الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (9)

كريم عزيزي

2018 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حقيقة ما يجري في بلدك تستطيع أن تعثر عليها وتكتشفها عبر كل الفاعلين في مجالات الثقافة والسياسة، هذه الحقيقة ستجمعها كالبازل لأن (كل) من ستسمع لهم لا ولن يستطيعوا قولها لأسباب عديدة أهمها سببان: هناك من يجهلها وهناك من يعرفها لكنه لن يستطيع قولها. دعني أبسط لك المسألة ولنأخذ الإسلام كمثال، تستطيع الوصول إلى حقيقته من المسلمين أنفسهم أو ممن "يظهرون" لك كمسلمين، فرق المسلمين كثيرة ومنظروها أيضا كثيرون وستتعب كثيرا إذا بحثت عندهم لكنك ستصل إلى الحقيقة فمثلا اسلكْ معي هذا الطريق:

تتتبّع أقوال أحد تجار الإعجاز فيقودك إلى اكتشاف أن القرآن نقل معارف البدو الضحلة في زمانهم وتكتشف أخطاءه الكثيرة، ثم تمضي بعض الوقت مع القرآنيين لتكتشف مخازي متون الأحاديث وسندها ولتكتشف المشاكل الكثيرة في عملية التدوين، ثم تلقي نظرة على الفرق الإسلامية وبعد أن تزيل عن عينيك غشاوة/ بهرج الكلام "الكبير" كـ "فلسفة إسلامية" و "علم كلام" و "تصوف" و "عرفان" تكتشف أن الأصل سياسة في سياسة ولا المعتزلة "عقلاء" ولا هم يحزنون بل الجميع سواسية ومن نفس الخرافة والأوهام انطلقوا وعن نفس البداوة والبدائية دافعوا. في الأثناء تلقي نظرة على دعاة المسيحية لتجد نفس الأسطوانة ونفس ما حدث مع الإسلام تقريبا، والشكوك هي هي حول شخصية المؤسِّس والنصوص والفرق والتاريخ الغامض -الذي يظهر لك فيه بجلاء قطع الرؤوس واغتصاب الأراضي والشعوب- وكل يدّعي أنه الوحيد الذي وكّله الإله المزعوم وغيره لم يفهم "صحيح الدين" واتبع خطى الشيطان، ونفس القصة متواصلة إلى اليوم، لتكتشف السؤال المحوري الذي لن يجيبك عنه أي دين وأي متدين وإن كان يعبد فأرا: "من يمثل الدين؟"!

يجيبك جميعهم أن لا أحد يمثل الدين اليوم ولم يمثله أحد في الماضي، لأنك عندما تعود إلى الشخصية الأولى أو المؤسِّسة للدين وتسأل عن مخازيها المدونة في كتبهم، يجيبونك بصناعة شخصية أخرى غير تلك الموجودة في تلك الكتب أي -وكما أسلفت- حتى الشخصية الأولى/ المحورية في الدين لا تمثل ذلك الدين! لتكتشف أن الدين صناعة بشرية بدأت قديما وهي متواصلة إلى اليوم، يتطور مع تطور العقل الإنساني ومصالحه والبيئة التي يعيش فيها؛ فمثلا مسيح اليوم أصبح يحب المثليين وبولص اليوم أصبح لا يغضب من تعليم النساء في الكنائس أما موسى ومحمد اليوم فقد أصبحا يحملان الورود بدلا عن السيوف وهذا عكس ما يقال عنهم في الكتب المنسوبة إليهم، إضافة إلى أنه يوجد شكوك حول تاريخية تلك الأسماء ووجودها أصلا، والتي أنا شخصيا أقول عنها أنها شخصيات صنعها من جاؤوا بعد التاريخ المزعوم لوجودها؛ وقولي هذا لا قيمة له حتى لو أسنده مليون دليل، لأن تلك الشخصيات وجودها "إيمان" عند أتباعها والإيمان تصديق أعمى دون دليل؛ أراها تخص الأكاديميين لا المؤمنين لأنك بعد أن تكتشف حقيقة الإسلام مثلا وتلقي في وجه المسلم مخازي محمد التي يشيب من هولها الولدان وتسأله: كيف يكون هذا البشر رسولا؟ وكيف تكون هذه رسالة إله؟ سيجيبك: "صلى الله عليه وسلم"! فلا تظنن أن قصة وجود محمد من عدمه ستعنيه.

وكتلخيص لمسيرتك بين هذه الأديان -والسوق يغلب عليها منتجان: الإسلام والمسيحية- دعنا نقول: كأنك مررت من مسلسل هندي إلى مسلسل تركي أو من طوم وجيري إلى ساسوكي وجامبو الجبار، وفي الآخر ستضع يدك على خدك وستلعن اليوم الذي بدأت فيه تك المسيرة قائلا: "اللعنة! هل يعقل أني أضعت كل هذه الأعوام من عمري أتتبّع هراء هؤلاء المعتوهين؟"، مع ملاحظة أنه من المفروض أن "سوقنا" فيها الإسلام فقط لكن المسيحية ستكون مزيتها أنها ستحملك إلى السنة صفر وربما ستواصل إلى ما قبلها.

سيساعدك ذلك على تجاوز مركزية جزيرة العرب والشرق ككل، والتي لا يزال يفرضها الإسلام وسدنته والعروبة وأعوانها وكأن العالم بأسره يدور حول تلك الرقعة من الأرض، والتي لا علاقة لنا بها إلا عبر الدين الذي خرج منها أي العلاقة فكرية/ أيديولوجية صرفة عكس ما يدّعيه العروبيون أن العلاقة علاقة أنساب وأعراق محاولين تصوير بلداننا وكأنها تشبه أستراليا مع الأوروبيون.

هذه النقطة مهمة جدا لمن أراد البحث في داخله عن شيء يُدعى "وطنية"، لأن هذه الوطنية تتعارض جملة وتفصيلا مع من يعيش في شمال افريقيا ويظن أن تاريخ بلده يبدأ مع محمد في جزيرة العرب ثم خلفاءه ومن جاء بعدهم، الوطنية تتعارض مع من يظن أن بوادر الفكر بدأت مع العباسيين وبروز "نجم" المعتزلة: حنابلة أو معتزلة كله واحد! والنتيجة كانت هي هي: أقوام غرباء عن أرضنا حملوا ثقافة صحراوية مختلفة عن ثقافتنا وعبرها استعمروا بلداننا ونهبوا خيراتنا وتاريخنا وشعوبنا ولا يزالون إلى اليوم!

الفكر الحقيقي يستحيل أن يؤسس للاستلاب الهوياتي وللتبعية للأجنبي بل يؤسس للوطنية الحقيقية التي حجرها الأساس أرضها: "الحقيقة المطلقة" الثابتة التي لا تتغير! كل شيء يتغير إلا الأرض! الدين لا يصنع الحضارات كما يُدّعى بل يستولي عليها، وكل نقطة مضيئة في تاريخ أي دين ستجد أنها تتعارض مع أصول ذلك الدين؛ "المتدينون" يصنعون الحضارة وينسبونها لأديانهم والحقيقة هي العكس تماما، لأن أولئك المحسوبين على الدين والذين صنعوا تلك الحضارة أغلبهم إن لم نقل كلهم كانوا يوصفون بالكفر والإلحاد والزندقة والخروج عن الملة.

لنتعلم من أجدادنا أصول الفكر الوطني الحقيقي، فهؤلاء المعتزلة الذين يُتشدق بهم إلى اليوم كانوا وعاظ السلطان/ الإمبراطور/ المحتل مثلهم مثل من سبقهم ومن لحقهم، كانوا منظري الحكم المركزي المستعمِر لأراضينا، ولا فرق بينهم وبين الحنابلة في الإرهاب والوحشية لأن اختلافاتهم كانت في الأصول وليس في الفروع أي الفريقان كانا متفقين على كل أبواب الفقه/ الشريعة الهمجية وكل مخازيها: معتزلي أو سني/ حنبلي سيان، النوعان مؤمنان بالخلافة وحاكمها العربي/ الشرقي وبالجهاد أي استعمار الآخرين واستعبادهم ونهبهم ومن هؤلاء الآخرين: أسلافنا! شريعة الغاب هي هي وواصل بن عطاء وابن حنبل فيها وجهان لنفس العملة المزيفة، ولنا في المأمون الخليفة المعتزلي الذي أراد هدم الأهرام عبرة ولنقارنه بداعش المحسوبة على ابن تيمية "مجدّد" مذهب ابن حنبل لنستنتج أن الأصول هي نفسها منذ أن سمع العالم بالعرب ودينهم: الاستيلاء على كل ما أنتجه الغير باسم هذا الدين الإلهي المزعوم والحقيقة أن كل شيء لم يكن إلا ثقافة النهب والسلب لقبائل البدو.

فلنحذر إذن من كل من يبخس حق الخوارج والشيعة في تلك الأزمنة، لأن تبنّي أجدادنا للمذاهب الخارجية والشيعية كان أصله/ حقيقته الدفاع عن الوطن ضد المستعمِر المشرقي، فالدين كان ولا يزال وسيلةَ الحكم والأمر كان هو نفسه مع الاستعمار الروماني ومسيحيته. لنلاحظ أن أغلب شعوبنا اليوم سنة وذلك يفسر تبعيتنا للمشرق، ولو كنا خوارج لكانت أوضاعنا أحسن، وليتذكّر من نسي أن تكفير الإباضية في كل بلداننا بعد انتفاضات 2011 وما تلاه من أحداث عنف لم يكن في أصله إلا تبعية للخليج والشرق ككل وإن ظهر أنه "غزو المذهب الوهابي/ الحنبلي" لأراضينا: هل هو "غزو ديني" أم "غزو عروبي/ أجنبي"؟ هل هو إسلام أم عروبة؟ أم أن الإثنين واحد وإن قيل عنه وخُدع الناس بذلك الوصف "اللطيف": "فتنة طائفية"؟

الذي قيل يصعب على المسلم فهمه لأن عقله في سماء وهمية، ويظن أن القصة دين وصراع بين حزب الله وحزب الشيطان في حين أن حقيقته على الأرض تقول أنه نفس الصراع المتواصل منذ قرون: بين "حزب العرب" و "حزب أصحاب الأرض"، أتذكّر هنا كتاب:

((Sigrid Hunke)) ((Allahs Sonne über dem Abendland: unser arabisches Erbe)) = ((شمس الله تسطع على الغرب: تراثنا/ موروثنا العربي)) والذي تُرجم بـ ((شمس العرب تسطع على الغرب)) وهذا العنوان انتقده الكثيرون لأنه وضع "العرب" بدل "الله" وقيل عن مترجميه أنهم "قوميون عرب"، والحقيقة أن الترجمة وإن كانت ليست حرفية إلا أنها لم تخلّ بما عنته الكاتبة الألمانية والتي على حد علمي لم أر أن أحدا تكلم عنها، أقول أن العنوان أعطانا حقيقة التزييف الموجود في الغرب كما في الشرق، فالكاتبة كل شيء عندها عرب وعنوانها يقول "تراثنا العربي" وهو في نفس سياق ما يقوله الجميع شرقا وغربا كـ "حضارة عربية" "علماء عرب" "فلسفة عربية" أي أن كل شيء حدث في كل هذه الجغرافيا الشاسعة وكُتب باللغة العربية "عربي"! وهذه الأكذوبة لا تزال هي المعتمدة في الغرب رغم علم هذا الغرب بزيف ذلك الادعاء ومعرفته اليقينية بأن من صنعوا تلك الحضارة أغلبهم لم يكونوا عربا أصلا بل كانوا من كل القوميات التي وُجدت من الهند إلى تامزغا، وليلاحظ العقلاء أن هؤلاء الغربيين عندما يتكلمون عن بدايات نهضتهم ينسبون كتابهم وفلاسفتهم لبلدانهم ولقومياتهم ولا يقولون عنهم أنهم "لاتينيون" وإن كتبوا باللاتينية.

إذن العنوان بالعربي الذي اختاره المترجمون لا مأخذ عليه عندي، ليست ترجمة حرفية نعم لكنها ترجمة للمعنى الحقيقي الذي قصدته الكاتبة وبدقة وبلاغة عالية أستطيع أن أقول أنها لخّصت لنا الأكذوبة التي لا تزال تستعمرنا وهي وبكل بساطة: (الله=العرب) وكما يعلم العقلاء منكم فالإله هو أكبر الأوهام المدمِّرة التي صنعها البشر طوال تاريخهم، ومن المعادلة السابقة أقول أيضا أن العرب أكبر أكذوبة ووهم في تاريخنا، وليلاحظ هؤلاء العقلاء أيضا أن الغربيين يعرفون جيدا هذا الوهم لذلك يحرصون على دعمه وفرضه على شعوبنا والنتيجة أمام أعينكم: الجهل والتخلف والبداوة! فليت من سيتكلمون مستقبلا عن ترجمة الكتاب المذكور لا ينسون الكلام عن مؤلفته فمشكلتنا ليست مع العروبيين فقط بل مع أولياء نعمتهم الغربيين، وليتذكروا تلك النكتة السمجة التي يقولها عنا هؤلاء العروبيون هم وإخوانهم الإسلاميون: "نحن صناعة غربية وعملاء للغرب"!

أختم الحلقة التاسعة بساسوكي، رافق طفولتي ولا أزال أعشق أغنية الجنريك:
((قم ضع يدك بيدي
قم نحمي غدك وغدي
نفتدي أرضنا بالدماء نفتدي))
مع تحفظي على ((بالدماء)) [ومنه -ومن غيره- قولي أن العَلَمَ العثماني العروبي الإسلامي الحالي ليس وطنيا ويجب تغييره] لأن أي عنف سيعيدنا إلى نقطة البداية أي الإسلاميين والعروبيين، من يجهل ذاته يجب أن يُشبع بطنه قبل كل شيء ثم يُفتح عقله وبعد ذلك يُطلب منه التحرّك، المعضلة تبقى كيف سيُشبع بطنه والإسلاميون والعروبيون يُجوِّعونه بتزكية أسيادهم الشرقيين والغربيين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر