الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتورة الراقصة وجحافل المطبّلين

مالك بارودي

2018 / 12 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


.
منذ يومين، قرأت مقالا على "روسيا اليوم" عنوانه ""الدكتورة الراقصة" المفصولة من جامعة مصرية تثير الجدل من جديد (صورة)" (منشور بتاريخ 04 ديسمبر 2018)، ونصّه كما يلي:
.
"عادت منى برنس أستاذة الأدب الإنجليزي، الصادر بحقها قرار فصل من كلية الآداب في جامعة قناة السويس، لإثارة الجدل مرة أخرى. ونشرت برنس صورة، عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مع ديفيد جوفرين سفير إسرائيل لدى مصر، في مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة قائلة: "مع سعادة السفير الإسرائيلي بالقاهرة، ديفيد جوفرين". وأثارت هذه الصورة جدلا واسعا عبر وسائل الإعلام المصرية، حيث تتعمد الدكتورة المصرية التي بدأت إثارة الجدل منذ 2013، وضع صور مثيرة للجدل. وكانت منى برنس قد أحيلت للتحقيق في عدة اتهامات، من ضمنها شكاوى مقدمة من عدد من الطلاب بدعوى ازدراء الأديان خلال إحدى المحاضرات، وواصلت إثارة الرأي العام بعدد من فيديوهات الرقص التي نشرتها عبر صفحتها على "فيسبوك". ونشرت فيديو عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في سبتمبر عام 2017، تظهر خلاله وفي يدها زجاجة خمر، معلنة بها الترشح لرئاسة الجمهورية."
.
حقيقة، لا أدري ما نوع هذه الكائنات التي نعيش معها في نفس هذه البلدان العربية والإسلامية، كما يسمّونها. بلدان يمكن أن تندلع فيها النيران في أيّة لحظة وبسهولة تامّة من أجل مجرّد كتاب أو رسم أو صورة...! هل هذه حساسيّة مفرطة أم غباء مفرط؟
.
لن أتحدّث في هذا المقال عن مسألة فصل "منى برنس" من كلية الآداب، ولا عن القضيّة التي رفعت ضدّها بتعلّة إزدراء الأديان (لو كان المصريّون صرحاء مع أنفسهم وصادقين لسمّوه "إزدراء الإسلام فقط"، لكن، كما يقول أهل مصر: "منين يا حسرة!") ولن أتكلم عن صورها بالمايوه ولا عن قارورة الخمر ولا عن فيديو الرقص (وكلّها أمور متعلقة بالحرية الشخصية، لا دخل لأحد فيها)، وذلك بسبب ضيق الوقت، لكنني سأتكلم عن هذه "الحادثة" الأخيرة وهذا "الجدل" الذي أثارته مجرّد صورة للقاء "منى برنس" مع السفير الإسرائيلي بمصر "ديفيد جوفرين" (David Govrin) يوم 03 ديسمبر 2018.
.
وقد لفت إنتباهي لفظ "الدكتورة الراقصة" الذي تمّ وضعه بين ظفرين، ولا أدري ما الدّاعي لذلك، إذا لم يكن القصد منه إلصاق هذا النّعت "الراقصة" بالمعنية بالأمر، أو كنوع من التهكّم... لكن، لا مشكلة. دكتورة راقصة، وماذا في ذلك؟ لقد أخرجت لنا الجامعات العربية والإسلامية الكثير من الدّكاترة الإرهابيين والمجرمين مثل "عبد الله عزّام" و"أيمن الظواهري" و"وجدي غنيم" و"يوسف القرضاوي"، إلخ. ماذا ربحنا من كل هؤلاء الدكاترة الإرهابيين والمجرمين، عدا الخراب والدمار؟ ومتى كان الرقص جريمة؟ هل سمعتم برقصة قتلت أحدهم أو فجّرت أحد المباني؟ لا، فالرّقص لا يقتل. وهذه "الدكتورة الراقصة" بالتأكيد لن تقتلك، لكن من سيقتلونك هم هؤلاء الدكاترة الإرهابيون والمجرمون... وليت الجامعات العربية والإسلامية تخرج لنا أفواجا من الدكاترة الراقصين، عوض إخراج حثالات الإرهاب والإجرام هذه.
.
لكن، لسائل أن يسأل: لماذا أثارت الصورة كل هذا "الجدل"؟ الجواب، ببساطة: لأنّ "منى برنس" كانت في الصورة مع سفير إسرائيل لدى مصر. وهنا يأتي السؤال الموالي: أين المشكلة في أن تأخذ منى برنس، أو أي مواطن مصري آخر، صورة مع سفير إسرائيل لدى مصر؟ أين المشكلة؟
.
ديفيد جوفرين، كما ورد في المقال، هو سفير إسرائيل لدى مصر... هل وجوده في مصر وجود غير قانوني، مثلا؟ أليست هناك سفارة لإسرائيل في مصر وسفارة لمصر في إسرائيل؟ (في مقال "العلاقات الإسرائيلية المصرية" على موسوعة "ويكيبيديا" نقرأ ما يلي: "لمصر سفارة في تل أبيب وقنصلية في إيلات، ولإسرائيل قنصلية في الإسكندرية وسفارة في القاهرة"). ألم يقدّم السفير الإسرائيلي أوراق إعتماده لرئيس الجمهورية المصرية قبل تولّيه مهامّه؟ إذا كانت كل هذه الأمور قانونيّة ووجود السفارة والسفير قانونيين وبموافقة الدولة المصرية، فهل دخول هذه السفارة ومقابلة هذا السفير أمران غير قانونيان؟ بالطبع لا. ومن حقّ أيّ مواطن مصري الذهاب لسفارة إسرائيل وطلب مقابلة السفير الإسرائيلي. فإذا كان لدى الناس لومٌ، فلماذا يصبّونه في غير مكانه؟ لماذا يلومون "منى برنس"؟ أليست الدولة المصرية هي الأولى باللّوم؟
.
ثمّ أليست هناك إتّفاقيّة سلام بين مصر وإسرائيل؟ أليست هناك مبادلات تجارية وإقتصادية وتعاون بين البلدين؟ (في نفس المقال المذكور أعلاه على موسوعة "ويكيبيديا"، نقرأ: "وفي مجال العلاقات التجارية، وقعت الحكومة المصرية مصر في عام 2004 اتفاقية الكويز مع الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تمكن المنتجات المصرية الدخول إلى السوق الأمريكية دون تعريفة جمركية أو حصص كمية بشرط استخدام نسبة 11.7% مكونات إسرائيلية. وفي عام 2005 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل تقضي بالتصدير إليها 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 12عاما".) أليس هناك تعاون عسكري؟ إذن، أين المشكلة؟ ما فعلته "منى برنس" حقّ من حقوقها وحرّيّة شخصيّة وشيء طبيعي جدّا وفوق هذا كله أمر قانوني مائة بالمائة. هو في الحقيقة شيء لا يستحقّ أن يكون موضوع مقالات ولا جدال... هذا بطبيعة الحال، لو كانت هذه البلدان العربية والإسلامية بلدانا عاديّة تسكنها شعوب لها عقول... لكن...
.
بطبيعة الحال، كلّ هذا لا يهمّ المطبّلين الذين يثيرون الشّغب في الواقع أو على الأنترنات على حدّ سواء... المهمّ بالنّسبة لهم "خرافة فلسطين" وقصة العداوة بين "الأمة العربية والإسلامية" المزعومة و"دولة الإحتلال" والتّهمة جاهزة: "خيانة"، "تطبيع مع العدو الصهيوني"، بل أنّ بعضهم إخترع تهمة جديدة إسمها "إنكار القضيّة الفلسطينية"... ولعلّه إستلهم ذلك من تهمة "إنكار المحرقة اليهوديّة"... لكن، لا يهمّ.
.
بخصوص خرافات هؤلاء المطبّلين، أعتقد أنّ من يقرأ مقالاتي السّابقة سيفهم أنّه لا مشكلة لدي مع دولة إسرائيل البتة. فهي دولة معترف بها على الصعيد الدولي، دولة ذات سيادة على أرضها، وفوق هذا كلّه، هي دولة لا تفعل أكثر مما تفعله معظم الدول المسماة "العربية والإسلامية". مشكلتها مع الفلسطينيين لا تهمّني أصلًا ولا علاقة لي بها لا من قريب ولا من بعيد، فهي مسألة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين. وإسرائيل، علاوة على ذلك، دولة ناجحة ومتطوّرة، تفوق في قدراتها قدرات كلّ الدّول المنتشرة من الخليج إلى المحيط. وقد سبق وكتبت في 04 فيفري 2018 مقالًا بخصوص "الضجة" التي أحدثتها تصريحات المطرب التونسي الراحل "قاسم كافي" حين قال أنّه زار إسرائيل وأنه فخور بذلك، وقد قلت فيه: "فما دخلنا كتونسيّين بعداوة الفلسطينيين والإسرائيليين؟ هل يضرّنا ذلك في شيء؟ لا. هل نحنُ أوصياء على الفلسطينيين أو مسؤولون عنهم؟ لا. هل تمكنت تونس من حلّ كل مشاكلها، لتتفرغ لحل مشاكل الآخرين؟ لا. هل ربحنا شيئا من الفلسطينيين؟ لا. هل يمكن أن نربح شيئا منهم؟ لا. إذن، فما مشكلتنا مع الإسرائيليين؟ هل هي عقلية العنتريّات المترسخة في الموروث العربي البدوي المتخلف؟ أم هو منطق "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"؟ ومن قال أن الفلسطيني أخٌ لي أصلًا؟ لا الدين ولا اللغة قادران على تغيير الحمض النّووي. ثمّ، لماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ أخوّة الفلسطيني لن تجلب لي سوى المتاعب والمشاكل والتّخلّف والهمّ والنكد والإرهاب، في حين أنّ أخوّة الإسرائيلي يمكن أن تجلب لي الإستثمارات وتمكن تونس من إستقطاب العقول والتقنيات الإسرائيلية وإقامة علاقات إقتصادية وسياحية وسياسية وثقافية لا تقدّر بثمن، معها ومع الولايات المتحدة الأمريكية أيضا. فلماذا نحشر أنفسنا في مشاكل لا ناقة لنا فيها ولا جمل، كما يقول المثل البدوي؟ لماذا ندخل في لعبة خاسرة ولا علاقة لنا بها أصلًا؟ لماذا تخسر تونس الدّعم المالي والإقتصادي والسياسي الأمريكي بسبب تصويت تافه رافض لقرار دونالد ترامب القاضي بنقل سفارة بلاده إلى أورشليم؟ ما علاقتنا بأورشليم أو القدس؟ فلينقل سفارة بلاده حيثما أراد، فالأمر لا يهمّنا ولا يضرّنا بشيء."
.
لا أظنّ أنّ حالة المواطن المصري أحسن من حالة المواطن التّونسي، ولا أعتقد أنّ هناك فرقا بين الوضعية الإقتصادية التونسية ومثيلتها المصرية، لذلك، يمكن إستبدال لفظ "تونس" بلفظ "مصر" بكلّ بساطة فينسحب كل ما قلته على هذه الأخيرة...
.
بطبيعة الحال، سيخرج لي بعض المغفلين بشعارات وأكليشيهات من قبيل "الأخوة العربية" و"القومية" و"الوطنية" و"الإنسانية" و"تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" و"لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، إلى آخر قائمة الشّعارات التي لا تصلح لشيء عدا كسر الصمت بالضجيج. لهؤلاء أقول: يا سادة، هذه مواقفي، أحبّ من أحبّ وكره من كره. ومن يتعرّض لأشخاص مثل "منى برنس" و"قاسم كافي" وغيرهم بتعلّة أنّهم إرتكبوا "جريمة التطبيع مع إسرائيل"، ليس إلّا شخصًا جبانًا. إذا كنتم فعلا تعتبرون إسرائيل عدوّا، فها أنتم وها هي إسرائيل، إذهبوا وجاهدوا فيها وأرونا كيف ستتغلّبون على الإسرائيليّين، على أرضهم. فالصّياح والعويل لا ينفع بشيء، ولا يثبت إلّا جُبنكم وتفاهتكم. ورفع القضايا ضدّ من تتّهمونهم بالتّطبيع مع إسرائيل هو أيضا دليل على جُبنكم ونفاقكم وفصامكم. وإذا كنتم ضدّ التّطبيع فعلا، فلماذا لا تُطالبون بلدانكم بقطع كل علاقاتها مع إسرائيل ومع الدّول والشّركات العالمية التي لها علاقة بها من قريب أو من بعيد؟ أليست معظم الدّول في العالم لها علاقات مع إسرائيل، سواء كان ذلك في الخفاء أو في العلن؟ أليست المملكة العربية السعودية، هذه الدّولة الرّاعية للإسلام التي تحجّون إليها كلّ سنة عدا العمرات وتضخّون أموالكم في خزائنها، أليست هي من أوّل وأكبر الدّاعمين لدولة إسرائيل؟ لماذا لا تقاطعونها ولماذا لا تقاطعون الحجّ فتحتفظون بأموالكم وتتجنّبون أن يدعم به السعوديون إسرائيل؟ ألستم بحجّكم وعمراتكم مساهمين رئيسيّين وأساسيّين في دعم إسرائيل؟ أليست معظم الشّركات العالمية الكبرى لها علاقات مع إسرائيل، هذا إذا لم تكن لها فروع تعمل داخل حدود ما تسمّونه "الكيان الصهيوني"؟ قاطعوا العالم كلّه وأرونا مبادئكم، هذا إذا كانت لديكم مبادئ أصلًا. وحتى ما تفعله "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (المعروفة بالاختصار BDS) نفاق لا يختلف عن نفاقكم، وعملها إنتقائي ولا جدوى منه البتة... ولا تقولوا: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، فأنتم مثل هذه "الحرة" لا تأكلون بأثدائكم إلّا في الخفاء وتحت الطّاولة وفي الظلام، ثمّ تخرجون وأنتم تفتخرون كذبا وزورا بالأخلاق الرّفيعة والشّرف ثمّ تنصّبون أنفسكم أوصياء على الآخرين...
.
أتوقّف عند هذا الحدّ، ونلتقي في حلقة جديدة من مسلسل الأمراض العقليّة العربية والإسلامية.
.
------------------------
الهوامش:
1.. رابط مقال "الدكتورة الراقصة المفصولة من جامعة مصرية تثير الجدل من جديد (صورة)" على موقع "روسيا اليوم":
http://turboagram.com/BpbE
2.. رابط مقال "العلاقات الإسرائيلية المصرية" على موسوعة "ويكيبيديا":
http://turboagram.com/BpzJ
3.. رابط مقالي "إلى قاسم كافي: شيء جميل أن تزُور إسرائيل، والتّطبيع ليس جريمة لتعتذر عنه أو تتملّص منه..." على الحوار المتمدّن":
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=588155
4.. مدوّنات الكاتب مالك بارودي:
http://ahewar.over-blog.com
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
5.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
https://archive.org/details/Islamic_myths
https://www.academia.edu/33820630/Malek_Baroudi_-_Islamic_Myths
6.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/malekbaroudix








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فضح الأضاليل التخريفية العروبية
محمد بن زكري ( 2018 / 12 / 7 - 15:29 )
بصرف النظر عن كون إسرائيل ، دولة وظيفية إقليمية ، في نظام العولمة الراسمالية ، و كونها دولة احتلال لأجزاء من إقليم مشروع الدولة الفلسطينية ، سواء ذلك المحدد في قرار التقسيم (و الذي تعمدوا ان يسموه دولة عربية) ، ام ذلك الذي قبلت به منظمة (التحرير) الفلسطينية .. في اتفاقية أوسلو ؛ فالمقال يفضح تهافت و نفاق النظام الرسمي العربي ، و يعريه من ورقة التين الجافة و المهترئة ، التي يتستر بها في بروبغندا جامعة الدول المسماة عربية ، ذلك انها جميعا قد اعترفت رسميا باسرائيل ، في قمة بيروت سنة 2002 ، و جميعها تقيم صلات بإسرائيل ، باتت تخرج من السر الى العلانية . أما من زاوية تناول الكاتب للموضوع ، فإن العروبيين و المعربين و المستعربين ، المنتزعين من جذورهم الامازيغية .. في شمال أفريقيا ، لا يملكون أن ينفوا معلومة واحدة مما اورده الكاتب في هذا المقال ، فكل ما ذكره الكاتب هي حقائق ماثلة على الأرض و لا سبيل إلى إنكارها ، و هي حقائق تتحداهم بترسخها يوما بيوم و ساعة بساعة في الواقع . لكنهم لا يملكون شجاعة و لا شرف الاعتراف بالواقع . و سيظلون ظاهرة صوتية جوفاء و سيوفا من الورق المقوى .

اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة