم القرابين للآلهة والهدايا للملوك وحفلات الزواج الجماعي وغيرها.وجرياً على عادات وتقاليد الآباء والأجداد واعتزازاً بذاك التراث الآشوري السوري العراقي الرافدي العريق يحتفل آشوريو اليوم (سريان/كلدان) في سوريا و بلاد ما بين النهرين والعالم في الأول من نيسان من كل عام ببداية (السنة الآشورية )الجديدة بصفته عيداً قومياً آشوريا،حيث يقيم الآشوريون بهذه المناسبة مهرجانات فنية وشعبية بين أحضان الطبيعة يفوح منها عبق الحضارة الآشورية العريقة وأريج التراث السرياني الأصيل.

سليمان يوسف ... كاتب آشوري سوري... مهتم بحقوق الأقليات.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكوين- بمواجهة اتهام -الإلحاد والفوضى- في مصر.. فما هو مركز


.. الباحثة في الحضارة الإسلامية سعاد التميمي: بعض النصوص الفقهي




.. الرجال هم من صنع الحروب


.. مختلف عليه| النسويّة الإسلامية والمسيحية




.. كلمة أخيرة - أسامة الجندي وكيل وزارة الأوقاف: نعيش عصرا ذهبي