الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا قمع حرية الفكاهة والأدب الساخر؟

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 4 / 5
المجتمع المدني


يعتقد كل إنسان يؤمن بحرية الإنسان وكرامته و حقوقه أنه لا مساومة على حرية الرأي والتعبير ، و يدافع عنها باعتبارها قيمة إنسانية مباحة لكل البشر أينما عاشوا، وأيا كان لون بشرتهم ، و لغتهم و جنسهم و مذاهبهم . فالدفاع عن حرية الرأي جزء من الدفاع عن حقوقنا كبشر في المساواة والحياة الحرة الكريمة، كما لا يمكن تجزئة هذه القيمة السامية بأن يُجعل قسم من الكلام والتعبير عن الرأي محرما ، وخطا أحمر. ولا يجوز بالتالي قبول رأي ناس معينين ، و تحريم رأي آخرين .

وربما ثمة تساؤلات كثيرة تثار ، بعد الرسوم الساخرة التي نشرتها صحيفة " يولاندز بوستن " العنصرية ، منها لم َ يخاف رجال الدين ، و السلطات الحاكمة الفكاهة والأدب الساخر ؟ وما سبب هذه العقوبة القاسية ، بما فيها حكم الموت لمن يخالف الرأي السائد و المسمى بالمقدس ، أو يكتب كتابا في هذا المجال ، أو ينشره ، أو حتى أن يطالعه ؟
ولا أرى مقدسا سوى القيم الإنسانية . الإجابة التي نتلقاها هي إن الضحك يزيل الخوف وحين لا يكون ثمة خوف يفقد المقدس هيبته و تخف حدة الإيمان.

فاليوم لم يعد ثمة ما يميز في الجوهر بين رؤية الشخصية القروسطية للقساوسة ورجال الدين ، وبين أصحاب الفكر الظلامي المتخلف المتفشي في عصر نا هذا، عصر العولمة وثورة المعلومات، حيث ا تقوم أسس الإيمان على الخوف من العقاب الشديد ، ونار الحياة الدنيا والآخرة. و نشهد حتى اليوم أن الثقافة والتنوير القائمة على الشك و النقد والمعرفة العلمية في سبر أسرار العالم المادي ، تتعرض إلى التكفير واللعنة ، و يتعرض أصحابها إلى القمع والملاحقة والاضطهاد.
إن السلاطين ووعاظهم يدركون أنه كلما كان الهزل البديع والأدب الساخر عميقين ، أزال الرماد عن الجماجم وعرضها إلى ضوء الشمس وأوقظ أكبر عديدا من النائمين من غفلة البشر ، وبالتالي أصبح أكثر خطورة على الحكام و أكثر تهديدا لسلطاتهم. فللهزل والفكاهة والأدب الساخر تأثير كبير، غالبا ما تفتقد إليه البحوث والدراسات العلمية المهذبة و الإيجابية، إذ يترك بسهولة أثرا واضحا في ذهنية المتلقي ، أي متلقي ، سواء كان ثريا أو فقيرا معدما، أميا أو متعلما ، شابا أو عجوزا.
وأكثر ما يرعب المتسلطين الذين يتخذون من العقائد الدينية وسائل لتقوية سلطاتهم وتضليل رعاياهم وتخديرهم بأوهام مختلفة من دين وقومية وكرامة وشرف، هو كشف عورتهم و زوال الستائر عن زيفهم وريائهم ، واكتشاف نقاط الضعف فيهم أمام الملأ ، و كشف المستور من مقدساتهم و بالتالي زوال الخوف والرهبة والهيبة التي يمارسون سلطاتهم في ظلها ، و ينهبون البلاد والعباد.
إنهم على يقين أنه حالما زال الستار عن مقدساتهم ، زال الخوف والرهبة منهم ، وبالتالي يزداد رعاياهم جرأة في معارضتهم و مقاومتهم.
الأدب الساخر يقض مضاجع أهل العقائد و الأيديولوجيات الدوجمائية ، و يشكل خطرا كبيرا لجاه ونفوذ المتخفين تحتها ، لأنه تكمن فيه قوة مؤثرة لا يستهان بها .
واليوم أيضا نشهد أن حرق الكتب مثلما في القرون الوسطى يستمر إلى يومنا . واضطهاد الكتاب المختلفين وقتلهم وملاحقتهم على قدم وساق .
مثلما كان في القرون الوسطى قتل ابن المقفع و الحلاج والسهر وردي و غيرهم ، ومثلما احترق برونو و أجبر غاليليه عن التراجع عن رأيه ، شهدنا قتل حسين مروة و عبد الخالق معروف ، وملاحقة سلمان رشدي.
إن الأنظمة والسلطات الدكتاتورية المتسلطة على رقاب جماهيرنا ما كان لها أن تستمر بدون قمع الفكر بإصدار أحكام جائرة في حق المخالفين. فالرأسمالية المتفسخة اليوم ورجال الدين بمختلف ديانتهم ، متآزرون و في حلف مقدس ضد حرية الرأي و الفكر . لهذا نرى أن القوى اليمينية لرأس المال الغربي وبالتنسيق مع القوى الدينية الرجعية المسيحية والإسلام السياسي تقوم بتغيير المناهج المدرسية في العالم بما يتلاءم مع الفكر الرجعي المتخلف و بما يدعم سلطاتهم القائمة على استغلال الإنسان و اضطهاد الشعوب المسالمة. إنها سخرية حقا ! وما أشبه اليوم بالبارحة!
إن كل ذلك يشهد أن الرأسمالية فقدت كل قيمها التقدمية والإنسانية ، وأصبحت عاجزة عن تحقيق أي مكسب للبشرية ، بل أصبحت قوة رجعية حشرت نفسها مع قوى الظلام الديني ، سواء كان إسلاما سياسيا، أو يهوديا دمويا ، أو مسيحيا رجعيا. وقد أصبح النضال ضد الاستغلال بإسقاط الرأسمالية جزء من النضال ضد الخرافة والجهل و الظلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير المعارضة والأكراد واللاجئين على كفيّ الأسد وأردوغان؟ |


.. الأمم المتحدة تكشف -رقما- يعكس حجم مأساة النزوح في غزة | #ال




.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ


.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا




.. اللاجئون السودانيون يعيشون واقعا بائسا في أوغندا.. ما القصة؟