الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال لا أجد له جوابا: (اذكر قضية عربية واحدة عادت على شعبك بالخير؟)

كريم عزيزي

2018 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أطلب من كل من سيقرأ هذا المقال أن يعتبرني "على شفا حفرة من النار" أو "شخصا مقدما على الانتحار" أو "إنسانا تعرّض لحادث وحياته في خطر"، أطلب المساعدة ولنقل من جانب إنساني صرف، عندما تتصل بالنجدة للإبلاغ عن حادث منطلقك سيكون إنسانيا بالدرجة الأولى، عندما تكون طبيبا وترى امرأة فاجأها المخاض في غابة فإنك ستهب لمساعدتها حتى وإن كانت زوجة "الشيطان"؛ افعل معي ذلك عزيزي القارئ وأجب تساؤلاتي، سأنتظر ذلك علّي أفهم، فأنا لا أرى نفسي عبقريا لكني أيضا لا أرى نفسي أبلها، وغير معقول -منطقيا- أن يكون العالم الذي أعيش فيه كله عبقريا وأيضا كله أبلها.

ملاحظات بسيطة ولّدت حيرتي، أهمها ما يتعلق بالعروبة ويليها في الأهمية ما يتعلق بالإسلام، لاحظت أن كل الشعوب المحكومة بمنظومة العروبة إسلام متخلفة وكل حكامها لصوص، لاحظت أيضا أن الشعوب التي لا تحكمها العروبة حالها أحسن وإن كانت متخلفة هي أيضا كالآسيويين المسلمين. مع تركيا الأمور كانت جلية عندي، حيث قام أتاتورك بما يجب لتنهض أمته وليس ذلك عندي لأنه قام بالواجب مع الإسلام بل لقضائه على استعمال اللغة العربية ولقطعه كل صلة مع الثقافة العربية التي تحملها تلك اللغة، هل كانت تركيا ستنهض لو بقت تستعمل اللغة والحروف العربية؟ جوابي أن ذلك كان سيكون مستحيلا، والعلمانية التي فرضها أتاتورك بالقوة لم تكن لتؤثِّر ولتأتي بنتيجة، النهضة التركية انطلقت من ذاتها وبرغم أن الأتراك كانوا يتكلمون لغتهم إلا أن استعمال الحرف العربي رآه أتاتورك حجر عقبة أمام مستقبل أفضل، لذلك تزامن إبعاده للإسلام عن السياسة بالقضاء على الخلافة مع إبعاد كل ما هو عربي وكان ذلك عن يقين منه بأن لا خير سيأتي لتركيا من المشرق وقد نجح وصدقتْ كل تصوراته. تجربة تاريخية يمكن التأسي بها عندنا نحن من لا نزال نعيش عصر الخلافة وليس لنا لغة وطنية أصلا بل نستعمل اللغة العربية وتحكمنا الثقافة العربية، هل كلامي "عبقرية" أم "هبل"؟ العجب العجاب هنا موقف العروبيين في المغرب الذين طالبوا بأن تُكتب اللغة الأمازيغية بالحرف العربي! في محاولة منهم لتكبيلها وأسرها بعد أن فشلوا في القضاء عليها، أرادوا استعمال آخر كرت عندهم لتقييدها أي الحرف العربي مثلما وقع في هذا الفخ الإيرانيون والباكستانيون وأتعجب حقيقة كيف حدث ذلك معهم ولغاتهم أقدم من العربية بكثير وعندها حروفها الأصلية؟ لأن ذلك جعل من لغتهم "فرعا من أصل" كما اللغات الأوروبية الحديثة مع الحروف اللاتينية ولعل الإسلام كان السبب وراء قبولهم بتدوين لغاتهم بحرف أجنبي عليهم. أتاتورك الذي كان يعرف جيدا حقيقة الإسلام، فهم كيف يحرر شعبه من سطوة تاريخ بدوي وثقافة صحراوية يستحيل أن يُبنى عليها مستقبل أمة، ولذلك تقدّم شعبه برغم ما نراه اليوم من نكوص على يد الإسلاميين. وبالرغم من كل المجازر التي اقترفها سيظل أتاتورك زعيما وطنيا أبعد شعبه عن المشرق المتخلف وثقافته العربية وربطه بحاضنته الأوروبية بتأسيس اللبنات الأولى للعلمانية التركية وبحرف لاتيني لا عربي.

سؤال لا أجد له أي جواب إلى لحظة كتابة هذه السطور، طرحته في تعليق سابق وها أنا أعيد طرحه هنا لعلّ أحدا يجيبني: لماذا كل قضايا العروبة خاسرة ولم تعد قضية واحدة منها بالخير على شعوبنا؟ سأفترض أننا عرب وسأسأل نفس السؤال بطريقة أخرى: لنفترض أن عائلتي لم يأتني من كل أفرادها إلا المصائب، ألا يحق لي أن أتبرأ منها؟ أبي مثلا قتل عشرة أطفال وبعد اغتصابهم قطّعهم إربا إربا والأدلة على إدانته لا شك فيها، لنقل فيديوهات صوّرها هو بنفسه وفيها كل جرائمه بالصوت والصورة، أبي هذا لم أرَ منه إلا الإهانة والجوع في صغري وكان رافضا لتعليمي الذي وفّرتُ مصاريفه بنفسي، أبي هذا لم أسمع منه إلا السب والشتم والحقد على كل البشر ولا أزال إلى اليوم أحاول أن أتعافى من مخلفات التربية التي رباني عليها إلخ: هل يحق لي أن أتبرأ منه وأن أفكر في حياة كريمة بعيدة عنه وعن إجرامه؟ هذا وهو أبي، لكن ماذا لو اكتشفت أنه ليس أبي الحقيقي؟! أنا أتبرأ منه دون أي شك، لن أحاول زيادة متاعبه ولن أحقد عليه، لكني سأُعلن للعالم بأسره أن ذلك الإنسان لا يعنيني في شيء ولا تلزمني قضاياه ولست معنيا أصلا بالدفاع عنها، وأنت؟

ملاحظة لاحظتها في بلدي ولا أزال أتعجب، (الجميع) ينطلق من كوننا "عرب" دون أي مراجعة لذلك الزعم الكاذب، (كل) التيارات الفكرية والأحزاب السياسية كلها عن بكرة أبيها تنطلق من هوية أجنبية وتبني عليها، ولكم في الكتاب التونسيين في هذا الموقع خير دليل على كلامي؛ وسؤالي هنا: كيف يُتكلم عن علمانية واشتراكية تحت هوية أجنبية؟ كيف قبلت عقول كل هؤلاء أن ذلك وارد وممكن؟ وكيف لا يزالون لا يفهمون سبب عدم نجاح كل مشاريعهم مهما كان الفكر القائمة عليه؟ عندما أقول "هوية أجنبية" كلامي يشبه تماما حال شعب ما تحت الاستعمار، فهل يُعقل أن يُتكلم عن علمانية وديمقراطية واشتراكية وحقوق إنسان انطلاقا من قبول بقاء المستعمِر إلى الأبد؟ لنقارن مع الإسلام: هل يُعقل الكلام عما سبق والإسلام يحكم؟ أليست أول فكرة يجب الانطلاق منها هي إبعاد الإسلام؟ ألا يُشبه (كل) هؤلاء القابلين بهوية عربية حال من ينادي بكل المبادئ الجميلة لكنه يرفض رفضا قطعيا بند "الإسلام دين الدولة"؟ ومع هذا الأخير، لماذا نتساءل عن سر فشل كل مشاريعه وعدم استطاعته تجسيدها على الأرض؟ هكذا أرى (كل) الفاعلين السياسيين والمثقفين الذين عندنا: (كل) مشاريعكم أوهام في أوهام ولن تُحققوا منها أي شيء على الأرض لأن الأساس الذي تنطلقون منه باطل، الباطل زمن السيوف والرماح أنتج إمبراطوريات بدوية استعمارية لكنه لم يقدّم ذرة كرامة للشعوب، كانت امبراطوريات حكام لا شعوب، أما اليوم فقد ولّت عصور السيوف والخيل والبغال والحمير، لكن امبراطورية الوهم لا تزال معششة في عقول كل هؤلاء فإلى متى سيضيعون الوقت على شعوبنا؟ وإلى متى سيستمر الوهم العروبي الذين يعيشون فيه؟ وإلى متى سيُسخِّرون وقتهم وجهدهم لقضايا لا تعنينا في شيء ولم تعد علينا بأي خير؟ ومن عنده قضية واحدة عادت على شعبنا بالخير فليذكرها، وهو هدف هذا المقال الوجيز، أعيد مرة أخرى: أريد قضية واحدة (عربية) جاءنا منها خير؟ "واحدة" فقط!

غريب كيف لا يلاحظون كيف سَرقتْ منا هذه القضايا العربية الوهمية قضايانا الحقيقية، يقولك مثلا "اتحاد المغرب العربي"! أين هو ها الاتحاد؟ ولماذا لم يتحقق؟ وماذا ربحنا منه؟ ثم ألا ترى أنه مشروع مزيف سرق الحقيقة التي يجب أن نعمل على تحقيقها وهو اتحاد أمتنا الحقيقية أي الأمازيغية؟
يقولك "القضية الفلسطينية"! ماذا ربحنا من هذه القضية؟ عجيب جدا كيف يكذبون على البسطاء بخرافة التطبيع وأصحاب القضية أنفسهم هم أول المطبعين؟ لا أعلم من أمضى أوسلو؟ ومن يتقاضى أجوره من إسرائيل؟ ومن يتعامل يوميا مع إسرائيل على كل الأصعدة أنحن أم الفلسطينيون أنفسهم؟
والأعجب من هذا كله يقولك "وحدة عربية"! وحدة مع من يعني؟ مع السعودية وقطر والإمارات؟ أم مع اليمن وعمان والكويت؟ فلنتحد يا أخي! لكني ألا ترى أننا لن نربح من هؤلاء إلا المساجد والإرهاب والبداوة؟
أما مع بقية دول المشرق، فسؤالي هو هو: ماذا سنربح من العراق وسوريا؟ يلومون علينا تصديرنا لهم للقتلة والمجرمين ولا يرون أنها بضاعتهم رُدت إليهم، قوميتهم العربية الخرافية هي الأصل في ذهاب المغيبين منا لنصرة "إخوانهم العرب" هناك، لو قالوا الحقيقة ونبذوا هذه الخرافة لذهب إرهابيونا إلى النيجر ونيجيريا هذا إن وُجد عندنا إرهابيون أصلا ويستحيل ذلك لو لم نكن نسمع لقنواتهم المتخلفة الناطقة بالعربية والتي لم تزدنا إلا تجهيلا وتسميما للعقول ولكم في القنوات المصرية والعراقية والخليجية ومواضيعها "العظيمة" خير دليل على ما أقول، سأتعدى القنوات الدينية لأذهب إلى المسلسلات التي تأتينا من هناك والبرامج وغيرها: ألا ترون أن ما يأتينا يساهم في جذبنا إلى الخلف؟ ما شأننا نحن وحروب الشيعة والسنة؟ ما شأننا وتلك الاحتفالات البشعة الدموية في كربلاء؟ ما شأننا والحقد على المسيحيين القادم إلينا من مصر؟ ما شأننا ومسلسلات الأتراك المترجمة التي تأتينا من عندهم؟ ما شأننا والأزهر وصراع المصريين معه؟ ما شأننا وختان النساء الذي لم نعرفه لحظة في تاريخنا حتى في عصور الجهالة الإسلامية التي مرّت على بلداننا؟ بل سأقول ما شأننا وسيد القمني ونضاله ضد المغيبين من أبناء بلده؟ نعم ومليون نعم إذا استغربت، الرجل وطني يحاول إعادة الاعتبار لوطنه فما دخلي أنا؟ هل عاش البدو العبران وخرجوا من عندي -كما يزعمون في كتبهم الخرافية تلك-؟...

الأسئلة لا حصر لها، وأغلبها إن لم أقل كلها أدلة على أن المشرق برمته عبء ثقيل لا نرى منه إلا ما يبقينا في مزبلة الأمم، بل سأقول أنه "استعمار" بكل ما في الكلمة من معاني وليس مجرد "عبء"! الإسلام والعروبة كثير جدا علينا لنقبل بهما ونواصل تغيب عقولنا! نحن في الحضيض بسببهما وبسبب التبعية للمشرق لأننا لا نزال نستعمل لغة ليست لعتنا ولأننا لا نزال نرى أننا جئنا من هناك كما زعمت كل أيديولوجياتهم العنصرية الاستعمارية للإبقاء علينا إلى الأبد موالي لهم. أقول ودون أي حرج أن من يدّعي الوطنية هناك ومصلحة شعبه ووطنه فعليه أن يتجاوز الوهم العروبي، وأن لا ينسبنا نحن هنا إلى صحراء العرب إن قبل هو بها، وأنا لا أعلم حقيقة أي وطنية هذه التي ترضى بسحق أمم بكاملها ونسبتها زورا لكمشة بدو صحراء؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
كريم عزيزي ( 2018 / 12 / 28 - 21:58 )
في الفقرة الرابعة قيل ((لكنه يرفض رفضا قطعيا بند -الإسلام دين الدولة-؟)) : الصحيح لكنه يرفض رفضا قطعيا التنازل عن بند -الإسلام دين الدولة-؟

الغربي الذي تجاوز ثقافته الدينية عندما يبلغ 18 سنة يرى نفسه أصبح مسؤولا وعليه أخذ زمام أموره بيده دون حاجة لأحد، أما نحن فعمرنا سيبلغ 15 قرن ولازلنا لا نريد الإبتعاد عن أحضان آبائنا وأمهاتنا المزعومين، ونظن أننا سنتقدم!

لعل هذا الصوت المغرد خارج السرب يوقظ بعض العقول.


2 - هي قضيتك قبل أن تكون قضيتي
كريم عزيزي ( 2018 / 12 / 30 - 01:47 )
الأخت Essia Azouzi، قلتِ: ((انا انتشي بكتاباتك انها تفتح لي ابواب ما كنت ابصرها لكن ان اكون في صف الضعيف والمقهور وصاحب القضية حتى وان لم تكن بيننا صلة هو واجب انساني تحياتي))

هل تقصدين أني ((الضعيف والمقهور وصاحب القضية)) وأننا لا توجد ((بيننا صلة))؟ ووقوفك مع قضيتي هو ((واجب إنساني))؟ إذا كان ذلك قصدك فاعذري تطفلي على حسابكِ على الفيس، وفيه رأيت على الواجهة هذه الأسماء ((Bargou, Hencha, Safaqis, Tunisia)) لأسألك: من أين جاءت هذه الأسماء؟ ولأتذكر كيف جعل العروبيون من صفاقس عاصمة لثقافتهم العربية 2016 كما فعلوا مع غيرها كسيرتا التي يصرون على تسميتها بقسنطينة.

إذا كان فهمي صحيحا، فلتعلمي أن قضيتي هي قضيتكِ وقضية كل من يعيش اليوم فوق كل شبر من شمال افريقيا.

تحياتي وسلامي إلى الحنشة التي عندي فيها زملاء.

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان