الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان أجذير إيزوران 2: لحظة فرح استثنائية.

سعيدي المولودي

2018 / 10 / 24
المجتمع المدني


مهرجان أجذير إيزوران 2
لحظة فرح استثنائي..
نظمت جمعية أجذير إيزوران للثقافة الأمازيغية بخنيفرا مهرجان أجذير إيزوران في دورته الثانية تحت شعار "الفعل الثقافي الأمازيغي دعامة أساسية لتنمية المناطق الجبلية" أيام 17 و 18 و 19 و 20 من شهر أكتوبر الحالي، وعلى الرغم من العوائق العارضة التي اصطدمت بها وواجهتها فقد استطاعت أن تتجاوزها بإصرار، وتصنع الحدث وتكتب تاريخ أجذير من جديد وتجعل منه نقطة انطلاق لمتغيرات وامتدادات الثقافة الأمازيغية وتجلياتها. وقد تخللت أيام المهرجان لحظات فرح مضاعف ولا متناه، حيث كل شيء منتظم على مستويات شتى، رغم مَحَاذر الطقس المتقلب الذي واكب فعاليات المهرجان.
وكانت لحظة افتتاح المهرجان نموذجا لإبداع سام ومتميز يعكس المنطلقات الكبرى وروح المشروع الثقافي الذي تتبناه الجمعية، واللوحة الفنية ( الأوبريت) التي كانت بمثابة بؤرة الانطلاق هي إنجاز متقدم على مستوى البناء والدلالة، ومؤشر فائق للأداء الفني والجمالي، وعلامة ارتقاء تعانقت فيها الهويات المغربية المشتتة والتحمت التحامها الحضاري والتاريخي، وشكلت واقعا حيا يستلهم الجذور بكل إمعان وصفاء، حيث تمتزج الخصوصيات الأمازيغية واليهودية والموريسكية وتتقاطع التجليات التعبيرية والإيقاعية ذات الصلة بالأعالي والمنحدرات والصحراء وكل والبيئات والمَوَاطِن التي شكلت أفق حركية الهوية المغربية ومنجزاتها الحضارية عبر العصور،وعبر مشاهدها المحورية توغلت اللوحة في العمق التاريخي للكينونة المغربية وروافدها الخصبة الدائمة، وشكلت شبكة متلاحمة من الأصوات والأهازيج والأشكال التعبيرية التي يتوزع نبضَها ونبرها كلُّ التاريخ المغربي.
وكان موضوع الندوة الفكرية: "الجبل الأمازيغي: التاريخ، الثقافة، ورهانات التنمية" ملتقى فسيحا تضافرت عبره معارف وخبرات الباحثين والدارسين الذين قدموا من مؤسسات جامعية مختلفة ومراكز أبحاث، وجمعيات ذات تجارب خاصة ومتميزة في مجال الاهتمام والاشتغال على الأعالي/ الجبال و التصدي لإكراهاتها على مستويات عديدة، وكانت الندوة في الواقع أفقا مفتوحا من شأنه أن يقود إلى سياق ترتيب عناصر رؤية خاصة وإعادة اكتشاف الجبل بعيون جديدة، ومنظور معرفي وعلمي جديد يلامس "وجوده" و"طبيعته" ضمن سيرورات تاريخية وجغرافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية متباينة، باعتباره شرطا لازما لوجود الإنسان الأمازيغي. وقد صمد الباحثون والدارسون لمدة يومين رغم الطقس المتقلب المفاجئ وتداولوا وتدارسوا شؤون وهموم الجبل من زوايا متعددة وبرهنوا بالملموس عن درجة عالية من الالتزام والتضحية والتفاني .( والشاذ لا يُتخذ حجة في هذا الباب ولا يقاس عليه.)
إن المقاربات العديدة التي تناولت الجبل الأمازيغي، استطاعت، إلى حد كبير، أن تسلط الأضواء على كثير من الجوانب المعتمة في صيرورات الشروط والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بوجوده وبمعالمه وخصوصياته المتعددة، ويبدو أن بيْن هذه المقاربات جميعها قاسما مشتركا ينبغي الانطلاق منه والارتكاز عليه من أجل تفسير وفهم "وضع" و"موقع" الجبل وما تعرض له من تغيرات وتحولات عبر التاريخ، وما يحصل له على صعيد الواقع المعيش حيث يعاني من التهميش والإهمال والحرمان وانعدام شروط وأسباب الحياة الرغيدة.
وقد احتضنت فضاءات ومواقع مختلفة لوحات فنية وغنائية راقصة، أنجزتها مجموعات وفرق فنية محلية وجهوية ووطنية، وساهمت في تعميم وإعادة انتشار لحظات الفرح على فئات عريضة من المواطنين، ولقيت إقبالا كبيرا، وكانت هذه اللوحات فسحة أخرى لتقريب الفن من المواطنين واستعادة الثقة في موروثنا الأمازيغي والشعبي كيما يحقق وجوده الموضوعي وينسف رهاب أولئك الذين يتحسسون مسدساتهم كلما سمعوا كلمة الفن أو الثقافة،وقد وطدت كل اللوحات الفنية الغنائية المختلفة عناصر الإيمان بأن الفن جزء من صميم الحياة، وهو ما يملأنا بهذا الإحساس اللامتناهي بها ، وبالجمال والتجانس، ويُذْكي فينا الشعور بالإعجاب والدهشة وينمي الذوق الجماعي السليم، وقد بلورت كل اللوحات الغنائية بعضا من قيم الثقافة الأمازيغية وتعبيراتها الإيحائية والرمزية، وهي القيم التي يتنكر لها البعض ويرسم طرائق إنتاج لعمليات قتلها.
وكان حضور الفنان القبائلي "إيدير" قيمة فنية مضافة للمهرجان، وباعتبار الأهمية الكبرى وحمولات هذا الحضور الفنية والثقافية، فقد ساهم في خلق صيغة لقاء استثنائي،وصيغة تكامل واندماج والتحام خاص بين التعبيرات والأداءات والإيقاعات وتشكلات الفن والغناء الأمازيغي في مواطنه وبيئاته المختلفة، وهو ما يحفزنا بالضرورة إلى البحث عن شكل إدراكي جديد للفن والغناء الأمازيغي في تحققاته المتعددة بما يضمن له قوة الاستمرارية والتطور والغنى والتنوع.
ومن أبرز فعاليات المهرجان، ملتقى إِيمْذْيازَنْ ( الشعراء)الذي شكل بدوره لحظة انتشاء أخرى عانقها فضاء أجذير،إذ فتح صدره لهتافات الأعماق وهواجس وأحلام الشعراء الذين قدموا من جهات الأطلس المتوسط ليعرضوا ثمار تجاربهم ويصدحوا بغبار أساطيرهم الساحرة لتغمر سماء أجذير وتسافر في غسق الأعالي.
ربما كان ثمة ضرب من التركيز على"الكم" في فقرات المهرجان، لكن ذلك لم يؤثر بشكل سلبي على تماسك لحمتها ووحدتها وانسجامها وموضوعاتها ، وهو على ما يبدو تركيز ناجم عن هاجس الحرص الكبير على إثراء أنشطة وفعاليات المهرجان وإضفاء بعض الخصوصية على أسلوب تنظيمه ليرسخ " فرديته" الفنية والثقافية على مستوى طرائق العرض والأداء وعلى مستوى المضمون.
المحصلة أن المهرجان رسخ تهاليل الفرح كبديل عن الفراغ، وأفلح في مواجهة بطشه، وكرس معالم علاقات جديدة مع الواقع الأمازيغي ومع الحياة اليومية، عمادها تعزيز وإيقاظ جاذبية الفعل الثقافي وتوجيه إمكاناته للبحث في الجذور واستكشاف أغوارها، وبذلك يرسم الطريق نحو فاعلية ثقافية جديدة تتوخى الخروج من الدروب المغلقة إلى فضاءات الانتشار والتأثير ليتحول الفعل الثقافي في ظلها إلى "شكل مجتمعي" يتجاوز سياق العلاقات التقليدية في التفكير والممارسة.
وفي الأخير ينبغي التأكيد على أن مهرجان أجذير إيزوران وضع أجذير / المكان في سياقه التاريخي وسما برمزيته لتأخذ بعدها الثقافي والاجتماعي الحقيقي، ف"أجذير" أو بالأحرى خطاب أجذير سنة2001 يؤرخ عمليا لميلاد جديد للهوية الأمازيغية وللثقافة الأمازيغية ودورها التاريخي والحضاري، وهو نقطة تحول عميق في مسارات اكتشاف الهوية المغربية ومقوماتها وإدراك عناصرها بكل تجلياتها المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #


.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا




.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3