الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية الدينية بين تطور النص القانوني وتخلف الممارسة

مصطفى عنترة

2006 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استأثر موضوع الحرية الدينية في الآونة الأخيرة باهتمام كبير من لدن المتتبعين والمراقبين للشأن الديني ببلادنا إثر الإشادة التي حظي بها المغرب من طرف الخارجية الأمريكية حول موضوع حرية الممارسة الدينية.
لقد نوه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية المنجز بتعاون مع معهد الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتقدم الملموس على مستوى حرية التدين على اعتبار أن المغرب توجد به أقلية يهودية وأخرى مسيحية (بنسبة ضعيفة جدا) مقابل أغلبية سنية، وقد طالعتنا بعض الصحف بتواجد شيعيين مغاربة.. ومن هنا نتساءل ما هو وضع الحرية الدينية في المغرب؟ وهل يعكس التقرير المذكور الوضع الحقيقي للحرية الدينية ببلادنا؟ وهل الإصلاحات التي شهدها الحقل الديني بالمغرب كافية للحصول على التنويه المسجل في تقرير الخارجية الأمريكية؟

* التقــــدم:
ينص الدستور على كون الإسلام الدين الرسمي للمملكة، كما ينص على أن الملك بوصفه أميرا للمؤمنين يحمي ممارسة الشعائر الدينية، أيضا نجد في القانون الجنائي تنصيصا على كون حماية ممارسة هذه الشعائر في الفضاءات الدينية مضمونة.
ومن هذا المنطلق يتضح أن المشرع المغربي نص على حرية ممارسة المعتقدات والشعائر الدينية. لكن بالرغم من هذا التقدم في التنصيص على هذه الحرية في الدستور فإن المنطق البرغماتي للدولة يجعل سلوكها يتناقض مع خطابها كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فهي تتماهى مع الأحداث ومع أي خطاب من شأنه أن يضمن لها مصالحها الجوهرية ويضمن لها استمراريتها، فتارة تظهر في صورة "الدولة العلمانية" وتارة أخرى في صورة "الدولة التيوقراطية" وهذا طبعا ناتج عن افتقادها لمشروع مجتمعي متكامل.
من الصعب الحديث عن تطور حرية التدين في مجتمع مازالت تسوده ثقافة متخلفة من جهة، وفي حكم ينهل في شرعيته السياسية من المعين الديني من جهة أخرى، لكن هذا لا يمنع من تسجيل التطور الإيجابي الذي عرفه المغرب في مجال حرية الممارسة الدينية لاعتبارات متعددة تعود في جزء منها إلى طبيعة تركيبة المجتمع المغربي وتفاعله الإيجابي مع عدة أقوام سكنوا المغرب في محطات تاريخية، إضافة إلى التأثير الأوربي نظرا لعامل القرب ووجود جالية مغربية مهمة تقيم في الضفة الشمالية.


*المــــؤشرات:
صحيح، أن هناك مؤشرات تفيد وجود تطور حرية التدين ببلادنا كإحداث المرصد الدولي للديانات بالمغرب، وكذا احتضان المغرب في السنة الماضية للحوار الإسلامي اليهودي وهو اجتماع للجنة الدائمة اليهودية الإسلامية المحدثة عقب المؤتمر العالمي الأول للأئمة والحاخامات من أجل السلام المنعقد في بروكسيل، علاوة عن إنشاء المتحف اليهودي بالدار البيضاء الذي يديره شمعون ليفي على اعتبار أنه البلد الوحيد الذي توجد به منشأة من هذا النوع، فضلا عن التنظيم السنوي لـ" مهرجان الموسيقى الروحية" بفاس الذي تشرف على تنظيمه جمعية "فاس سايس" لكونه يشكل فضاء يلتقي فيه موسيقيين من مختلف الثقافات والديانات المختلفة: الإسلامية، المسيحية، اليهودية، الهندوسية، البوذية وغيريها..، ناهيك عن الملتقيات الدولية التي يحضرها علماء ومفكرون ينتمون إلى ديانات مختلفة. هذا دون أن ننسى الإصلاحات الكبرى التي مست المجال الديني، بدءا بإحداث هيكلة جديدة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وللرابطة المحمدية لعلماء المغرب وتعيين نخبة جديدة داخل هياكل المجالس العلمية ووقاية فضاءات البلاد من التطرف الديني وانتهاء بتعيين امرأة داخل المجلس الأعلى للعلماء ونساء أخريات داخل المجالس الإقليمية وإلقاء امرأة للعام الثاني على التوالي درسا في إطار سلسلة "الدروس الحسنية" التي يترأسها الملك بوصفه أميرا للمؤمنين خلال شهر رمضان والتي تعرف حضور نخبة من العلماء من مختلف البلدان، وكذا المجهودات الملموسة من طرف الدولة من أجل ترسيخ إسلام معتدل ومتسامح، وتشجيع كل المبادرات المدنية الرامية إلى إشاعة ثقافة السلام والإخاء والتضامن وما شابه ذلك من القيم الإنسانية النبيلة.
كذلك فقد سجل في السنوات الأخيرة تراجعا جذريا بخصوص الاعتقالات التي كانت تشهدها أوساط شبابية معتنقة للمسيحية في بعض المدن بشمال المملكة، كما شهدت أنشطة الجاليات والمجموعات الدينية المسيحية انتعاشا بفعل عامل الانفتاح السياسي الذي تشهده البلاد. وقد ساعدت ثورة الاتصال المتعدد الوسائط في انتشار الأدبيات المسيحية، حيث تم الإقبال بكثرة وبسهولة على المواقع المسيحية عوض الكتب والمنشورات التي كان استيرادها يتطلب وقتا كبيرا بفعل صعوبات المراقبة الجمركية..، فالمؤشرات الظاهرية تفيد أن هناك إقبال على هذه الديانة السماوية التي ينشط أهلها بكل حرية في بعض المدن كمراكش وأكادير وطنجة والدار البيضاء، هذا الإقبال الذي بالرغم من كوننا لا نعرفه كأرقام فإن منابر حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية وغيرهما تدق بين الفينة والأخرى ناقوس الخطر أملا في تدخل الدوائر المسؤولة للحد من التمسيح المتنامي!!
وفي ذات السياق طالعتنا بعض المنابر الإعلامية باستجواب لأحد الفاعلين يعلن فيه تبنيه للمذهب الشيعي، وآخر يشرح إيجابيات المذهب الشيعي مقارنة مع المذهب السني المالكي المعتمد رسميا في المغرب، دون أن يتعرض لمضايقات تحد من حريته..، وهو ما اعتبره المراقبون والمتتبعون للشأن الديني مؤشرا جديدا على جو الحرية الدينية الذي يسود داخل المملكة المغربية.
وجدير بالتذكير في هذا الباب أن المغرب عرف في بداية الستينات من القرن الماضي قضية تتعلق بحرية العبادات وإقامة الشعائر الدينية إثر ظهور ما يسمى بـ "حركة البهائيين"، حيث عرضت هذه القضية على أنظار محكمة الناظور. وقد توبع ثلاثة عشر بهائيا من المغاربة وآخر سوري الجنسية بتهمة التمرد والقيام بأعمال الشغب والمس بالأمن العمومي وتكوين عصابة إجرامية والمس بالعقيدة الدينية، وقد حكم على بعضهم بأحكام جد قاسية في حين تمت تبرئة البعض الآخر.. مع الإشارة في هذا الإطار إلى أن البهائية التي يتبرأ منها المسلمون السنيون ظهرت كحركة في المشرق الأقصى في القرن التاسع عشر.

*الصعوبـــة:
مما لا شك فيه أن وضع الحرية الدينية في بلادنا ليس بالصورة المثالية، فجريمتا "القريعة" بالبيضاء ومكنـاس التي ذهب ضحيتها مغربيان يهوديا الديانة على يد عناصر إسلامية متطرفة وقبلها أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية التي استهدفت مواقع ترمز إلى اليهود كشفت أن واقع الحال ليس بخير، فضلا عن مسلسل الهجوم الذي يتعرض له الأستاذ شمعون ليفي في مناسبات عدة من قبل جهات مختلفة آخرها الرسالة التهديدية الصادرة عن جماعة تطلق على نفسها الجماعة الإسلامية والجهاد بالمغرب. فهذه الأحداث أعادت سؤال حماية اليهود المغاربة من طرف قوى الشر ومخططاتها الظلامية إلى الواجهة.
نعم، لقد قام الإعلام العمومي بالانفتاح النسبي على الأنشطة الثقافية والدينية للمغاربة من الديانة اليهودية، كما أن الصورة التي كان يحملها اليهودي في المخيال الشعبي للمجتمع عرفت هي الأخرى تحسنا إيجابيا، بفعل عوامل متعددة منها سيادة ثقافة التعايش والتسامح..، لكن اندماج هذه الشرائح الاجتماعية داخل المجتمع لازالت تعترضه عدة معوقات موضوعية وذاتية منها ما هو مرتبط بالثقافة السائدة داخل المجتمع ومنها ما يتعلق بالانعزالية التي تطبع سلوك اليهود أنفسهم..، مما يفيد أن الثقافة المرتبطة بحرية الممارسة الدينية تبقى هشة بالرغم من النصوص القانونية المتقدمة لأن الأمر ببساطة ليس مرتبطا بالنصوص بقدر ما هو مرتبط بالعقليات المجتمعية.
أكيد أن احترام الأقليات كيفما كانت طبيعتها أصبح ضمن المعايير الهامة التي تعتمد عليها المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة لقياس مستوى الدمقرطة في بلد معين، فإلى جانب المعايير السابقة التي شكلت أساس الديمقراطية الإجرائية كالوثيقة الدستورية المتفاوض في شأنها، الإرادة السياسية الواضحة، القضاء النزيه والمستقل، الإعلام الحر، المجتمع المدني الفاعل والفعال، الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية الجذرية.. أصبح التأكيد في ظل الموجة الثالثة للديمقراطية على مسألة احترام حرية الأقليات وتدبير التعددية الثقافية واللغوية والدينية. وهذا ما يعطي للعلمانية شرعية لوجودها ويجعل أمرها ضرورة لا مفر منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah