الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوليغارشية في ثوب الديمقراطية

السنون عبدالفتاح

2018 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السنون عبدالفتاح
أستاذ باحث ، المحمدية
إجازة في الفلسفة : جامعة سيدي محمد بن عبدالله، فاس، 2010
ماستر في الفلسفة، جامعة سيدي محمد بت عبدالله، فاس، 2017


الأوليغارشية في ثوب الديمقراطية ؟؟!!..

لعل المتأمل في الأكسسوارات المؤثثة للعبة السياسية في وطننا المغربي، بل والعربي قاطبة، ليتبين له أن "الديمقراطية" قدر مأساوي بالنسبة الإنسان العربي، وعليه أن يتحمل تراجيديته الواقعية مستبعدا غشاوة الحلم العقيم... أصبحت الديمقراطية في مجتمعنا، إن لم نقل في مجتمعات العالم بدرجات متفاوتة، مجرد مسرحية تضفي المشروعية على اللامشروعية، إنها الوهم الذي يستثمر فيه مختلف فيه مختلف فاعلي وممثلي البورجوازية التبعية الحديثة. لقد أضحت مجرد مقولة جوفاء، على الأقل في مجتمعاتنا العربية وإن كان الأمر، يتجاوزنا الى المجتمعات الغربية نفسها كما يتجلى ذلك في استغاثات فلاسفتها ومفكريها الذين لم يعودوا يخفون أنهم لا ينتخبون، وأن الديمقراطية التمثيلية تحولت الى أداة لإضفاء الشرعية على "الأوليغارشية"، ألم يعلن الفيلسوف الفرنسي آلان باديو:"الانتخابات فخ الأغبياء"!!!
عيب الديمقراطية هي أنها تخلت عن جذرها اليوناني:"حكم الشعب نفسه بنفسه"، بل وتخلت أيضا عن الوظيفة التي حددها لها الرومان الذين ربطو الديمقراطية بالحكم الجمهوري، وعرفوا الجمهورية بأنها: « RES-publica » أي تدبير الشأن العام. مما يعني أن الديمقراطية ارتبطت بالتسيير المشترك للشؤون التي تهم جميع المواطنين ولا ترتبط بهذه الفئة أو تلك. لكن يبدو اليوم أن معناها، في مجتمعنا العربي الحديث، أقرب إلى الأوليغارشية منه إلى الديمقراطية بمعناها اليوناني، وليست هي المساواة في الحقوق والواجبات... لقد أضحى الحق رمزا وعلامة مسجلة في ملكية الطبقة البورجوازية التابعة، ذلك أن الحقوق قديما، أيام الإستعمار، كانت حكرا على المستَعمِر. لكن ولما كان هؤلاء هم ورثته الشرعيين، أبناؤه طبيعيين، أصبحت الحقوق بالوراثة من نصيبهم، ولم يعد الحق للشعب أن يطالب بالحقوق.. بل كل ما تركوا له هو الواجبات.. نعم الواجبات لك وحدك، وما يجعلها كذلك هي القوانين والمراسيم التي يسنها "أبطال" الديمقراطية التمثيلية...
هكذا استحالت الديمقراطية التمثيلية الى "أوليغارشية"، لأن الأقلية الحاكمة هي التي تسن القوانين وتؤسس المؤسسات وتشرعن السلوكات، بل وتتجاوز هذا المستوى السياسي الى مستوى إبستيمولوجي:"إنها هي وحدها التي تحدد الحقيقة والخطأ". لم تعد قواعد اللعبة السياسية موضوع تعاقد اجتماعي معلن، بل المعلن لا يؤسس للشرعية بل الشرعية مستمدة مما هو مكبوت ما بين السطور..إنه ما لم يتم الإعلان عنه. وبهذا لم تعد ممارسة الفعل السياسي من حق الجميع وإنما من حق القلة فقط، هؤلاء وحدهم الذين يمارسون الفعل السياسي لأن أسماؤهم منصوص عليها في الدفتر الذهبي، فإما أنهم الحكام الحقيقيون الذين يحكمون في الظل، أو أنهم ينتمون الى الأسر "النبيلة" في المغرب، أو من رجال السلطة: أكانت اقتصادية أم فنية أم إعلامية أم معرفية...إن نظامنا المغربي، بل والعربي عامة، شبيه بوضع البرابرة في العهد الروماني الذين كان وجودهم في روما القديمة يتطلب، بالضرورة، أن ينتسبوا الى " جد نبيل"، وهذا ما كان يسمى ب "نظام الزبونية"، أي ان البربري يكون زبونا تابعا للروماني يخدمه ويحقق له بعض المآرب الخاصة إن هو أراد أن يوفر له الحماية... كذلك الحال في مجتمعاتنا، بحيث لا يمكنك أن تتمتع بحقوقك إن لم يكن هناك ما يسند ظهرك ويشد عضدك... عليك أن تجد أبا أو " جدّ راعٍ"... عليك أن تكون زبونا تخدم مصالح السيد في مقابل التنازل عن مصالح من انتخبوك..هكذا أصبحت الديمقراطية معبرا إلى الحكم الأقلي:" الأوليغارشية" بلغة اليونان!! وأصبحت حقوق المواطنين تختزل في التصويت في الانتخابات التشريعية...لاختيار ممثليهم، سيمثلون في الحقيقة مصالحهم الخاصة لا مصالح الشعب..سيشرعون لما يخدمهم بالدرجة الأولى، بل وما ينقلها من مستوى المكتسب الى مستوى المشروع ..الحق!!.. ألا يبرر كل هذا القول بأن الديمقراطية التمثيلية هي مجرد "فخ للأغبياء" ؟ هل اختار المواطنون أن يكون ثمن البنزين ما يفوق عشر دراهم في المغرب بينما هو لا يتجاوز ست دراهم في السوق الدولية، دون أن ننسى اختلاف القدرة الشرائية بين المغرب والمجتمع الدولي؟ هل اختار المواطنون عدم التصويت على استرجاع 17 مليار درهم كأرباح غير أخلاقية من شركات المحروقات؟ وهل يمثل هؤلاء الممثلون للشعب حقا الشعب؟ هل غايتهم حقا هي تدبير الشأن العام والدفاع عن مصالح الشعب أم مصالحهم الخاصة؟...
الديمقراطية العربية لعبة قذرة يتم اعتمادها من أجل إضفاء الشرعية على اللاشرعية، وإن لم يكن كذلك يمكن لكل واحد التأمل في مسرحية الانتخابات العربية، فسواء شارك المواطنون في الأنتخابات أم لا فإن هناك حكومة أقلية قادمة. إنهم غير مكترثين لصوتك ولا لاختياراتك بل ما يهم أن يتموا مشهد المسرحية، فلا ضير إن كنت من المتفرجين..المهم إسدال الستار والإعلان عن فائز..وكأنهم يرددون على مسامعك قولة نيتشه في نقده للعدمية الزهدية:" إن إرادة العدم أفضل من عدم الإرادة". يجعلونك تقبل الوضع وتنظر الى أن الديمقراطية التمثيلية الشكلية أفضل من الإقتتال والطائفية والحرب، وبهذا لن تكون الديمقراطية هي" ديكتاتورية الأغلبية" كما جاء على لسان الفيلسوف الفرنسي أندري كومت-سبونفيل. حتما إنها في مجتمعاتنا لا تخدم الأغلبية لكنها توهمنا انها كذلك، إنها في مجتمعنا لا يمكن أن تكون أكثر من تعبير صادق عن ما قاله الأديب الألماني غوته:"الديمقراطية هي تفضيل الظلم على الفوضى".
الديمقراطية إذن، وسيلة الأقلية المتنفذة لتمرير مخططاتها وخدمة مصالحها بعيدا عن "الفوضى"، وما على الشعب الا أن يقبل بالظلم، ظلم نفسه، على أن يقبل بالفوضى..بينما أن البورجوازية التبعية تحاول في كل مناسبة أن تقنعنا أن الديمقراطية التمثيلية هي أفضل ما نملك... إنها أهون الأشرار. أنت أيها الإنسان مصيرك الشقاء الأبدي... في غياب ديمقراطية حقيقية تعيد السلطة للشعب وتجعله سيد نفسه وصاحب القرار... ألا يكفي كل هذا أن نقول أن الديمقراطية التمثيلية، في مجتمعاتنا العربية، هي حكم الأقلية بمباركة الأغلبية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا