الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظريف والشهم والطماع

إياد الغفري

2018 / 12 / 9
الادب والفن


في مطلع السبعينات أخرج نور الدمرداش الفيلم المذكور ببطولة ناديا لطفي، أحمد مظهر وأمين الهنيدي
القصة تتكلم كعادة أفلام الفترة عن مشكلة السكن في مدينة سياحية خلال موسم الاصطياف، وعن فتاة تتخلص من خطيبها الحيسوب لصالح الصعيدي الشهم الذي يسوقه القدر والظريف أمين الهنيدي، ليكون مستأجراً عندها.
تتصاعد الأحداث إلى أن تصل ناديا لطفي لقناعة ترك خطيبها الطماع، ولتقع في غرام الصعيدي الشهم....
كالعادة، تتوالى الأحداث وتتعقد عندما ترتكب جريمة قتل في شقة مجاورة لشقة ناديا لطفي وتشير أصابع الاتهام للشهم أحمد مظهر الذي سيكون قدره السجن والإعدام.
في الدقيقة 109:40
من فترة الفيلم 115:40
يدخل المخرج بحيلة رائعة مستمدة من المسرح اليوناني ومن تقنية الإله من الآلة
Deus Ex Machina

يدخل الشرطي لمكتب المحقق ويعلن أنه تم القبض على السارق والقاتل.
****
يدخل محمود المليجي الذي لم يرد اسمه في قائمة الممثلين ولا حتى كضيف شرف...
موسيقى تصويرية كضربات القَدَّر... ينظر يمنة ويسرة وللكاميرا
فيقول له المحقق: أنت برضه....؟
ويخاطبه الهنيدي ببحته الشهيرة: هو أنت مافيش جريمة في الدنيا تحصل... إلا ما تكون أنت اللي عاملها؟
ينقل المليجي نظراته الإجرامية بين المحقق والهنيدي عدة مرات...
فيترتعش الهنيدي ويقول: معليهش والنبي يا عم.
يتقدم المليجي خطوتين نحو الكاميرا
ويقول: مظلوم يا عالم وهو يبحلق بالكاميرا بعينيه الجاحظتين.
لا يستغرق المشهد الذي تحل فيه العقدة إلا ثلاثين ثانية بالعدد وجملة المليجي اليتيمة.
إن كان هناك ممثل يستحق الأوسكار فهو المليجي الذي بجملته وببحلقة واحدة، حل مشكلة فيلم تكلف أموالاً طائلة، ينقذ الكادر كله والمخرج والمنتج ويرفع الظلم عن الشهم...
هذا لأنه قَبِل بدور الشرير وقَبِل أن يكون المسؤول عن كافة الجرائم...
لكن جملته اللعينة "مظلوم يا عالم" تدوي في رأسي منذ أيام.
****
****
****
أتخيل المعالجات التي تناولت نيرون الذي أحرق روما لبناء مدينة أنقى وأفضل،
أذكر أنه قبل فترة.... أصر باحث مصري على أن ريا وسكينة لسن مجرمات، بل هن من أبطال مناهضة الاحتلال البريطاني لمصر وأن الجثث التي وجدت في قبو منزلهما كانت لجنود من جيش الاحتلال استدرجتهن المناضلتان ضمن خطة محكمة لبث الرعب في قلوب جنود الاستعمار.
بغض النظر عن ريا ونيرون وسكينة؛ لا يوجد في التاريخ شخصيات ليست بخلافية.
صلاح الدين الذي تجرأ البعض على الدعس على سروال قدسيته مؤخراً هو شخصية خلافية.... كذلك هو ابن تيمية، الحجاج، خالد بن الوليد.... عدوا ولا حرج.
التاريخ هو سرد للأحداث من وجهة نظر لم ولن تكن يوماً حيادية،
عندما نتناول شخصية من التراث بالنقد... تنهال السهام بأننا اعتمدنا مصادر الشيعة الملاعين...
صديق لي أطنب في تناولي لتاريخ القرن الأول للهجرة، للنقد الخفي للأمويين... كان يهز برأسه كالحردون ويقول بلهجته العراقية: "عفي عليك"... لم يتوقف عن مدحي إلا عندما أصاب سهم طائش شيعة آل البيت... توقف عن الاستماع بعد أن دحض مصادري على أنها روايات النواصب.
****
لا يوجد حقائق في التاريخ، هناك قراءات مرحلية لأحداث... قراءات مبنية على الظرف المحيط وعلى توجه صاحبها، وعلى ذائقة متلقيها.
سلوبودان الذي تجرع السم في محكمة العدل الدولية صرخ نفس صرخة محمود المليجي... مر عام على وفاته ولم يبحث أحد في براءة أو إدانة... الأمر لا يهم.... سلوبودان مات.
****
نيرون أحرق روما، لكنه لم يحرق مؤرخيها، شعراؤها... وللأسف لم يحرق نخبها...
سوريا احترقت، وللأسف لم يحترق من النخب إلا القلة التي اتسمت بالشهامة، بينما بقي الأنذال والطماعون يبحرون في منابر يحسبونها ثقافية وينزون فيها قيئهم مقالات ودراسات وأبحاث. –لا نعني بهذا القيء المقالة الألمعية "عن القدرية والإرادوية" ولا الدراسة التي كتبت للرد عليها، ولا النص الذي استدعى كتابة الدراسة في الأساس، لأن القيء وأيم الله يسمو على المذي-
****
نحتاج دوماً للشرطي الذي يدخل على المحقق ليعلن القبض على القاتل الحقيقي، نحن على أتم الاستعداد للعب دور القاضي وليس دور المحقق... هذه الحيلة، الإله من الآلة... هي ما لعبته الآلهة لتبرئة أرواحنا من الخطيئة، فالمسيح صلب ليفدينا والكبش ذبح ليفدي جدنا، ونوح جاء لينقذ أجدادنا من الطوفان....
دوماً هناك حيلة الإله من الآلة التي يمكن لها تهدئة عجاج ما بعد الكوارث.
العدالة الانتقالية تحتاج لبُعدٍ آخر... بُعدٌ لم تعرفه البشرية بَعد،
ربما كان تقليد الهاركيري الياباني هو الأقرب لما نحتاجه، يقوم محارب الساموراي ببقر بطنه بسكينه، يخرج أمعاؤه بينما ينتظر أخلص أصدقائه بسيفه اللحظة التي يقطع بها رأسه....
المفهوم الذي يقود محارب الساموراي للانتحار يسمى "الشرف"، لو كان هذا المفهوم متوفراً لدينا... فكم من الرؤوس سيتدحرج على خارطة هذا الوطن اللعين؟
لا أظن الكثير...
لأنه سيندر وجود المخلصين من حملة السيف، وسيطغى على المشهد الجاثون على الأرض يستخرجون أمعائهم.... وطن مليء بالأمعاء، والدماء،
قيء الشعراء سيكون وطننا... أو ربما كان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ


.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ




.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال