الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا والبابا شنودة ... قصة وطن

إسماعيل حسني

2018 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في 2010 دعاني أحد الأصدقاء المسيحيين العلمانيين إلى حضور أحد اللقاءات التي كان يجريها البابا شنودة مع الكتاب والمثقفين المصريين ، إذ كانت مقالاتي الإسبوعية في مجلة روزاليوسف والمتخصصة في كشف خزعبلات ومخططات جماعات الإسلام السياسي تلفت حينها الأنظار (قبل أن أُمنع مع غيري من الكتاب من الكتابة في الصحف بعد ثورة يناير لموقفنا المعارض لتحالف المجلس العسكري مع الإخوان ضد الثورة) إلى جانب اهتمامي المعروف بالشأن القبطي منذ مشاركتي في تأسيس مجموعة مصريون ضد التمييز الديني ومؤتمراتها.
ولما كان صديقي يعرف أن مشاعري تجاه البابا شنودة تتراوح بين معارضة سلفيته وسياساته والتقدير والإكبار لمواقفه الوطنية فقد طلب مني كلمة شرف أن أستمع فقط لحديث البابا وألا أطلب الكلمة حتى لا أُفسد علاقته بالكنيسة ، وطال نقاشنا حول هذا وانتهى باعتذاري عن قبول الدعوة ، على أمل في لقاء آخر أستطيع أن أتحدث فيه بحرية وصراحة مع البابا وهو ما لم يتحقق نظرا لإقامتي وقتها بالخارج حتى فارق البابا شنودة الحياة وأصبح في رحاب ربه.
نعم كنت ومازلت كمواطن مصري ليبرالي أكره سياسات البايا شنودة في الإستبداد والإنفراد بالكنيسة وتهميش المجلس الملي الذي لعب الدور الأكبر في عزل البابا الفاسد يوساب الثاني والذي كان يستطيع بعناصر علمانية حداثية نشطة وبالتعاون مع سائر القوى الوطنية أن يشارك في قيادة التغيير ومنع أسلمة الوطن ، ولقد تأكد ظني حين لم يجدد البابا ولاية المجلس المهمش في 2011.
كما كنت حقوقيا رافضا توجه البابا السلفي في إلغاء لائحة 38 التي شارك في وضعها أستاذه حبيب جرجس مؤسس مدارس الأحد وغيره من كبار المفكرين والكهنة الأقباط والتي تجعل من المسيحيين بشرا طبيعيين في زواجهم وتتيح لهم 9 أسباب للطلاق وقراره بقصر الطلاق على علة الزنا إعمالا للحرف وليس للمقصد الشرعي ، وما تمخض عن ذلك من مآسٍ لعشرات الآلاف من الأسر المصرية التي تعيش في بيوت من بغض وكراهية وخيانات وعنف وتنتج للمجتمع أطفالا غير أسوياء.
هذا إلى جانب موقفه من الراهب متى المسكين الذي كان على الرغم من شطحاته اللاهوتية وتأليهه للبشر ذو رؤية متفوقة لدور الكنيسة الروحي في المجتمع ، وكان تفاهم البابا شنودة معه يمكن أن يعود بالخير الكثير على الكنيسة والوطن.
وأخيرا ، وربما ليس آخرا لتوسع البابا شنودة في تضخيم دور الكنيسة الإجتماعي وتعيين مئات الأساقفة والرهبان بشكل غير مسبوق في التاريخ وذلك لموقف ليبرالي من الرهبنة كنظام معاد للطبيعة الإنسانية (وهو ما اعترف به البابا شنودة نفسه في أحد أحاديثه بأن عدد كبير من الرهبان ينتهي بهم الحال في مصحات نفسية) مما أدى إلى نشر النزعة السلفية بين الأقباط وعزلهم عن المجتمع داخل الكنيسة والأديرة ، وافتقاد العمل الوطني لجهدهم باعتبارهم كأقلية من أكثر الفئات المستفيدة من التغيير ومن إقامة دولة مدنية حديثة.
إلا إنني في ذات الوقت كنت أتابع بالكثير من التقدير والإكبار مواقف البابا شنودة الوطنية المقاومة لفاشية للدولة الساداتية من أسلمة المجتمع والإنبطاح لإسرائيل والإنفراد باتخاذ القرارات المصيرية بمعزل عن الإرادة الشعبية ، والتي دفعت البابا شنودة دفعا إلى لعب أدوارا سياسية لا يجدر بمرشد ديني القيام بها ، ونتج عن ذلك تقديري واحترامي الكبيرين للمواطن المصري لنظير جيد رغم استيائي منه كرئيس للكنيسة المصرية.
فلو وضعت نفسي في مكان البابا شنودة في حادثة الخانكة لما كنت أقبل أن تؤيد أجهزة الأمن منع الصلاة في جمعية الكتاب المقدس ولكنت أرسلت ألف كاهنا لإقامة القداس غير مباليا بغضب الدولة المتأسلمة ، وهو ما فعله البابا شنودة.
ولو كنت مكان البابا شنودة لما قبلت الإساءات التي تصدر من المساجد ، وتحرش الجماعات الإسلامية المتزايد وقتها بالشعب القبطي وكنت أوعزت لأقباط المهجر بالتظاهر ضد السادات في أمريكا ، وليس حشدهم في باصات لتأييده ، وهو ما فعله البابا شنودة.
ولو كنت مكان البابا شنودة حين منعه السادات من إلقاء عظته الإسبوعية عقابا له على موقف أقباط المهجر لكنت أمرت بإلغاء الإحتفال بالعيد ، وبعدم استقبال رجال الدولة لتقديم التهاني ، وهو ما فعله البابا شنودة.
ولو كنت مكان البابا شنودة لرفضت صحبة السادات في زيارة دولة إسرائيل العنصرية المغتصبة منعا لاتهام شعبي بالخيانة ، ولو غضب السادات مني ، وهو ما فعله البابا شنودة.
ولو كنت مكان البابا شنودة لم أكن لأعمل في خدمة دولة ظالمة ، وما كنت لأدفع شعبي للهتاف والتهليل لها في ظل سياسات تغضب الأغلبية الساحقة من الناس ، وهو ما لم يفعله البابا شنودة.
نعم لا يجدر بالبابا أن يلعب دورا سياسيا أو اجتماعيا ، ولكن اتجاه الدولة إلى الأسلمة ، وإلى اعتبار الأقباط مواطنين درجة ثانية أو أهل ذمة ، وإلى الإنبطاح أمام إسرائيل هو ما أعاد السياسي القديم في البابا شنودة إلى الحياة ودفعه إلى اتخاذ مواقف سياسية فرضت عليه ، إلا أنه قد تمادى فيها وفي تعظيم دور الكنيسة وعزل الأقباط بداخلها فساعد بذلك السادات على تحقيق هدف الأسلمة والسعودة.
هذه قصتي مع البابا شنودة ، معارضة لسلفيته وسياساته وتقديرا واحتراما لشخصه ومواقفه في حماية شعبه ووطنه ، أضعها بأكبر قدر ممكن من الصدق والموضوعية أمام القراء الأعزاء ، علنا نخرج منها بفكرة أو عبرة أو حوار يفيدنا في فهم واقعنا ، وفي نصح قيادات الكنيسة والوطن.
ولا تنسونا من خالص الدعاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah