الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسد بين الامل و الرجاء

بشير الذكواني

2018 / 12 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجسد بين الأمل و الرجاء
(بين المقدس و المباح)

ما الذي يعيش داخل كل حكاية؟كيف يسرد الإنسان ذاته على نحو معين ؟ما الشرط الذي لابد أن يتوفر حتى أكتب حكايتي و أروي هويتي السردية ؟
كل كتابة مهما أختلف شكلها هي ترجمة لكل انفعالات الكاتب -القارئ .فالكاتب الجيد هو مترجم جيد للأحاسيس هو ما يجعل نصه يبرز لنا من الخفاء إلى الانكشاف يعري الحقيقة و يسردها على أنحاء مختلفة, ليس المهم أن تكون الحقيقة تطابق الكلمات مع الأشياء أو الموضوعات مع المفاهيم بل إن كل سردية حسب بول ريكور تبحث عن معنى جديد للذات و هوية جديدة تتشكل من خلال السرد و لكن كل سردية لابد أن تمر بالجسد و من خلاله و عبره فكل حكاية أرويها عن نفسي هي ملاصقة لي بكل حميمية .
فماذا يعني أن يسرد جسدي هويتي ؟ كيف أكتب بجسدي و على جسدي ؟
منذ الإغريق القدامى يعتبر الجسد مقدسا,فبأي معنى يكون الجسد مقدس ؟هو مقدس لأنه سيضل سرا مخفي فلا أحد فينا يعلم مستطاع الجسد و كل مخفي و غامض غالبا ما يثير دهشتنا و يحدث رجة داخل أرواحنا تهز ركائزها و كذلك مقدس لأنه يدخلنا في ضرب من التجلي الروحي و الانكشاف أمام الآلهة,فتجربة العراء عند الإغريق هي تقرب من الآلهة لان أقصى درجات الحرية كما قيل "يجب أن يكون الجسد العاري الخاص بك ينتمي فقط إلى أولئك الذين يقعون مع الروح المجردة ", تجربة العراء أو بعبارة ميرلوبونتي "اللحم الحي " تحيلنا على الجنس و المقدس لبول ريكور فالجنس أيضا هو سردية و ترجمة لرغبات النفس لكن حسب ريكور يبقى الجنس في دائرة الغامض و الصامت لأنه عملية تأويلية ولكنها من دون لغة تتم في أفق الصمت .
كيف يصمت الجسد و يكتفي عن التكلم معنا و قول الأشياء لنا أو متى يتوقف الجسد عن سرد حكايته ؟
يشير ميشال فوكو في كتابه تاريخ الجنسانية إلى أن الجنس باعتباره الخاصية المميزة للجسد كان يمارس في الخفاء و في الصمت بل حتى أنه يمنع الحديث عنه و ذلك لارتباطه في الفترة الفيكتورية بمفهوم الضمير المثقل بالخطيئة فهو محكم بسلطة المراقبة و المعاقبة خاصة الدين الذي لا يمكن أن يتمثل الجنس خارج مؤسسة الزواج, حتى أن الكهنة و رجال الدين يمتنعون عن الجنس تحت أسم التعفف و علوية النفس عن الجسد و أن الجسد يمثل الكون و الفساد و هو ينتمي إلى العالم المحسوس.
الغريب في الأمر هو أن الجسد لا يصمت حتى إذا ما تم قمعه فهو يتكلم في كل الحالات معلنا وجوده. حتى في عدم حركته و حتى في موته يبقى جسدا رامزا .فعلى حد عبارة ميرلوبونتي "أنا جسدي " و "جسدي لغة على العالم" فأول ملامسة لي مع العالم كانت من خلاله و لكن ما يدعونا إلى التساؤل هنا هو هل أنا حر في طريقة استعمال جسدي؟ هل جسدي وسيلة لتحقيق الأمل أم الرجاء أو لنقل لتحقيق المستقبل أم الآخرة؟
نجد في التقليد المسيحي وسيلة تسمى جلد الذات للتكفير عن الذنوب يتعرض الجسد خلالها لضرب من قبل صاحبه حتى يسدد دينه للإله و يكفر عن خطاياه كذلك نعثر في سرديات الإسلام و اليهودية عن أحداث لرجم أو للجلد تطبق على من تعدو "حدود الله" حتى تصورنا للآخرة نحن نسمع حكايات عن شوي للجلود و احتراق للحوح و يصور لنا مشهد القيامة عن عذاب الجنات تجرهم الزبانية في سلاسل تقيد أجسادهم .ان التساؤل الذي يحرجنا هنا لماذا يكفر الجسد عن خطايا النفس ؟
المريب في الأمر كيف يتحول الجسد من مقدس إلى تقنية رجاء بمعنى ما نشهده من عمليات إرهابية حيث يقدم إرهابي على تفجير نفسه إلى أشلاء رجاء في حياة ميتافيزيقية أخرى,فعلا أنه لا من المرعب أن نفجر أجسادنا بطريقة لا اسانوية,فالمفجر هو لا يفجر جسده فقط أي باعتباره حيز خاص به بل هو في الحقيقة يفجر كل القيم الإنسانية,هو يفجر كل إمكانية لكتابة سردية ما و لبناء إنسان ما .فالمفجر إذا يخرج من حيز الأمل و يدخل الرجاء و لكن في المقابل الفن يستطيع أن يعدنا بالمستقبل لان الفن هو لغة يتكلمها الإنسان بجسده و حواسه و ألانفعالاته فكما يقول مارتن هيدغر "اللغة ملجأ الكينونة و الشعراء و المفكرين هم حراس هذا الملجأ".
بشير الذكواني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل