الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في الثورات والمصائر (1)

منذر علي

2018 / 11 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


طرح أحد الأصدقاء الأعزاء سؤالًا وجيهًا، مفاده: “لماذا، يا ترى، يتمسك الحكام بالسلطة ويرفضون تسلميها للشعب طوعًا، فيضطر الشعب، مُكرهًا، على خلعهم بالقوة، بكل ما يترتب على ذلك الفعل المشروع من صراع ومآسٍ لا حقًا ؟"
وهنا لا بد لي من الإقرار بأنَّ هذا السؤال الاحتجاجي، الذي طرحه صديقي كان وجيهًا للغاية، لأنني لا أظنه طُرحه بهدف الحرص على مشاعر الحُكام، أو أملًا في خلق علاقة سوية بين الحُكام والمحْكومين ، فهو ، قطعاً، لا يفكر في إطار المثاليات، وإنما كان طرحه، على الأرجح ، دفاعًا عن الشعوب، التي ترزح تحت الظلم والطغيان، وتعاني من الجوع والهوان ، رغبة في تغير المجتمع وتحرير الأوطان والشعوب من الظُلم والأوثان.
غير أنَّ السؤال الذي ينبغي أنْ يُطرح، على الأقل بهدف تحفيز الجدل السياسي، وتوسيع أفق التفكير حول الشأن العام، هو: لماذا يتوجب على الحُكام أنْ يُسلِّموا السلطة ؟ وكيف ينبغي لهم أن يسلموها ؟ ولمَنْ.؟ وضمن أية شروط؟
في المقام الأول لم تُسلَّم السلطة للحكام، كما نعلم، وإنما اغتصبوها، بقوة الجيش، أو بقوة القبيلة، أو بقوة العصبية الطائفية ، أو بقوة الدعم الخارجي ، أو ببعض هذه العوامل أو بها مجتمعة. وعقب سيطرتهم على السلطة، تمكنوا من إخضاع الشعب و حُكمه، والتحكم فيه ، و قهره، ونهب ثرواته، والتفريط بسيادته الوطنية، و تمزيقه نتفًا وبيعه في سوق المزاد العلني.
ولقد انتفع الغرب الاستعماري بالحكام العرب و بعض" العجم" على السواء، وركب فوق ظهورهم ، وغازلهم الشرق وتاجر معهم ، وأستقر الأمر بالحكام في قمة هرم السلطة ، وطابت إقامتهم، وطالت إقامتهم حتى هرمت شعوبهم .
إذن، لماذا عليهم أنْ يتخلوا عن هذا النعيم المقيم ، و يسلموا السلطة إذا كان الفساد مُربحًا ، والقانون غائبًا ، والشعب جاهلًا ، والعالم من حولهم منافقًا ومتآمرًا وظالمًا؟
إنّ الأمور في عالمنا المعاصر غدتْ أعقد من أن تُحل عبر نصائح خبراء الليبرالية الجديدة، الفاجرة ، المرتبطين بالبنك الدولي، وأجهزة الاستخبارات الخارجية القاتلة ، أو عبر الفتاوى السمجة لشيوخ السلطان الفاجرة ، أو حتى عبر الآيات القرآنية المقدسة ، التي تحث على "البر والتقوى" ، فيما الحكام ، في واقع الأمر، يتعاونون "على الإثم والعدوان " وخيانة الأوطان وتدمير الإنسان.
ففي ظل الاختراق الامبريالي الغربي للأنظمة الوطنية ، التي تصنِّع،Manufactured ، من بين العرب والعجم ، حكامًا ، بجلود سمراء وأيدلوجيات نكراء وعقول بلهاء ، مدبوغين و منقعين بمزيج من الويسكي وبول الإبل . لا غرابة إذن، أنْ نراهم وهم في قمة السلطة ، في أشكال متناقضة: فهم من جهة يلبسون الحرير و الكتان ، و يراقصون الحسان ويتلذذون بالغانيات والأغان ، ويغردون، باسم الحداثة كالفرنسيين والطليان ، ومن جانب آخر نراهم يفكرون كالقطعان ، ويضطهدون النسوان ، و يقطعون الإنسان، وهم يستمتعون بصوت الأذان.
وفي ظل التبعية العضوية للغرب الرأسمالي ، وتشوه البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وحقن الوعي بخليط من نفايات الفكر الاستعماري ، و مزجها ، بمهارة ، مع الخرافات والأوهام المحلية ، وتقدميها من قبل شيوخ السلطان ، على شكل فتاوى ، صالحة لكل زمان ومكان ، لا غرابة ، إذن، أنْ تغرق شعوبنا في التعفن وتنتقل إلى عالم الموت و النسيان.
و في ظل غياب الوعي والقانون ، وشيوع التجهيل و التكفير، وسيادة روح الثأر والانتقام ، و انتشار قيم التوحش ، والجنون ، فأنَّ الإنسان لا يقهر أخيه الإنسان فحسب ، ولكنه قد يأكل لحمه حيًا، كما حدث في تاريخ الجنس البشري.
وأنا هنا لا أبالغ ولن أذهب بعيدًا إلى دراسات جميس فريزر الأنثروبولوجية الذي أحال حوادث أكل لحوم البشر في التاريخ القديم ، لأسباب ومعتقدات متعلقة بالخلود والدين، ولا إلى كتابات المؤرخ المقريزي، عن مصر في أواخر عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (1036 – 1094)، حيث أكل الناس بعضهم بعضًا ، بفعل المجاعة ، ولن أعود حتى إلى الدراسات الموثقة في العصر الحديث ، وتحديد في أواخر النصف الأول من القرن الماضي، لأكل لحوم البشر خلال الحرب العالمية الثانية في شرق آسيا من قبل الجيش الياباني، كما أورد المؤرخ الياباني يوكي تانكا، ولكن يمكننا الإشارة إلى ما جرى في سوريا بعد أحداث الربيع العربي المغدور ، حيث " قام أحد المتطرفين بأكل كبد جندي سوري، بعد أن قام بأسره وقتله، ليس فقط رغبة منه في محاكاة قصة هند بنت أبي سفيان، و لكن بدرجة أساسية بفعل الحرب والثارات وشيوع روح الانتقام والتوحش وانحدار الإنسان إلى الدرك الأسفل من الحضارة، وهو ما تتجه إليه ، بوتيرة متسارعة، بلداننا اليوم.
ولكن لماذا نجحت بعض الثورات الشعبية ، دون حروب أهلية ، وأثمرت تغييرات ايجابية ، فيما فشلت أغلبها وانحدرت إلى هاوية العنف والخراب ؟ هذا ما سأحاول أن أناقشه في الحلقة الثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال