الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين البدوية والرأسمالية والشيوعية ضاعت شعوبنا (10)

كريم عزيزي

2018 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من خلال الحلقات المنشورة أردت تقديم "نفسي" للقارئ، والعنوان يعكس الفكر الذي أحمله: فالبدوية -وقصدي منها الإسلام والعروبية- مع الرأسمالية -وأقصد منها السياسة الاستعمارية الظالمة للغرب ولأعوانه في الداخل- والشيوعية -وأقصد منها الأيديولوجيا الماركسية/ اليسارية بكل نحلها في بلداننا- تشكل العوامل الثلاثة لتخلف شعوبنا، والتقاؤها وتصارعها على مسرح أحداث تاريخنا اليوم جعل منا شعوبا تابعة تبعية كلية؛ تبعية العبد للسيد وليست تبعية الشريك لشريكه كما هي تبعية فرنسا لأوروبا وتبعية أوروبا لأمريكا، أي تبعية ينطق من ذلها وعبوديتها الحجر والسبب يعود إلى غياب الشخصية الوطنية بالدرجة الأولى التي دُمّرت بالكامل من العوامل الثلاثة وأهمها بالطبع العامل الأول أي الإسلام والعروبية.

سأتكلم في هذا الجزء عن اللغة العربية لأترك الكلام عن الرأسمالية في جزء منفصل ولأتكلم في جزء أخير عن الأيديولوجيا الماركسية ودورها في تخلف شعوبنا بالرغم من ضعفها في شمالنا الأفريقي، إذن سأكتفي بـ 12 حلقة ثم سأمرّ بعدها إلى عناوين محددة تتناول مواضيع معيّنة حول الإله والدين وبقية الموضوعات المذكورة لكن الأساس فيها سيكون الانطلاق من أرضنا التي لا تزال تئن من عقوق أبنائها ولهثهم وراء الأيديولوجيات الأجنبية الغريبة عنها أولا والمدمِّرة لكل أمل في الرقي والانعتاق ثانيا.

أبدأ بنظرة بانوراميا يستطيع أن يراها كل واحد منا. روت الكتب العربية الإسلامية أن العرب أصلهم من اليمن نزحوا منها إلى الحجاز وفي الحجاز نشأ الإسلام ومنه خرج ليصل إلى شمال افريقيا ثم أوروبا، روت هذه الكتب أيضا أن العرب كانت عندهم لغات مختلفة حاول القرآن القضاء عليها وتوحيدها في لغة واحدة بعد أن وحّد القبائل العربية تحت راية إله واحد وقائد واحد: محمد/ قريش وعمل القرآن يمكن توصيفه بالذكي جدا لأنه حاول القضاء على أي اختلاف والذي يعني في الثقافة البدوية الفرقة والضعف لكنه يعكس غباء يتجاوز كل وصف إذ كيف يتصور أحد أنه سيستطيع القضاء على لغات أقوام مختلفين ودفنها إلى الأبد؟ والتاريخ يفند أطروحة القرآن ونحن إلى اليوم نرى الاختلاف في لغاتنا الوطنية بين بلداننا بل والاختلاف بين المنطقة والأخرى في نفس البلد وفي أحيان كثيرة تستعمل جهةٌ ألفاظا لا تعرفها منطقة أخرى أو تكون عندها ذات معاني مختلفة وقدحية/ عيب: أذكر مثال "من يقف في الصف"، حيث يُعبَّر في مناطق عن فلان الذي يقف في الصف بأنه "شَادّْ البَعْبُوصْ" لكن في مناطق أخرى ذلك الوصف قبيح جدا لأن عندها "البَعْبُوصْ" لا يعني "الصف" لكن "الذَّكَرْ".

لغة القرآن التي نقرأها اليوم ونقول أنها لغة عربية توجد شكوك كبيرة حول نشأتها وتطورها، ونفس الشكوك تخصّ الإسلام كدين وكيف نشأ وتطور بل وحول العرب أنفسهم وكيف أصبحوا جنسا وأمة؛ فكيف يكون من أسسوا الدين واللغة ووضعوا قواعدها أناسا غير عرب؟ والسؤال نفسه يتواصل منذ 14 قرن فكيف يكون أغلب "علماء" الإسلام وأهم من كتبوا باللغة العربية غير عرب؟

لنأخذ إنكلترا مثلا ولغتها الإنكليزية ولنقارن مع اللغة العربية، سنجد أن الفارق شاسع جدا فالإنكليز أصل اللغة الإنكليزية عندهم مساهمات كثيرة تخص اللاهوت والفلسفة والأدب والعلوم بأنواعها، طبعا سنجد مساهمات كثيرة لغير الإنكليز ممن يستعملون اللغة الإنكليزية كالأمريكان والأستراليين والكنديين لكن الإنكليز مساهماتهم موجودة ولا تخفى، والأمر يخص كل اللغات فمثلا من غير الوارد تخيّل كل العلماء والفلاسفة الذين كتبوا بالإسبانية من أمريكا اللاتينية ومن غير الوارد أيضا أن يكون الأعلام الذين أثّروا في تاريخ العلوم والفلسفة باللغة الفرنسية أفارقة ولا يوجد بينهم الفرنسيون أصحاب اللغة وأهلها.

ملاحظة أخرى حول استعمال اللغة بطلاقة، فينا من يتقن لغات أوروبية ويتكلمها بطلاقة لكن أن يصل أحدنا لطلاقة طفل فرنسي أو أمريكي أو إسباني فذلك صعب جدا، أما مع جزيرة العرب فنحن نتكلم بالعربية القرآنية أحسن منهم بالرغم من صعوبتها، ونسبةُ من يستطيع منا تكلم تلك العربية بطلاقة أكثر من جهابذتها في السعودية أكبر بكثير من نسبة من يتكلم منا لغة أوروبية بطلاقة أحسن من أهلها.

ملاحظة أخرى تخص الحروف، الفرق بين اللغة كتابة وكلاما شاسع جدا في اللغة العربية عكس اللغات الأوروبية، الإنكليزية المنطوقة لا تختلف كثيرا عن المكتوبة وهذه المنطوقة تستعمل كل حروف الأبجدية وأتصور أن ذلك يخص كل لغات الأرض، أقصد: عندي حرف معين في أبجدية اللغة، اللغة المستعملة/ المنطوقة تختلف عن اللغة المكتوبة لكن من غير المعقول أن المنطوقة لا تستعمل أصلا حرفا أو حروفا من الأبجدية. أتكلم عن حرف القاف وأسأل: أين هو في اللغة المنطوقة للخليجيين؟ حرف القاف حرف مركزي في اللغة العربية المكتوبة فكيف يعقل أن يغيب بالكلية في العربية التي يتكلم بها أهل اللغة ومصدرها؟ كلهم يستعملون حرف "ڤ" بدله، أقارن مع حرف "R" في الفرنسية والذين ينطقه أغلب الفرنسيين "آغ" لكن توجد نسبة قليلة منهم ينطقونه "آر" أي أنه لم ينقرض بالكلية في نطق الفرنسيين بخلاف حرف القاف عند العرب:

ألا أستطيع القول أن عربية القرآن غريبة حتى على العرب أنفسهم؟ ألا يكون مثال القاف/ "ڤ" دليلا على أن من وضع تلك اللغة القرآنية ومن طورها لم يكن لسانه من الجزيرة؟ وأقول هذا كاستنتاج منطقي من دون أن أكون على علم بما يقال عن أصول نبطية/ سريانية/ عبرية للغة القرآن؟ أي أنا أجهل كل شيء عن اللغة العربية وعن الإسلام وعن تاريخ تلك المنطقة وألاحظ وأستنتج استنتاجا منطقيا فقط، والمسألة هنا ليست ما أخذته لغة القرآن من كل اللغات الأخرى بل تخصّ حروفها التي تشكل كلماتها.

ما سر العداء الشديد الذي تحمله السعودية لليمن؟ أكيد أن القصة دين والدين سياسة، سنة يقاتلون زيدية يقول الدين الذي يخفي صراعا سعوديا إيرانيا والذي بدوره يتلحف بقناع صراع سني شيعي في إطار صراع عالمي على ثروات الشعوب، لكن هل كل ذلك يفسر تدمير بلد بالكامل؟ اليمن وقع إرجاعه آلاف السنين للخلف والوحشية التي تُستعمل ضد شعبه الفقير صعب جدا -بالنسبة لي على الأقل- أن يفسرها صراع ديني أو سياسي، ألا يكون هناك جانب هوياتي يا ترى؟ فاليمن مرت عليه "حضارات" أدلتها موجودة إلى اليوم عكس السعودية أين لا يوجد فيها أي شيء غير كعبتها ومسجد محمد واللذين شُيدا حديثا بأيادي غير سعودية وبأموال أخرجتها من الأرض أيادي غير سعودية -أقصد البترول-، ألا يشبه سلوك السعوديين مع اليمن سلوك داعش مع آثار العراق وسوريا؟ داعش تهدم آثار "الوثنيين" لكي لا يوجد في تلك الأرض شيء غير الإسلام وحضارته المزعومة، والسعودية تدمّر اليمن لتقضي على كل أثر لليمنيين ولتبقى وحدها حاملة لواء العروبة "المزعومة"؟ ألا يكون أولئك البدو الذين قطنوا الحجاز صنعوا عرقا مزيفا ادعوا أنه جاء من اليمن ثم عمّموه على شعوبنا بإسلامهم ولغة القرآن؟ ألا يستدعي العقول الحرة التوقف أمام كون كلمة "عرب" لم تكن تعني إطلاقا عرقا أو جنسا بشريا بل كانت تعني "صفة" قُصد بها السرقة والصعلكة والبداوة؟ ألا تكون أكبر أكذوبة عرفها التاريخ هي أكذوبة أمة العرب المزعومة؟ ألا يكون حال اليمنيين مثل حالنا تماما أي أنهم تبنّوا عرقا وهميا فرضه عليهم بدو الشمال ووقع تعريبهم بالإسلام ولغته التي يقال أنها "لغة عربية" وترى أغلب مثقفينا يدافعون عنها ويرونها "لغتنا القومية" و "لغة هويتنا الوطنية"؟

"التاريخ كتبه المنتصرون" قولة نرددها جميعنا، كلنا نعلم أنها "حقيقة" ترقى إلى مصاف الحقائق العلمية المثبتة تجريبيا لكننا نأخذ بها في كل ما يدعم الأوهام التي نسبح فيها فقط، عندما قلت في مقال سابق أن مشكلتنا الأولى ليست العلمانية بل تاريخنا المزيف وقلت أن أول مهام السلطة الوطنية الأولى التي ستوجد في المستقبل هي كتابة تاريخ وطني حقيقي فإني كنت أعي جيدا ما كتبت، لا مشاحنة حول إخراج الإسلام من الحياة السياسية والثقافية لنتقدم، لكن أن يزعم أغلب الفاعلين في بلداننا أن ذلك سيكفي لتطوير الهوية العربية وتحديث ثقافتها البدوية فذلك هو الهراء بعينه لأن هذه الهوية المفروضة على شعوبنا محل شك واتهام مثلها مثل الإسلام الذي ينادي أغلب هؤلاء بتحييده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا