الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (2)

كريم عزيزي

2018 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ها أنا أبدأ الكتابة في موقع الحوار مثلي مثل غيري، أكتب باللغة العربية لأتواصل مع قرائها. قد يقرأ لي - ولغيري - الأمريكي أو الأوروبي أو الصيني الذي يجيد اللغة العربية لكنه لا يعنيني -ولا أظنه يعني أحدا هنا- فهدفي هو القارئ المنتمي إلى "منطقتنا" واستعمال ضمير الجمع يلزمه توضيح لا يزال يغيب عن شعوبنا ومثقفيها.

استعمال اللغة العربية والانتماء إلى أي دولة من دول شمال افريقيا والشرق الأوسط اليوم يجعل منا "أوتوماتيكيا" "عربا مسلمين" عند كل جغرافيا الأرض وقبل ذلك عند شعوبنا ، من يقرأ لي الآن والمنتسب لهذه الرقعة الجغرافية التي تُسمى "عالم عربي إسلامي" سيقول عني أني "عربي" وسيواصل قوله ذاك حتى عندما يعلم أني لست مسلما ، قد يتراجع بعد حين وينسبني إلى "قومية" أخرى لكن حكمه الأول والذي سيصدره للوهلة الأولى سيكون "بديهيا" عنده ويستحيل أن يتشكك فيه وكلامي ينطبق على الغالبية العظمى من القراء . الذي يهمني هنا هو لماذا يطلق القارئ هذا الحكم "البديهي" –عنده- ؟

لنتذكر أننا -كلنا- عندما كنا صغارا، وُضعنا في صندوق "واحد" قال لنا أننا "عرب مسلمون"، كلنا تربينا على ذلك باستثناء أعداد قليلة جدا نشأت في أسرة / منطقة لا تزال تتكلم لغتها الأصلية أو -وهذا شاذ جدا- في أسرة لا تتكلم لغتها الأصلية لكن تعرف تاريخ بلدها الحقيقي وهويتها الحقيقية. ذلك الصندوق العجيب جعل من عروبتنا وإسلامنا بديهيات لا تناقش عند الجميع وحتى عند من لم تكن أسرهم متدينة ؛ لا أذكر في أسرتي أن أحدا يوما تساءل عن حقيقة عروبتنا وعن صحة إسلامنا ولم أسمع من أحد -إلى اليوم- تساؤلا أو حتى ذرة رغبة في فتح نقاش في الموضوع، "إلى اليوم" وأهلي يعلمون بالفكر الذي أحمله منذ سنين والذي يقول أن لا إله ولا دين وأيضا أننا لسنا عربا ، هؤلاء الأهل بكل مستوياتهم المعرفية وفيهم من يدرس الفلسفة والتاريخ والعلوم السياسية في المعاهد والجامعات لا يهتمون ولا يعنيهم لا إسلامنا ولا عروبتنا ولا يفكرون إطلاقا في ربط تخلفنا بهما ، أغلبهم لا يطبق شعائر الإسلام أو يطبق بعضها في المناسبات وحتى من يظهرون أنهم أقرب للإسلام أقل حكم يمكن إطلاقه عليهم أنهم "مرتدون" أو "منافقون زنادقة" حسب الموروث الفقهي الأصيل . أما الهوية العربية فملخصها "نحن -هذه الأسرة- عرب نعيش على كوكب آخر!" . أي نحن عرب ومسلمون وكفى ، ولا نريد أي نقاش في المسألة ، أما التزامنا بإسلامنا وعروبتنا فذلك نحن من نحدده ولا نتبع فيه أي تيار أو أيديولوجيا .. كلام يشبه أنا مسلم وكفى حتى إن كانت كل أخلاقي وتصرفاتي تنفي إسلامي ، أنا عربي وكفى حتى وإن كان كل شيء فيّ ينفي ذلك فكيف يكون من شعره أصفر وعيونه زرقاء عربيا ؟ وكيف يكون عربيا من لا يهتم لما يحدث للشعب اليمني ؟ من لا يعنيه أصلا مصير سوريا والعراق ؟ بل والقضية الفلسطينية وحتى من جانب "إنساني" لا من منطلق عروبي أو ديني-إسلامي ؟

هدفي من المثال "الشاذ" لهذه الأسرة "الشاذة" النادرة الوجود -والشاذ لا يقاس عليه- هو العجب من شخص ما "كل شيء فيه" ينفي ما يدّعيه عن نفسه وبرغم ذلك يواصل ادعاءه ولا يعنيه إلا أن تطلق عليه صفتا "مسلم" و "عربي" حتى وإن كان ضد الإسلام وضد العروبة في كل خطوة في حياته بل قد يصل به الأمر حد العنصرية والنازية كالقول بوجوب "سحق" المسلمين في الغرب وطردهم "كلهم" -والقائل يقول عن نفسه مسلم!- أو "لو فنى السوريون والعراقيون والفلسطينيون واليمنيون عن بكرة أبيهم لن تتحرك مني شعرة" -والقائل يقول عن نفسه أنه عربي!-.

قلت "والشاذ لا يقاس عليه" لأن أغلب الناس في بلداننا ولاؤهم لإسلامهم ولعروبتهم ظاهر و "الحد الأدنى" منه موجود عند الجميع ، لكني أسال والسؤال لمن يقولون بقولي أننا لن نتقدم بإسلامنا وعروبتنا بل الحجر الأساس في تقدمنا هو تجاوزهما : ألا ترون أن كلامنا يشبه حلم عودة الخلافة عند الإسلاميين أو حلم الوحدة العربية عند العروبيين؟

جوابي أن "حلمي" مبني على "حقائق" وعلى "عدل" عكس أحلامهم الوهمية والجائرة : أصحاب الهوية الإسلامية ينطلقون من دين "سماوي" يتبعه أكثر من مليار بشر اليوم ، في بلداننا كل شيء مبني على الإسلام وحتى العالم اليوم صار يقول -وخدمة لمصالحه- أن الإسلام دين سلام ويستطيع التأقلم مع قيم العصر وأن المشكلة ليست في النص بل في المسلمين ومن يُروِّعون البشر منهم لا يمثلون الإسلام "السمح" وسنّة رسوله "الكريم"، آلاف الكتب كُتبت من آلاف الكتاب "العلماء" و "الفلاسفة" تمجّد الإسلام ولا يزال يصدّق ما فيها أغلب أفراد شعوبنا، حتى الهواء الذي نتنفس "أسلموه" لكن ذلك كله لن يستطيع أن يحجب حقيقة الإسلام عني وعمن أعملوا عقولهم وعرفوها، ونفس ما قيل عن الإسلام أقوله عن عروبته وكل شيء في بلداننا عرّبوه ونفس تعجّبي ممن لا يزال يتبع الإسلام إلى اليوم أشعر به تجاه من لا يزال يتبع عروبته . وكمثال أتساءل لماذا توصف الأحزاب الشيعية -غير الإيرانية- الموالية لإيران بالعمالة والخيانة ولا توصف بذلك الأحزاب السنية -غير الخليجية- الموالية للسعودية وقطر ولماذا لا توصف بذلك الأحزاب -غير المصرية- القومية واليسارية التي تمجد عبد الناصر (وعبد الناصر ليس رمزا فكريا كماركس بل رمز قومي مزيف)؟ حزب الله "اللبناني" وشيعة البحرين عملاء عندما يوالون خامنئي لكن ماذا عن السلفيين مع السعودية ؟ وعن الإخوان مع قطر وتركيا ؟ وماذا عن الولاء الأعمى للاتحاد السوفياتي السابق ؟ وماذا عن كل من يتبنى الليبرالية الاقتصادية الحالية ؟

وسط هذه الفسيفساء "المستنقع" التي خلط فيها بين كل شيء: الدين القومية الماركسية/الشيوعية الرأسمالية، يحق لي أن أسأل : هل يعقل أن مَنْ جهل ذاته سيعلم كيف سيخرج بسلام من هذا المستنقع ؟ والسؤال يشبه (كمثال): هل من لا يزال يؤمن إلى اليوم أن الله يقدّر لنا أرزاقنا يمكن أن يؤتمن على مستقبل شعب تتلقّفه الوحوش من كل جانب؟

ما أقوله سيصفه "اليساريون" بأنه "شعبوي رجعي" يخدم مصلحة الإمبريالية الغربية التي تستغل الدين والقومية في منطقتنا للتفريق بين الشعوب وتغييبها عن الصراع الحقيقي مع هذه الإمبريالية وعملائها الداخليين تلك الطبقة "البرجوازية" الحاكمة التي هي أيضا تستغل الدين والقومية لتسود شعوبها المغيَّبة الوعي. تجد كثيرا في أدبيات السادة اليساريين لفظ "رجعي" والرجعي عندهم -ومن الآخر- هو كل من يرفض أهدافهم وبالطبع اللفظ لا يقتصر على الإسلاميين -عملاء الرأسمالية الأوفياء- بل يشمل أيضا الملحدين بل والعالم بأسره عداهم هم، ومصطلح شعبوي مصطلح أطلق قديما على كل من رفض تسيد العرب الغزاة على شعبه أي ما يقابل "وطني شريف" والمحتل قد يصل به جنونه إلى حد وصف الوطنيين الرافضين له بالخيانة والإرهاب وما أجملها من "خيانة!" عندما "يخون!" المرءُ الظالِمَ الجائرَ الذي يريد امتلاك أرضه وشعبه.

لكن للأسف، وكما يعتقد أغلب مثقفي شعوبنا "حصل ما في الصدور" وانتهت القضية وتَسيَّدَ العربي الغازي ليس على أراضينا فحسب بل -وبقدرة قادر- على هوياتنا وزعم أنه مصدر جيناتنا وهي الكذبة التي كشفتها ما تبقّى من ثقافاتنا الأصلية إلى اليوم ولغاتنا واختلافها مع الخليجيين بل وحتى الجينات بيّنت أن أصولنا العربية المزعومة ليست شيئا غير أقلية وفي كل الدول الموسومة بالعربية .

لماذا الإصرار على لبس جلد ليس جلدنا قبل أن تُكلمني عن إمبريالية الغرب والتي أعلم حقيقتها وأرفضها أكثر منك يا عزيزي الماركسي؟ ولماذا لا يكون اليسار عندك إلا "عربيا" وأنت الذي ترفض القومية كما تزعم؟ لماذا لا تعتبر المصري والتونسي والسوري كعامل أرجنتيني وكوبي وبرازيلي فتبحث معهم عن شعارك "يا عمال اتحدوا"؟ لماذا تُصرّ على الانطلاق من قومية -وأنت الماركسي- أولا وثانيا ليست قوميتك ؟ من "الرجعي" هنا أنا من أرفض أن تُلبسني جلدا ليس جلدي أم أنت من تدّعي الترفع عن القوميات وأنت -ككل شيء يتحرك ولا يتحرك في بلداننا-: "قومي عربي"؟

لا يمكن أن يصلح الإسلام شؤوننا فقد ولّى عصر الخرافات ، ولا يمكن أن تحسّن العروبة أحوالنا فقد انتهى زمن العنتريات، لا يمكن أن يوجد يسار "حقيقي" في بلداننا ما لم يحل معضلة الهوية التي أراها قادمة لا محالة ويستحيل أن يتواصل انتماء شعوب برمتها لهوية بدوية لم تكن يوما لها أصلا وهي ودينها اليوم السببان الرئيسيان اللذان تستعملهما الرأسمالية لمواصلة استعباد شعوبنا ونهبها .

فلتخرج شعوب المشرق وشمال افريقيا من هوية الغازي العربي ولتتّحد في نضالها ضد الناهِب الرأسمالي ، ومن رفض وواصل تصديق أوهام وأكاذيب كتب التراث العربي الإسلامي وأراجيف أبطال مسرحية القومية العربية السخيفة فلينتظر الفناء القادم من المارِد الغربي وعميله "الأخ العربي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا