الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الرمز الديني والرمز التاريخي

جعفر المظفر

2018 / 9 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بين الرمز الديني والرمز التاريخي
جعفر المظفر
يُذكر عن الإمام ابو حنيفة الذي يتبعه أغلب سنة العراق أنه قضى آخر سنينه في السجن ومات فيه مسموما على يد جند الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور لأنه وقف مع ثورة الإمام محمد المسمى بابي النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه. مع ذلك فإن نظام صدام حسين, الطائفي السني على حد قول خصومه من شيعة الإسلام السياسي, هو الذي قام بنصب تمثال لرأس الخليفة العباسي المنصور في واحدة من الساحات البغدادية المعروفة والتي صارت تسمى بإسمه, في حين أن رجالات الحكم السياسي من الشيعة هم الذين قاموا ذات صباح بعد الإحتلال بقطع رأس تمثال المنصور الذي فوجئ به أهل بغداد ملقيا إلى جانب قاعدته في واحدة من المشاهد التي أثارت دهشة وحيرة وإحباط وألم المارة من حوله.
مشهد قطع رأس تمثال أبو جعفر المنصوريكشف عن إشكالية ثقافية وسياسية من شانها أن تجعل الفكر الشيعي السياسي في مأزق من الصعب تجاوز تأثيراته السلبية على هوية الشيعة العرب بشكل عام وأولها ذلك الذي يتعلق بقضية الهوية والإنتماء والتاريخ الخاص المتفارق والمتخاصم مع التاريخ العربي بإدعاء انه مكتوب بأقلام سنية.
والحال أن قطع رأس ذلك التمثال هو إحدى المشاهد التي تتكامل مع مشاهد أخرى تضمنت مقترحات لتبديل إسم شارع الرشيد, وهو الشارع الأب لكل شوارع العراق, وذلك كرها بالخليفة هارون الرشيد (المتهم بقتل الأمام موسى الكاظم) مثلما تضمنت أيضا تبديل إسم بغداد نفسها, على غرار المقترح الذي جرى تقديمه لتغيير إسم محافظة بابل إلى محافظة الحسين. نتذكر هنا على سبيل المقارنة والتذكير ان صلاح الدين الايوبي الذي يشيع عنه بعض المتعصبين من الشيعة انه كان قاسيا ومعاديا للشيعة الفاطميين في مصر, وهو الذي كان قد هدم دولتهم في مصر وأقام دولته الأيوبية بديلا لها, نتذكر عنه أنه أبقى على إسم القاهرة التي كان قد اسسها المعز الفاطمي وأبقى كذلك على إسم الأزهر الذي أسسه الفاطميون في زمن المعز نفسه وحاكمه عليها جوهر الصقلي.
وما زال المصريون (السنة) يقرنون بفخر وتعظيم إسم عاصمتهم بإسم الخليفة المعز التي كان قد أسسها, رغم أن بعض المؤرخين يشير إلى أن المعز الشيعي الفاطمي سماها كذلك لكي تقهر الخليفة العباسي المحسوب على السنة. ترى هل كان العباسيون يتبعون اي مذهب سني من المذاهب الأربعة .. لا أعتقد بذلك فالأئمة من السنة كان أكثرهم معاديا لخلفاء تلك الدولة التي لم يتأخر أي من خلفائها على التعامل بنفس الندية التي تعامل بها مع الأئمة من الشيعة وذلك تحت شعار نعادي من يعادينا ونصادق من يصادقنا. ومعروفة هي محنة إبن حنبل التي التي أسميت وقتها بمحنة خلق القرآن في زمن الخليفة المأمون, وتذكروا أننا نتحدث هنا عن ثقافة لا علاقة لها بالإسلام السياسي الحالي وقطبيه الأخوان السنة أو الشيعي ومثاله الدعوة او الفضيلة العراقي, أو حتى ببعض رجال الدين من واقع إنحيازهم لإيران وتحيزهم للفكر الصفوي, أو من واقع موالاتهم للدولة السعودية كالسلفية الوهابية التي شاركت بتأسيس تلك الدولة.
لقد منحنا الإخوان المسلمون المصريون في العام الذي هيمنوا فيه على السلطة المصرية فرصة أن نقرأ عمليا موقفهم من ثقافة الدولة المصرية العميقة. المعضلة الإسلامية السياسية هنا بنسختها المصرية هي أصعب بكثير من أختها العراقية, على الأقل من الناحية النظرية.
في البلدان التي لا حواضر تاريخية لها قبل الإسلام يمكن للإسلام السياسي أن يهيمن على الحكم دون أن يحس بحاجته للدخول في معركة صعبة ومكشوفة مع التاريخ. لنأخذ السودان على سبيل المثال. الإسلام السياسي في عهد الفريق البشير لم يجابه معضلة حضارية مع التاريخ كما كان متوقعا ان يجابهه إسلام مرسي العياط في مصر. وإذ لم تكن للسودان حواضر تاريخية عميقة كحواضر مصر الفرعونية فإن النظام الإسلامي الأخواني السوداني لم يخض حربا فعلية لا مع الحاضر المتراجع أصلا ولا مع التاريخ الفقير لتلك الدولة.
مع مصر بدى الأمر مختلفا بشكل تصعب فيه المقارنة, فالحرب مع التاريخ لم تكن تكمن في الحاجة إلى إزالة (اصنام) الفراعنة فقط (الأهرام, معبد أبو سنبل, أبو الهول .. ألخ) وإنما أيضا إلى إعادة كتابة تاريخ مصر القديم بصيغ توجب قلبه بشكل معاكس تماما (آب سايد داون). ذلك يعني أن الشخصية المصرية كان محتما عليها أن تجابه بزلزال لا يمكن أن تقاس هزاته بمقياس ريختر للهزات الأرضية !.
وفي إعتقادي أن الإخوان المصريين كان مقدرا أن تكون مشكلتهم مع التاريخ المصري أكبر من مشكلتهم مع حاضر مصر أو مستقبلها.
لا شك أن مشكلة المصريين المسلمين والمسيحيين الأقباط مع تاريخهم هي أكبر بكثير من مشكلة العراقيين الشيعة مع تاريخهم العراقي القديم. ومع ذلك فإن المصري قد وجد التوليفة الملائمة بين تاريخه الفرعوني وحاضره المحمدي أو المسيحي.
حجم الإشكالية المصرية تبدو جليه وواضحة من خلال معرفتنا أن قرآن المسلم يدين بشدة فرعون (الكافر) الذي إضطهد نبي اليهود موسى اشد إضطهاد. غرابة المشكلة وصعوبتها تتجلى من خلال إفتراض أنه كان على المصري ان يتخلى عن أحد أمرين : أما عن دينه الإسلامي وأما عن تاريخه الفرعوني ما قبل الإسلام. وأما الحل على الطريقة المصرية فهو ذلك الذي تجلى من خلال الجمع بين موسى وفرعون في مساحة واحدة عنوانها أن ما لفرعون لفرعون وما لموسى لموسى.
ترى هل كان بمقدور أخوان مرسي العياط أن يقبلوا بمعادلة كهذه أم كان مقدرا عليهم بعد سنين من حكمهم أن يهجموا بالتراكتورات العملاقة لكي يقطعوا راس أبي الهول كما فعل بعض أقرانهم من سياسي شيعة العراق حينما قطعوا رأس المنصور.
في إعتقادي إن مشكلة الإخوان المسلمين المصريين مع نفرتيتي وتوت عنخ آمون كانت ستكون أكبر بكثير من مشكلتهم مع نجوى فؤاد أو مع تمثال سعد زغلول.
مع العراقيين الشيعة أو السنة الإشكالية هنا أخف بكثير, فهي ليست مع القرآن, وهي ليست في تلك التي تتحرك ما بين الدين وبين التاريخ الذي سبقه, وإنما هي جزء من تاريخ صراع مذهبي بين الشيعة والسنة كان قد بدأ بعد الإسلام, وهو موجود في كتب التاريخ ولا علاقة له بالقرآن, ولذا فالحل لا يتطلب أبدا إعادة كتابة القرآن بالصيغة التي تضمن الصلح ما بين هارون الرشيد والإمام الرضا, لأن الخلاف بين الرجلين لا وجود له في القرآن بل أن وجوده محصورا في الثقافة الدينية المسيسة.
والحال أن النظام العلماني هو النظام الوحيد الذي يقدم حلولا صائبة لمجتمعاتنا لأنه يمنحنا الفرصة الكبيرة للعيش متآخين من غير أن نسمح للإختلافات المذهبية أن تخرب علينا تاريخنا وحاضرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شيعة و سنة و هنود حمر
علاء الصفار ( 2018 / 9 / 29 - 13:28 )
تحية طيبة
ان بوذى بشكله و نصبه تعرض لهجوم القاعدة, و من ثم الهجوم على اثار السومريين في الموصل على ايادي داعش. لترجع للتاريخ, الوهابي وقبله, نرى ان الكثير من الغرف و المراقد تم هدمها من مثل قبر الحمزة, و بعدها كان يتم الهجوم على العراق بمراقده في كربلاء, فيتم تدمير مراقد الرموز الشيعية و التي هي و المصيبة من نسل النبي, كالحسين و موسى الكاظم و غيره. طبعا الحجج بان المقابر او اغرف هي التي تعبد و هذه هي الاوثان! للعلم ان المقابر في الغرب مكان مقدس و جميل و يحوي جميع القساوسة و حتى منهم كانوا سف لة الحروب الصليبية. يعني ينبغي تجاوز الفكر الطائفي و عدم مناقشة الامر من زوايا مظلمة بل هز القيم و الافكار البائدة و العصرية للوهابية و داعش. ان طار رأس ابوجعفر في بغداد فهذا مجرد تمثال حديث و لا يحوي قيمة فنية تاريخية, اقصد ليست بمنزلة بوذا افغانستان ام بوذا السومريين, يعني يمكن تعويضه, لكن ما قام به الجهلاء هوكرد فعل على صدام حسين ابن العوجة, الذي قبض ليس فقط على أرواح الجنود في العراق بل قام بقتل حتى زعمائهم الروحيين, يعني يجب فهم الحقد الذي زرعه البعث ليأخذ بعد طائفي تستفاد منه أمريكا!ن

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa