الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقلنة النظام الاقتصادي

أيمن عبد الخالق

2018 / 10 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عقلنة النظام الاقتصادي

قد يوجد العقل لدي الإنسان، ولكن ليس دائما بشكل عقلاني.... الفقر لا يصنع ثورة وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة .. الطاغية مهمته أن يجعلك فقيراً، وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً. ............ كارل ماركس

لاشك أنّ المال هو شريان حياة الإنسان في هذه الدنيا؛ لأنه بالمال يستطيع الإنسان تأمين وتطوير كل حاجاته الطبيعية الضرورية من الغذاء والشراب والملبس والمسكن، ووسائل مواصلاته وارتباطاته، وكل مايحميه ويدافع به عن نفسه في هذه الحياة، فالإنسان في الحقيقة يحتاج إلى المال لتأمين حاجات جسده في جلب النفع ودفع الضرر والحفاظ على الجسد، هو من الضرورات العقلية لكون الجسم آلة استكمال النفس الإنسانية في هذا العالم كما سبق وأن بينّا ذلك.
وبما أنّ الإنسان أصبح يعيش داخل مجتمعات بشرية مع غيره من البشر، فقد أصبحت مسألة تأمين مايلزمه ويلزم غيره من المال تحتاج إلى سن قوانين ووضع سياسات وبرامج اقتصادية من قبل الحكومة؛ من أجل تنظيم الدورة المالية داخل المدينة، وضمان الحقوق والواجبات المشروعة لكل أفراد المجتمع، ونحن هنا قبل بيان المعالم الكلية للنظام الاقتصادي العقلي، نشير كما سبق إلى بعض موارد الخلل الموجودة في النظم الاقتصادية الحالية التي ألحقت أضرارا كثيرة بجسم الإنسان وروحه معا؛ لكي يتضح بعدها موارد الإصلاح المطلوبة:
1. شيوع النوايا المادية المفرطة في تحصيل المال ورسوخها في نفوس الناس، بحيث أصبح الهدف من طلب الرزق ليس هو الكفاف، أو حتى مجرد الحياة الكريمة المتوسطة، بل تحصيل أكبر قدر من المال، من أجل تحقيق أعلى درجات الرفاهية والتنعم بالحياة الدنيا، وتحقيق ذلك بالطبع غير متيسر إلا للقليل من أصحاب المهارات والشرائط الخاصة في المجتمع، مما يؤجج الصراع بين الناس، ويجعلهم يصابون بالإحباط ويشعرون بسوء الحظ، وهذا كله بسبب النظرة الخاطئة لطبيعة الإنسان وفلسفة الحياة، وتجذر الروح الرأسمالية في أكثر النفوس البشرية.
2. الصعوبة البالغة في تحصيل الرزق، بحيث أصبح أكثر الناس مضطرون للعمل ليل نهار؛ لتحصيل الحد الأدنى للحياة الكريمة، وكأنّ الناس قد خلقوا من أجل تحصيل أرزاقهم، حيث أصبحوا مستغرقين بالكلية في أعمالهم الدنيوية، ولم يعد لديهم أدنى وقت للتفكر، أو التدبر، أو تحصيل العلم وسائر المقامات الإنسانية المعنوية، وبالتالي تعميق النزعة المادية من جديد، والتي بدورها بنحو جدلي تؤجج الصراع الطبقي، مما يتنافى مع الفلسفة الوجودية للإنسان في هذه الحياة.
3. الإفراط في انتاج السلع الكمالية والترفيهية الخارجة عن الاحتياجات الضرورية للإنسان، الأمر الذي أدى إلى تعقيد الحياة، وإلهاء الناس بالأمور المادية الثانوية، وإعراضهم عن تحصيل كمالاتهم الإنسانية الحقيقية التي خلقوا من أجلها، وأضحوا يلهثون وراء تحصيل هذه الكماليات المادية غير الضرورية بأي ثمن وبأي وسيلة.
4. التنافس الشديد بين الناس في تحصيل أكبر نسبة من الأرباح، الأمر الذي أدي إلى سلوك الطرق غير المشروعة والمكاسب المحرمة لتحقيق الربح بأي وسيلة، مما أدى بدوره إلى شيوع الفساد ووقوع الحروب والصراعات المدمرة.
5. التفاوت الطبقي الفاحش بين شرائح المجتمع، بحيث تكدست الثروات الطائلة في أيدي فئة قليلة جدا من الناس، وأضحت الغالبية الساحقة تعيش تحت خط الفقر، مما يتنافى بالكلية مع أبسط معاني العدالة الاجتماعية وفلسفة الاجتماع، وقد أدى ذلك إلى شيوع روح الحسد والحقد بين طبقات المجتمع، وانتشار الجريمة المنظمة، واختلال السلم الاجتماعي.
6. الغلاء الفاحش للأسعار، مع ضعف القوة الشرائية عند أكثر الناس نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة، وطغيان الروح المادية والتفكر الرأسمالي، مما أدي إلى مشاكل عائلية واجتماعية كثيرة وخطيرة.
7. ارتفاع نسبة البطالة الكبيرة بين الناس لاسيما طبقة الشباب، حتى خريجي الجامعات منهم، نتيجة سوء التخطيط الاقتصادي من جهة، وميكنة وسائل الانتاج الصناعي، وانحسار الانتاج الزراعي من جهة أخرى، وقد أدي كل ذلك إلى تعطيل الطاقات الهائلة للشباب، وانحسار سوق الزواج، وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة، والإدمان، والانحلال الخلقي والفساد الاجتماعي....
وبعد الفراغ من بيان المشاكل الكلية للنظام الاقتصادي المعاصر، بنحو مختصر، يتمهد الطريق لبيان المعالم الكلية للنظام الاقتصادي العقلاني، وليس المقصود منه أيضا بيان الخطط والبرامج الاقتصادية التفصيلية، حيث يُعد ذلك من عمل المتخصصين الاقتصاديين، بل بيان المبادئ العقلية لهذا النظام، والتي هي بمثابة الأسس والمنطلقات:
1. تصحيح النوايا المادية المفرطة للعمل الاقتصادي؛ حيث إنّ الاقتصاد في خدمة الجسم، والجسم ـ كما بينا ـ آلة لاستكمال الروح، ولذلك ينبغي أن تكون نظرتنا للاقتصاد نظرة آلية، وليست غائية، وبالتالي لاينبغي أن تكون سياساتنا وبرامجنا الاقتصادية موضوعة على حساب القيم والمبادئ الإنسانية، وإلا لزم نقض الغرض.
2. ينبغي السعي لتأمين معاش كريم لكل فرد من أفراد المجتمع، بنحو يؤمّن له الحد الأدنى لحاجاته الضرورية، بحيث لايضطره إلى البحث عن المكاسب المحرمة والضارة بالمجتمع الإنساني.
3. ينبغي ألايستهلك العمل معظم وقت الإنسان، بحيث يتحول إلى عبد أسير عند أصحاب العمل، وبالتالي يفقد حريته الشخصية في وضع برنامج تكاملي لحياته ولبناء أسرته.
4. اجتناب ثقافة الاستهلاك المؤدية إلى الفقر والتخلف والتبعية للأجنبي، واستبدالها بثقافة الانتاج والتطور.
5. السعي للاكتفاء الذاتي في جميع المجالات الزراعية والصناعية، حيث يمثل ذلك مفتاح الاستقلال السياسي.
6. الاهتمام الكبير بالقطاع الزراعي وتطويره، ومساواته بالقطاع الصناعي، حيث يمثل ذلك صمام الأمن الغذائي المتعلق بالحاجات الضرورية للإنسان.
7. التخلي عن صناعة المونتاج، واستبداله بصناعة التطوير والإبداع
8. مكافحة البطالة المقنعة غير المنتجة، واستبدالها بالعمالة الفاعلة والمنتجة.
9. محاربة كافة المكاسب المحرمة المدمرة لاقتصاد المجتمع وأخلاقياته
10. مكافحة ثقافة التجمل والإسراف، المؤدية إلى إهدار الموارد البشرية والطبيعية، واستبدالها بثقافة الاعتدال والقناعة.
11. التقليل ماأمكن من الفوارق الطبقية، بفرض الضرائب على الأثرياء، وتوسيع المؤسسات التعاونية والخيرية.
12. محاربة التضخم، والاحتكار، عن طريق توفير السلع الضرورية، وإيجاد التنافس التجاري الشريف، والرقابة على الأسعار.
13. مكافحة البطالة المخربة للشباب، والمدمرة للأسر والعوائل، عن طريق توفير الصناعات الزراعية واليدوية في كل مكان، وعدم الإفراط في ميكنة الصناعات المختلفة المؤدية إلى تسريح العاملين، ودعم الدولة للقطاع الخاص على قدر المستطاع.
14. محاربة شتى أشكال الفساد الاقتصادي من الرشوة والاختلاس والاحتيال وتبييض الأموال وتهريبها ... الخ.
هذه هي المبادئ العقلية الكلية للنظام الاقتصادي، الذي يكون في خدمة المصالح الإنسانية، والمجتمع البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل