الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيجه، كنعان وسوريا – اطلالة على حضارات شرق المتوسط

كلكامش نبيل

2018 / 10 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعتمد هذه المقالة على ما ورد ذكره في كتاب، "الشرق واليونان القديمة" بقلم أندريه أيمار، الأستاذ في جامعة السوربون والعميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في باريس وجانين أوبوايه، أمينة متحف غيمة. حيث يتكلم الأستاذ أيمار وأوبوايه عن منطقة إيجه وسوريا وكنعان في المجلد الأول من موسوعة "تاريخ الحضارات العام" بإشراف موريس كروزيه. المجلد الأول ترجمة فريد داغر وفؤاد أبو ريحان.

في الحديث عن حضارات بحر إيجه، نرى الكاتبان وهما يقارنان بين حضارات كريت – حيث بدأت بذور الحضارة اليونانية – والحضارات الامبراطورية في آسيا – ويقصدان بلاد النهرين ومصر القديمة – وأسباب انتصار الفردية بالنسبة للحضارة الكريتية بفضل التجارة البحرية على العكس من الحضارات الامبراطورية التي قضت فيها النزعة العسكرية وما يتطلبه العمل الزراعي وتنظيم للري من قتل للروح الفردية وتغليب للجماعة على الفرد. يرى الكاتبان بأن الحضارات الامبراطورية "لم تستهدف الانسان بل الدولة المتمثلة بشخص الملك".

في الفصل الأول "الحضارة الإيجية"، نقرأ عن كريت وتأخر الاستيطان البشري فيها، وتفردها عن جزر اليونان بوجود بعض السهول وقيام الزراعة في وقت مبكر، لكن المياه تبقى نادرة والصيف طويل في تلك الجزيرة. مع ذلك، قامت حضارة كانت الأساس الذي نهل منه الأخيين (الميسينيين) حضارتهم، ويرجح بأن سقوط كريت هو الأساس الذي أدى لتهجر شعوب البحر – الفلسطينيين – من كريت الى أرض كنعان واسرائيل. يتحدث الفصل في استعراض للتاريخ عن الميسنيين وحروب طروادة والتي أدت لضعف الأخيرين – ذوي النزعة الحربية – قبل أن يسقطوا على يد الدوريين بفضل الأسلحة المصنوعة من الحديد – بدل البرونز.

عن المرأة، نقرأ عن المكانة المتميزة للمرأة في كريت – وهو ما قرأت عنه في طفولتي في موسوعة كنت أمتلكها، حيث أسرتني صور مشاهد النساء جنبا الى جنب مع الرجال في حلبات الألعاب الرياضية. نقرأ، "للمرأة، مكانة عليا، فسواد الآلهة من الإناث وللكاهنات الدور الأول في الاحتفالات، وغالبا ما تظهر الرسوم نساءً خارج بيوتهن، في الساحة العامة والمسرح والحلبة." لم تتغير تلك المكانة في عهد الميسينيين، لكن طبيعتهم المحاربة بلا شك فرضت منح الرجل مكانة أعلى في المجتمع بلا شك، مقارنة بالكريتيين.

عند ديانة الكريتيين، يتساءل الكاتبان عن أسباب غياب آلهة للبحر والجو – بالنسبة لشعب بحري اعتمد على التجارة البحرية – وتركيزهم على الخصب وأثداء الاناث بشكل يوحي بأن الزراعة هي النشاط الرئيسي. يبدو هذا السؤال مهما لان من المفترض أن يكون دين كل شعب نابعا من احتياجاته وبيئته. سيتكرر هذا السؤال لاحقا في هذا الفصل فيما يخص الفينيقيين أيضا. وعن الحياة الأخرى، يشير الفضل الى اعتقادهم بان الميت يستمر في الحياة، والى وجود مدافن تضم أعداد كبيرة من الجثث، ليثار تساؤل تقديم القرابين البشرية ويبقى من دون اجابة.

عن الفن، نجد بأن الفن الكريتي لم يتميز باتباع قيود وتقاليد معينة، وانه استخدم لتخليد الجمال لا العظمة، وكانت الحركة سمة أساسية لكل الأعمال التي وصلتنا – وهي رسوم جدارية ملونة في الغالب. يرى الكاتبان بأن الفنان كان يخضع لقانونه هو. ويشير الى وجود بواليع في منازلهم ونظام لتوزيع المياه، فضلا عن وجود شرف وأزهار على الدوام احتفاءً بالحياة. تغير ذلك قليلا مع الميسينيين، المحاربين، ففضلوا تخليد العظمة بشكل أكبر وبذلك كان نحت اللبوتين في عاصمتهم أول نحت صرحي خارج مصر وأوروبا، بحسب الكتاب.

في الفصل الثاني "كنعان وسوريا"، نقرأ عن تاريخ شعوب شرق المتوسط باقتضاب، ومحاولاتهم العسيرة في الحفاظ على استقلالهم السياسي والثقافي في ظل وقوعهم بين قوتين كبريين – مصر وبلاد النهرين. وعن البحر في حياة هذه الشعوب، راق لي ما جاء في الكتاب، "قد يلفظ البحر فجأة القراصنة ورائدي المغامرات، ولكن هذا البحر نفسه طريق تؤدي الى البلدان المختلفة."

في البداية، نقرأ عن الفينيقيين، وأنهم شعب تركز في الجنوب بداية قبل ان يتحرك شمالا، بسبب العبرانيين والفلسطينيين، ولكنه احتفظ ببعض الاجزاء من جبل الكرمل، وبقي محصورا في الساحل ولم يصل كثيرا الى جبال لبنان. يتحدث الفصل عن حضارة الفينيقيين ودورهم في التجارة البحرية وتقدم تقنيات الملاحة لديهم وقيامهم برحلة حول افريقيا ورأس الرجاء الصالح وصولا الى البحر الاحمر. يتطرق الفصل لدورهم في التواصل مع شعوب متخلفة في اماكن أخرى واقامة مستوطنات كثيرة في افريقيا وشبه جزيرة إيبيريا – لكنها لم تشكل امبراطورية – واقامتهم لقرط حدثت – المدينة الجديدة – أو قرطاجة في تونس. يتساءل الفصل عن سبب غياب العقود التجارية الفينيقية – كما هو حال العقود التجارية الكثيرة لبلاد النهرين – لكن الكاتبين يعتقدان بأنها كانت موجودة فقد كانت جبيل يوما ما مستودع العالم الإيجي.

بالنسبة للديانة، نلاحظ أنها ديانة زراعية بالدرجة الأساس، ويتساءل الكاتبان ان كان ذلك اشارة الى كون الزراعة كانت النشاط الأساسي للشعب قبل أن يصبحوا تجارا. ويفرد جزء لا بأس به لاكتشاف الابجدية في رأس شمرا وتطويرها عن النظم النهرينية والمصرية وكيف نقلها اليونانيون الى العالم بعد تبنيهم للأبجدية الفينيقية.

يمر الكتاب مرور الكرام على الآراميين وتحولهم من شعوب بدوية الى شعب متحضر في سوريا، ومحاولاتهم القصيرة في تحقيق الاستقلال وكيف شاعت لغتهم في عموم الشرق. لكنه لا يذكر شيئا ذا أهمية.

عن العبرانيين، نقرأ لمحة عن تاريخ هذا الشعب وبدايته عند الخروج من مصر وقيام الدولة وانشقاقها بعد موت سليمان الى اسرائيل ويهوذا وحتى سقوط السامرة بيد سرجون الثاني عام 721 قبل الميلاد ونفي 27290 شخص الى بلاد آشور، ومن ثم الهجوم الأكثر قسوة لنبوخذنصر الثاني عام 587 قبل الميلاد ونفي كافة السكان الى بابل.

يتحدث الفصل عن قوة تدوين العبرانيين لتاريخهم وتأثير الدين في الحفاظ على الشعب، كما يتطرق لدور الشريعة والأخلاق في الحفاظ على تماسك هذه الأمة. لكنه يرى بأنهم لم يقدموا جديدا في الفن او النظام السياسي وان الأدب ذاته صدى للأدب المصري، لكنني أعتقد بان التأثير النهريني أكثر وضوحا من الأدب المصري في العهد القديم.

يتحدث الكتاب، بنبرة مشابهة لآراء سيغموند فرويد في كتاب "موسى والتوحيد" بخصوص تطور فكرة الإله العبراني وصولا الى التوحيد، وانه في النهاية "إله الجنود" مع ورود الكثير من النصوص التي تطالب باقامة علاقات طيبة بالشعوب الأخرى. يتفق مع جان جاك روسو وفرويد في ان التوحيد التام "أنا إله، وليس من هو شبيه بي" قد تبلورت بشكل واضح بعد السبي البابلي. ويشير الكاتبان في الفصل الى أن بعض جوانب الديانة اليهودية كارهة للأجانب وهذا سبب في بقاء الشعب، مثل: السماح بالربا مع غير اليهود فقط، وتجريم الزواج من أجنبيات، وكون استعباد غير اليهودي غير محدد بزمن. يفرد الفصل مساحة كبيرة لفهم طبقة الأنبياء "النبييم" أو الراؤون. ويشير الى وجود تأثير ثنوي فارسي في ادخال إبليس الى الديانة وان الاسم ازمودي الأصل ومشتق من الفارسية.

عند قراءتي لهذا الفصل فكرت في هذه الفكرة، "في التاريخ العبراني، تتجلى قوة تقديس (الأدب والأرض)، وانغلاق الدين في الحفاظ على الشعب، فمن دون سائر شعوب المشرق القديم، بقي العبرانيون واجتازوا كل المحن حتى يومنا هذا."

ختاما، لا اقصد بهذه المقالات اختصار الكتاب، ولكنني استهدف طرح أهم الافكار التي تثير التساؤلات بخصوص كل الحضارات تباعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت