الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بغايا و لا خاضعات

عماد حبيب

2006 / 4 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


سكب عليها لتر بنزين. تحجّرت عيناها رعبا، و تحجّرت اوصالها. أشعل الولاّعة و أخذ يدنيها و يبعدها من جسدها المبلّل بالوقود، و كانت أصوات قطراته المتساقطة من ثيابها تقع على الأرض لتحدث دويّا لا يسمعه و لا يحسّ رهبته غيرها، هي و صديقتاها اللّتان تراقبان الموقف في عجز. بينما كان صديقاه يراقبان مدخل تلك الغرفة التحتيّة الصّغيرة المعدّة لحاويات القمامة في العمارة. فجأة و دون أن تدري أو تنتبه لتهديداته و إهاناته حاولت دفعه لتخرج هاربة، و لا يدري أحد الاّ هو كيف نشبت فيها النيران. تحوّلت بلحظة لشعلة حيّة، تسير على قدميها، بل تجري على قدميها نحو اللامكان. تملّكت منها النار و حاول و اصدقائه دون جدوى اخمادها. و لم تمضي ساعتان حتى لفظت انفاسها في طريقها إلى المستشفى. أحرقوها حيّة. سوهان ذات السبعة عشر ربيعا. أمّا هو فاسمه جمال، في مثل سنّها، و يقطن نفس الحي، و سيقول فيما بعد أنها كانت صديقته و هجرته لغيره و اراد فقط إخافتها. و حين قدمت الشرطة للقبض عليه، تعالت اصوات ابناء الحي من اقرانه لنصرته.

كانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس. وفاة فتاة في الضواحي الباريسية ليس بالامر الجديد، و ضحايا العنف الذكوري من النساء تهمّ كلّ الطبقات. لكن الأمر زاد عن حدّه ليس فقط لبشاعة الجريمة، و لكن لموقف ابناء الحي الذين لم يخفوا تعاطفهم مع جارهم، و لم يخفوا في تعليقاتهم اعتبار سوهان بشكل ما مسؤولة عمّا حدث. لم تكن سوهان المسلمة محجّبة، بل كانت صديقة لشاب فرنسي، كان ذلك كفيلا لتصنيفها في الخانة الثانية. منذ انتشر الفكر الاصولي في الضواحي الفقيرة ذات الاغلبيّة المسلمة، صارت النساء تصنّف في خانتين لا ثالث لهما، المحجبّات الخاضعات للسلطة الذكوريّة، اللواتي يجب ان يتزوّجن رجالا من بلدهن الاصلي أو من ابناء الجالية، و اللواتي لا يجب ان يندمجن في مجتمعهنّ، باعتباره مجتمعا كافرا، و الأخريات، المتحّررات المنبتّات عن اصولهن، الخائنات، الساقطات، من الآخر، البغايا. و كانت سوهان تصنف في هذه الخانة. فاستحقت من وجهة نظرهم الموت حرقا. فكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس.

و لأنّ رد الفعل على ما حدث و يحدث و ينذر بالمزيد كان وجوبيّا. كانت جمعية لا بغايا و لا خاضعات. أسّستها و قامت عليها مجموعة من السيّدات الفرنسيّات ذوات الأصول المهاجرة في أغلبهنّ. و وجدت تعاطفا و تجاوبا لم يكن يتوقّعه أحد، حتى صارت الجمعية النسائية التي لم يمضي على تأسيسها سوى بضع سنين في مرتبة الاحزاب السياسية ذات التأثير على المستوى القومي.

الاسم مستفز. ليس رغبة في الشّهرة، أو لجلب الانتباه، و لكن لأن القضيّة مستفزّة. و الإسم معبّر أيضا. بل هو أصدق تعبير لأهداف الجمعيّة و لفكر أغلب النساء و الفتايات. هنّ لا يردن سوى العيش بكرامة، دون أن ينعتن بابشع الأوصاف لمجرّد رفضهنّ الخضوع للسلطة الأبوية أو الذكورية، لمجرّد رفضهنّ الزّواج القسري في سن صغيرة حفاظا على ما بقي معشّشا في أدمغة آبائهن و أمهاتهنّ من مفاهيم بالية للشّرف، و سترة البنت و الزواج من ابن البلد. لا يرغبن في أن يلبسن كالبغايا، و لكن لا يردن لأحد أن يفرض عليهن لباسا معيّنا و خاصّة الحجاب.

زواج غريب بين الاصوليين و المنحرفين يحدث في هذه الاحياء، و مناخ عفن نتج عن استغلال بعضهم للحريّة المتاحة و غياب التأطير الرسمي لاسلام فرنسا، حيث ينصّب من شاء نفسه متحدّث باسم الاسلام، و يأتي من لا يتقن حرفا من الفرنسية ليعمل كإمام و واعظ، ناشرا الفكر الاصولي و التكفيري، مستغلا أزمة هوية شباب الضواحي و احساسه بالعنصرية و الاقصاء. و كما انتشرت فتاوى تحليل السرقة و الاجرام لان اموال الكفاّر غنائم للمسلمين، انتشرت فتاوى الزام النساء بالحجاب و تكفير من لا تضعه على رأسها. و يتطوّع شباب الحي لتنفيذ الفتاوى و فرض الاحترام. و التحرش بكل من تعيش على الطريقة الفرنسية، وسلتهم في ذلك. يحدث هذا في فرنسا و ليس في بلد شرقي. لذلك كان لا بدّ أن يكون الإسم مستفزّا و معبّرا.

ترقد سوهان الآن في مثواها الأخير، و يحاكم جمال منذ يومين على جريمته، و تنشط الجمعية التي صارت الأشهر و الأكبر، و تستمر المعركة، معركة كل النساء لعيش حياتهن كما يرغبن بحرية و كرامة و مسؤولية، لا بغايا و لا خاضعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في لبنان بعد الكشف عن عصابة -تيكتوكرز- تستدرج الأطفال لا


.. من بينهم مشاهير في تيك توك.. عصابة -اغتصاب الأطفال- في لبنان




.. كل الزوايا - سارة حازم: الرئيس السيسي أكد على دعم المرأة الم


.. المشاكل الأيكولوجية والحلول بوجهة نظر علم المرأة فيديو معدل




.. رئيسة الجمعية الدكتورة منجية اللبان