الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القتلة..!

جلال محمد

2006 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالامس نقلت اخبار الاهل نبأ مقتل العم محمد " الشيعي" بثلاثة رصاصات " سنية" هشمت راسه. قالت الاخبار بان ذلك حدث في " دكانه" الملاصق لمنزله و امام مرأى ابنه الاصغر البالغ من العمر 13 ربيعا عراقيا داميا، نفذ ابنه باعجوبة حيث استأذن ابيه قبل لحظات من دخول مجاهدي الاسلام...! عليه ، ليلعب مع عدد من اصدقائه " السنة " و لم يلاحظه القتلة عندما نفذوا عمليتهم " الجهادية " .
قد يكون اسلوب تنفيذ عملية قتل العم محمد البالغ ستة و خمسون عاما ملفتا للنظر و قد يكون اسلوبا عاديا جدا ..! لكثرة تكرارها بحيث صارت اكثر من يومية في مختلف مدن و مناطق جنوب العراق ، فالحكم على هذه المسألة يعود الى مسائل كثيرة، من بينها الزاوية التي ينظر منها الانسان الى المذبحة القائمة على قدم و ساق في العراق..!
في وضح النهار توقفت سيارة بي ئيم مظللة امام دكان العم محمد، ترجل منها ثلاثة من الملثمين من ابطال المقاومة "السنية" الوطنية و الشريفة ..! ابتعد احدهم لغرض حماية الاخرين و تحسبا لاي طارئ و دخل الاخران عليه، دون اذن طبعا و دون ان ينبسا ببنت شفة شهر احدهما مسدسه و اطلق، باسم الله و الاسلام و الجهاد في سبيله....، رصاصاته المباركة..! على راس العم محمد فخر صريعا مضرجا بدمائه و عاد الثلاثة الى السيارة غير مسرعين ، بل على اقل من مهلهم، كما يقول اخواننا المصريون، و اختفوا عن الانظار.
وقائع حياة العم محمد تؤكد بانه لم يسكن بعقوبة بوصفه شيعيا، فهو لم يكن رجلا متزمتا ولم يصر على البقاء فيها تحديا "للمقاومة السنية"، اذ لم يكن منخرطا في "الجبهة الشيعية"، صحيح انه كان مسلما و شيعيا الا انه كان كذلك بالولادة فقط مثل الاكثرية الساحقة من اهل العراق.
ولد العم محمد "شيعيا" رغما عنه في احدى مدن جنوب العراق، توفى والده و هو في سن المراهقة فانتقلت رعاية الاسرة الى الاخ الاكبر في عائلته الذي كان قد تخرج توا من الجامعة ، اكمل الاعدادية و تخرج بعدها من احد معاهد بغداد، بعد تخرجه، بدأ معركة حياته الحقيقية مفتتحا اولى جولاتها بانخراطه الاجباري في الجيش لاداء خدمة العلم ..!! و الاحتياط التي كانت مدتها في العراق، بعكس كل العالم، اطول كثيرا من الخدمة الالزامية، وزج في حروب العراق المتلاحقة، و في فترة الاستراحة بين حربين تزوج و بمرور السنين انجب ستة اطفال اكبرهم معوق عقليا و البقية يعانون من نقص خطير في الشبكية، ساقته ظروف حياته الصعبة والنضال من اجل تامين لقمة العيش الى التجوال بين مدن جنوب العراق و بغداد و اخيرا استقربه المقام في بعقوبة " السنية " التي انتقل اليها لشدة تعلقه باخيه الاكبر الذي كان قد انتقل اليها قبله.
اثرت الاجواء الدينية و الفكرية العائلية المنفتحة التي تربى فيها العم محمد على تفكيره و سلوكه الاجتماعي و العائلي، ورغم انه لم يمارس العمل السياسي، الا انه كان رجلا منفتحا و مدنيا، كان عطوفا وذو احساس انساني مرهف فهو الذي كان يهتم بابنه المعاق بنفسه ، لم يفرض الحجاب على بناته ولم يمنعهن من ارتداء الملابس العصرية ، لم يحرمهن من التعليم؛ تخرجت احدى بناته من جامعة بغداد و الاخرى تركت كلية الصيدلة خوفا من فرق الموت، و لجان الامر بالمعروف و النهي عن المنكرالشيعية و السنية التي تصول و تجول في الجامعات كما في شوارع وازقة المدن العراقية بعد " تحريرها و في خضم التحولات الديمقراطية" التي تجري فيها.
عاش العم محمد سنواته الاخيرة في مدينة بعقوبة ذات الاكثرية " السنية" و الحقيقة انه لم يحسب لمسألة انتمائه الطائفي اي حساب لانها لم تتحول الى جزء من امور الحياة اليومية الا بعد سقوط الدكتاتور و اشتداد الصراع بين الكتل الدينية و المذهبية المختلفة على السلطة و النفوذ و عندما اشتدت وطأة الصراع الطائفي وباتت العصابات الدينية تصول و تجول ، تخطف، تقتل و تذبح بالجملة و المفرد و تتفنن في عملياتها الاجرامية عجز العم محمد عن ترك بعقوبة لانه اصبح صاحب عائلة كبيرة و معيلا لستة ابناء و بنات و كان قبل سنوات قد اشترى بيتا و دكانا و صار من الصعب عليه ترك كل ممتلكاته..! و الانتقال الى مدينة اخرى ليبدأ من الصفر، يضاف الى ذلك انه عول على علاقات الصداقة و الجيرة الواسعة التي كونها في "الطرف" والمناطق الاخرى من المدينة...عندما تلقى تهديده الاول قبل ستة اشهر لم يصدق ما يحدث ولم يأخذ الامر بجدية.... و امام اصرار عائلته و اقاربه في مدن العراق الاخرى و في الخارج كذلك، انتقل لوحده الى كركوك لمدة عشرة ايام فقط تبين له خلالها بان من المستحيل على عائلته الرحيل الى مدينة اخرى نظرا للصعوبات المادية التي سيواجهونها في هذه الازمة الخانقة و لذلك قفل راجعا الى اهله و سلم امره الى الله غير مصدق بان ابناء مدينته الذين يعرفون جيدا بانه لم يتدخل يوما في الشأن السياسي سيقدمون على قتله لمجرد كونه شيعيا...! ، لم يدم بقائه هناك طويلا حيث اوفى جندالله الاشاوس و محرروا ارض العراق من رجس الغزاة.... بوعدهم و قتلوا العم محمد و سجلوا بطولتهم تلك في سجل العمليات الناجحة و السهلة..!
صدمت عائلة العم محمد و اقاربه الموجودين في بعقوبة بمقتله ، و قرروا جميعا ترك المدينة "السنية" و لكن الى اين..؟ بعد مداولات و مناقشات طويلة استقروا على الرأي التالي : توجه جزء منهم الى مدينة النجف حيث نقل جثمان العم محمد ودفن فيها و جزء اخر الى الناصرية حيث اهل زوجته، اما القسم الثالث فتوجهوا الى كركوك حيث بعض من قرابتهم ...! كلفوا احد ابنائه بالعودة الى بعقوبة "خفية" " لتصفية ممتلكات" العائلة رغم كساد سوق العقارات و الاملاك....
فاتني ان اذكر بان من نقل الينا خبر الفاجعة اضاف: بان السيستاني الفقير جدا ...! قرر التبرع بمئة الف دولار لشراء خيم لاسكان الشيعة النازحين من سامراء في كربلاء و النجف وبان مخيمات النازحين السنة و الشيعة تتوسع و تكبر بسرعة كبيرة خلال هذه الايام في عدد كبير من مناطق العراق الوسطى و الجنوبية ..!! و اضاف بان سنة "الزبير" بداوا عملية هجرة واسعة لنفس السبب..!!
اذا كان كارل ماركس قد قال قبل اكثر من قرن و نصف بان " الدين هو افيون الشعوب" لانه يخدر عقول البشرويفسر بؤسهم الراهن باسباب الهية و يؤملهم بحياة سعيدة بعد الموت ويعرقل بالتالي توحدهم و نضالهم ضد الطبقات الحاكمة الراهنة فان من الاولى بنا ان ندرك الان ان تجربة العم محمد و الاف العمليات الجهادية ، السنية و الشيعية؛ ما مرت منها وما ستأتي والتي تحصد ارواح الابرياء تؤكد بان الدين قد تحول من افيون الى سلاح كيماوي قاتل بيد الدول و الانظمة و الحركات الرجعية لابادة الانسان و قتله بدم بارد و اذا سلمنا، جدلا، بان الاديان و من ضمنها الاسلام قد جاءت، في يوم ما ، لخدمة البشر و سعادته رغم انه لم يكن كذلك اطلاقا، فان تجربة العم محمد و ما يجري في العراق تؤكد بانه تحول اليوم الى اداة مباشرة و ذريعة فكرية و اخلاقية لممارسة اشرس ما تمر به الانسانية من توحش و بربرية. ولذلك فان المهمة المطروحة على البشرية المتمدنة ليس التخلي عن الاسلام ومذاهبه فحسب بل نبذه وارساله الى احد المتاحف القديمة بوصفه احد معالم العصور البربرية للانسان ؟ كيف يجب ان يقتل الانسان على مجرد انتمائه الاجباري لطائفة دينة..؟
هذه ليست امنية خيالية او حكما قسريا يصدر بدافع ذاتي، بالعكس انه، برأيي، مسار موضوعي للاسلام السياسي ذلك ان تصاعد عنف الطبقات و الحركات الرجعية ووصولها الى ذروة البربرية و التوحش انما تكشف عن تفسخها وسيرها الموضوعي نحو السقوط، ان اشتداد عنف الاسلام السياسي و تصاعد وتيرته انما يعني صعوده نحو الهاوية .

جلال محمد
13/ 4/ 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا