الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في سبيل علمانيتنا الحقّة
زياد بوزيان
2018 / 12 / 29العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو سُئل أي مواطن عربي مسلم السؤال التالي : لماذا هم المسلمون متخلفون؟ حتما إذا كان المجاوب يحمل درجة علمية ما في علوم الإنسان و المجتمع أو علوم الطبيعة ، سيقول دون تريث أن ذلك راجع للهوة الشاسعة بين طرائق تفكيرهم وما يدعُون إليه و ما هو قابل للتطبيق بالفعل على أرض الواقع ، و لو كان يحملها في علوم الدين واللاهوت سيقول لك في وثوقية ، أنّ المسلمين تركوا دينهم وتعلمنوا لذلك أبدلهم المولى عزّ و جل مكانتهم الحقيقية ؛ مكانة عصور الازدهار و التسيّد بمكانة غيرهم من أعاجم الانحطاط والتخلف. وإذا كان المسئول أميا سيقول لك ؛ لأن المسلمين تركوا الصلاة و جرو وراء شهواتهم . و لو سئل ماركسيا شيوعيا عن المسلمين ضحك مستهزئا و رد قائلاﹰ : إن الماركسية الحقة هي الدين الحقيقي و خلاص هذا العالم ؛ بل إنما هي قنديله الذي لا ينطفئ هاديا و مبشرا و نذيرا لكن للأسف تعرّضت للتحريف. ولو سئل مسيحيا متمدنا معاصرا عن الرّب والروح القدس و موقفه من الإسلام وحالهم اليوم معه لرد لتوه : أما العقيدة فذهبت بها الرياح الجوائب ولم يبقى من تعاليمها المفيدة إلا صدى الأجيال الغابرة تعيدها إلى مسامعنا هياكل كنائس ما برحت تفشي التفاوت و الطبقية و تدخل غِلا إلى بلاد المسلمين ، جعلتهم يفقدون صوابهم فأصابهم ما أصابهم من ذهاب الرزق عنهم. ولو سألت بوذيا عن البوذية و رأيهم في أحوال المسلمين ، قال بسرعة أن تعاليم البوذية الحقة قد حُرِّفت وأقعدت على فراش المرض هيكلا بدون روح أو على أقل تقدير لم تعد ترى لأبعد من رجليها. و لو سألت يهوديا عن التوراة و الحقيقة قال لك : أن اليهودية الحقة أمل الشعب في الخلاص هي أسفار إله موسى الأربعة ، لأنها رفعت شعب اسرائيل إلى مملكة السماء ، ولم يرق لِأتباع مملكة الأرض الرُّقي إلى مملكة السماء فأعادوا نسخه نسخة تعيدهم إلى أرضيتهم هي "التلمود". و لو سألت عِلماني اليوم : لماذا العلمانيين في عصرنا صراعيون ماديون فوق اللّزوم ، منحلون أخلاقيا ليس لهم ضابط روحي يردعهم كأهل الشرق ، سيقول لك هو الآخر و فورا دون إمعان للنظر، لأن العلمانية الحقة قد حرّفت.
لعلّ هناك الكثيرون مثلي ممن نشأوا منذ سنوات صباهم الأولى ممعنين النظر إلى أخلاق بعينها ( تعلمناها في ظل الدولة الوطنية التي لا ترفع شعار العلمانية و لا شعار دولة الإسلامية ، لكنها قد ترفعه نفاقا عندما تجد مصلحة عليا في ذلك ) بعين المتشكك و المرتاب من واقع المعايشة اليومية ؛ كيف بأقنوم خارج لتوه من المسجد يقع في تلميذه الفقير بالضرب المبرح لأتفه الأسباب؟ لأنه اصطدم به خلال لعِبِه أو طالته منه إصابة طابة دون قصد ، و لا يفعل مع تلميذ آخر محسوب على عائلة غنية! كيف بمعلم مستنير بوهج العلم يُلقن روحه العلمية لتلاميذه في كل حين لكنه يُخرجهم من قاعة المدرسة إلى العراء؟ ـــ و ربما هم يراجعون دروسهم فيها حتى تحين ساعة الوحدة التالية ـــ كي يختلي مع خليلته المعلمة فيها! وكيف يقوم المواطن العلماني الذي حالته المادية جيدة بسرقة حديد بناء مسجد غير مكتمل البناء بحجة عدم توفره في السوق؟! و لماذا لا تعتري حياة الأغنياء و البورجوازيين التي هي حياة أقلية علمانية ضمن أكثرية دينية أخلاقا اجتماعية روحانية ؛ كنوع من المودة و التراحم والتكافل و.. كالتي تميّز المجتمعات الإسلامية الكادحة؟ رغم كل تلك الأسئلة ذات الصبغة الأخلاقية نعتقد أننا لن نقف أمام هكذا وقائع مناقضة لمبادئ الفكر العلماني كما يقف المغاوري (من حشر نفسه فيما لا يعنيه) ، و لا كما يقف الناكث الجاحد الآكل عيش في مجتمعه الإسلامي ، المقتفي لأثر الدين بالاساءة و الشتم و الحط و السخرية المحيّرة للألباب ، فأنت وهو مهما بلغ وعيكما العلماني لا تختلفان عن الإرهابي في إرهابه و الجهال في جهلهم. بل العلمانية الحقة لم تقل هذا ولا ذاك. العلمانية الحقة تثقيف ذوات النفوس سلوكا وممارسة ، بل أخلقتها وسط زخم شرِه لاهث لماديات العصر المحيطة بنا.
ليت شعري ، وهذا العلم بيننا الساعي لانتشال الإنسان من طينيته و من حيرته و قلقه الوجوديين ، و من حيوانيته و بربريته أيضا ، ما فتئ يُلاقى استهزاء و سخرية الأديان في مقدمتهم الإسلام ! الإسلام السياسي الذي ما ترك فرصة تمر قديما و لا حديثا من دون التوقف عن الهجوم و الازدراء من عديد النتائج المبهرة التي توصل إليها العلم ، بدئاﹰ بالنظرية النشوئية Evolutionism Theory و نظرية الانفجار السديمي العظيم Big Bang ونظرية الاستنساخ Humain Cloning وقبلها النظرية النسبية و طاقة الكتلة ، ونظريات فلسفة ما بعد الحداثة post modernism جميعها التي جعلت من الإنسان مركز الكون ، ناهيك عن مجال الفنون كالرسم والمسرح منذ نشأتهما عند الإغريق والتسفيه المستديم لأصحابها. مع أن العلمانية لا تدعي الغاءا للتدين بل تجعل نفسها نقيضا عقليا للمتافيزيقا ، أي لا تقابل الدين إلاّ من أجل تفادي الفرض والجبرية ، دفاعا عن المجتمع المدني بكل ما يحمله من قيم إنسانية إجابية ـــ من بينها أولوية العلم ، وهي القيم التي ساقت الحداثة والحضارة الغربية الحالية ـــــ مخالفة للمجتمع الديني ، وليس هجوما على الدين بأي حال من الأحوال. لماذا ليس هجوما على الدين؟ بكل بساطة لأن لغة العلمانية التي هي العلم تغلف مضمونا نفيسا شئنا أم أبينا ألا وهو نوع من التدين أو من الأخلاق الجوهرية التي لا محيد لها في توازن النفس مهما كانت تشنجاتها الأيديولوجية ، فالنفس مجبولة على بذرة التدين التي أبسط مظاهرها الإيمان بالعلم ، الايمان بالعلم الذي لا يقف على رجليه إلا على أخلاق قيمية مجردة و سلوكية موضوعية مجسدة ، وهي عامة مشتركة وإنسانية في كلتا الحالتين ، لعله هو الذي كان يقصده انشتاين بقوله : العلمُ بلا دينٍ علمٌ أعرجٌ، والدينُ بلا علمٍ دينٌ أعمى.
من هنا يبرز جوهر التناقض الأساس بين النزعة الدينية والنزعة العلمانية الذي ليس هو نفي الذات الإلهيه لدى العلمانية بقدر ما هو عسر الاعتراف ثم التوافق على أخلاق علمانية كونية رشيدة[1] متحولة تحفظ للمجتمع المدني إنسانيته ، بمعنى آخر أن العلمانية الحقة هي فلسفة في القيم الأخلاقية قبل أن تكون فلسفة في ابستمولوجية وأنطولوجية العلوم و التقعيد للنظام المدني ، فالعلمانية مثلها مثل الماركسية و الإسلام الحقيقي والمسيحية الحقيقية قد تعرضت فعلا إلى التحريف خدمة لأغراض دنيوية و سياسوية ، و الدليل الأوضح على ما نقول هو فجر تاريخ علم الميكرو micro و تقنيته الحقيقية ، أجل تاريخ الاختراعات المبهرة أثناء الحرب العالمية الثانية وما تلاها من حرب باردة بين الشيوعية و الرأسمالية ، كم من عالم نووي و كم من عالم بيولوجي وكم من طيار كاميكاز و كم من عالم في اللاهوت والأنتربولوجيا و كم من عالم في تقنيات التخابر أو الجاسوسية التقنية أنتحر أو أغتيل أو استقال أو أقيل ؛ إنهم يعدون بالمئات ، نتيجة لوخز شوكة الضمير الأخلاقي وحده لهم ، هذا الوخز الفطري (المستمر) هو قمة العلمانية ، إن لم يعبّر عن إيمان حقيقي منهم لمبادئها فإنه يعبر عن نبالة الضمير الإنساني ، هذا المعترك استغله علماء عرب ذوو نزعة أيديولوجية في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي منهم عبد الوهاب المسيري ، هجوما على العلمانية هجوما نزعويا نفعيا دينيا حيث قاد مشروعا مضادا ، مروجا أن العلمانية نزعت إلى تقديس الانسان والطبيعة تحت مسمى" الحداثة و العلمانية و فجوة النظرية و التطبيق"[2] تنظيرات ما فتئ يروج لها شبيهة في نزعتها بالنزعة السبينوزية في القرن ما قبل الماضي ضد الفلسفة المادية ؛ ولإجل ذلك نهج منهج المستشرقين أي استغرب في الولايات المتحدة لأجل دراسة علمانيتهم عن قرب . و حال عبد الوهاب المسيري المفكر اليميني المصري المناهض لإسرائيل ليس بأفضل ها هنا من حال العلمانيين اللادينيين / الملحدين والعلمانيين المعتدلين ( مضافا إليهما نوعا ثالثا لا يكاد يذكره المختصون ، ألا وهم العلمانيون بالصدفة أو العلمانيون الجهلة و المرتزقة الذين برزوا من خلال الإعلام الجديد ؛ وحالهم في ذلك حال الوطاويط ، لا يجرؤون على تصحيح حتى الأغلاط النحوية التي تأتيهم في عناوين المشاركات بنقرة واحدة لكنهم بالمقابل يعِدُّون التعقيبات المناسبة لكلٍ على حدا! أبغض الإيمان أن المقاطع للانتخابات ليس له حق المطالبة بحقوقه) كل هؤلاء ألحقوا وسيلحقون بالعلمانية الحقة أضرارا جسيمة بطرق مختلفة من حيث أرادوا العكس ؛ هذا يحاضر في مؤتمر العلمانية رقم كذا وكذا مرتديا سروالا قصيرا و الآخر و هو منتشيا من سيجارة الصباح! والآخر يحاضر حول الزواج من القاصرات و برفقته خليلته المراهقة! بالمختصر المفيد إما أنك تجد أبسط الأخلاق الإنسانية غائبة لديهم مع ذلك يناضلون من أجلها لينطبق عليهم البيت الشهير : لا تنهى عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم ، وإما تجد العلم مجرد ذريعة ولحاف يغلف علمانيتهم. غير حقيقي و مزيف له فعل مماثل لفعل اللغة التي تغلف المضمون بغض النظر عن الأسلوب المتبع ، فإن هؤلاء و ما أكثرهم في خضم تحولات العصر ينزعون إلى التجمع تحت رداء العلمانية و كثير منهم منافقون يعيشون حياة جحيم استنزاف غير متصور للضمير الأخلاقي لديهم ، مع ذلك لا يتركون منبرا من المنابر و لا فضاءا من الفضاءات العلمية إلا و تهجموا فيه على الإسلام السياسي ، صحيح أن الإسلام السياسي مرض المسلمين المعاصر لكن ماذا عن مرض نفسك أنت؟ أصلح نفسك من نفاقها و براغماتيتها المخزية ثم تحدث عن الإسلام السياسي. فإذا كانت خيانة العلمانيين الملحدين الماركسيين اليساريين لمواقعهم منذ سبعينيات القرن الماضي في الشرق الأوسط بسبب الصراع العربي الاسرائيلي متحولين إلى الطائفية ، فإن خيانة العلمانيين الملحدين الرأسماليين و حتى المعتدلين ( المقصود بالاعتدال احترام التدين ) في أيامنا لمواقعهم لا تعد و لا تحصى ، بسبب إرادة الاعتداد بقوة العلم جزافا أمام إرادة قوة السلطة الدينية و السياسية القهريتين ، أهملوا لا شعوريا صدقية الضمير أي الأخلاق النفسية الأساس : من نهم و طمع و عبث و جشع و انتهازية و محسوبية واتكالية و نفوذ ومحاباة و رشوة ، ناهيك عن اللاعدالة و المنافسة غير الشريفة ، نتيجة تصور مزمن عندهم أنهم ضحايا للفكر المجتمعي العدائي المقابل و المسيطر ، فتحول عند غالبيتهم الشعور بالهامشية إلى وهم وإرادة قوة مقابلة لإرادة قوة النسق المسيطر ، لا مِراء إذن بأن يفصح أحد أشهر الباحثين العلمانيين المصريين و هو السيد القمني لأحد القنوات الإعلامية بأن جل العلمانيين المصريين منافقين وأنه هو بالذات واحد منهم ، فهو دائم القول بأنه مسلم لأن جيرانه أئمة و وُعاظ!. و لا مراء في أن يقول د. فرج فودة معترفا بعدم نضج خطاب العلمانيين العرب أخلاقيا أيضا مع ذلك أغتيل على أيدي الإسلاميين المتطرفين : « يتمتع المتطرفون بمنهج متكامل و متماسك بصرف النظر عن ما يحمله من خطأ أو صواب ، بينما لا يزيد الأمر بالنسبة للمحاورين لهم عن اجتهادات غير متناسق تفتقد التكامل ، وفي أغلب الأحيان يبدو موقفهم دفاعيا ، وهو أمر له تأثيره النفسي البالغ السلبية»[3] سبب الاغتيال هنا يطرح بالطبع قضية تكفيره ثم فتوى اغتياله لكن كذلك لا يلغي علاقاته النسائية المشبوهة بخاصة مع جماعات نوال السعداوي ، هذه الخاصية التي يشاطره فيها يوسف زيدان وكثيرا ما يلعب المتشددون على هذه الجزئيات ، فلماذا نمنحهم فرصة مجانية ونسيئ للعلمانية الحقة؟
لا مِراء أيضا نتيجة لتغييب الحد الأدنى من الاجتهاد الحق ؛ اجتهاد أخلاق النفس و الضمير لدى هؤلاء العلمانيين متبدية في إجلال استعاري وكارثي للذات لذاتها ، مقابل بَخْس غير موصوف للآخر المفارق ، قول يوسف زيدان الذي ورث سمعة أكاديمية عن باحثين مصريين علمانيين شهيرين كسعد الدين إبراهيم وحامد أبو زيد و حسن حنفي فأصبح نافذا ضمن مؤسسات بلده الثقافية على الأقل. قوله بأن ما يسمى العلمانية في ثقافتنا خرافة لأن سياق ولادتها مختلف ، و أن الاستحالة متأتية من كون الرسول كان دينيا في مكة ومدنيا إداريا في يثرب ولا يمكن فصل دينه عن دولته ، عكس السيد المسيح الذي بنا مملكته خارج هذا العالم، ثم يردف فيذكر البديل ، وهو إما العمل على نشر ثقافة دينية تجيز التدين كممارسة شخصانية فردية مستقلة وإما الخروج القطعي عن الإسلام ، ضاربا عرض الحائط جهود أساتذته المذكورين أعلاه زائد أعلام علمانيين أفذاذ آمنوا بالاجتهاد الثوري من داخل الإسلام ــ هو نفسه يكّن لهم الاحترام الكبير ــ عرض الحائط كأدونيس و صادق جلال العظم ومراد وهبة وطيب تزيني من سوريا و فؤاد زكريا وفاروق القاضي.. من مصر.
لعلّ فساد هذا الحكم له علاقة غير مباشرة بالطرح : مدى علاقة العلماني بالحد الأدنى من الأخلاق / فلسفتها في ظل عوائق ابستمولوجية تحد من اطلاقيتها ؛ فأنت يا يوسف زيدان كعلماني مشبوه وقعت في شبهة مفتي الديار المصرية لكن في شؤون الفقه العلماني و المسيحي! فحالك و حال شيخ الأزهر سواء بسواء! فأين تركت مبادئ العلمانية التي ناضلت من أجلها طويلاﹰ؟ أم أنك خنت موقعك من أجل كسب رضا الجهات التي رعت وصولك إلى المكانة النافذة التي أنت فيها! كأن تفاوضهم من تحت الطاولة مفاوضات الربح والخسارة ؛ بأن تحرّم ثوب العلمانية على ديار الإسلام و يكفُ هم شر تسفيههم لبحوثك حول تجليات ابن عربي (علميا و فقهيا) التي أفنيت عمرك في التنظير لها. أو تناسيت أم أنسيت أن العلم بذخيرته الأفيد لبني البشر يبقى نسبي ، إذن فالعلمانية نسبية لكن أخذ القليل خير من ترك الكثير ؛ الجزائر و مصر و قطر هل هي دول إسلامية أم دول علمانية؟ بل هي لا إسلامية و لا علمانية ؛ إذن هناك العلمانية النسبية بل لا يوجد غيرها إذن ؛ عندما رفضت العلمانية المطلقة (ماليزيا وتركيا) والأصولية المطلقة ( كما طالبان و دولة الدواعش متمثلتين للخلافة الإسلامية بعد وفاة الرسول) ؛ فهكذا فجأة ترمي المنشفة لدليل قاطع على نقص أخلاقك العلمانية صنو الروح العلمية واحترام ما توصل إليه أساتذتك ، ثم هل صحيح أن المسيح قال أعطوا لقيصر ما لقيصر وللرب ما للرب؟ ـــ ألم تشك يوما في أنه حديث ضعيف السند أو أنه تراث مسيحي همش العقل كذلك ، مثلما شككت في تسبيق أخبار الأحاد في نقل الحديث عند أهل الحديث تثبيتا لسلطة الإمام الشافعي ، لمّا جعل السنة والإجماع والقياس في مرتبة الوحي كي يتعالى وكتابه "أصول الفقه" عن أي نقد؟ ـــ أوليس المسيح هو الذي تحمل عذاب الصلب لأجل البشر فكيف يبني مملكته بعيدا عن هذا العالم؟ غير معقول ؛ من منطلق أن الايمان المسيحي معرض للكلل و الخفوت في قلوب أصحابه في كل عصر لذلك ينبغي وجود دائم للرادع الديني مع ذلك نجحت العلمانية في مقابلة المسيحية ، فلماذا إذن لا تنجح مع الاسلام ؟ ثم هل الإسلام دين ودولة على الإطلاق( لا وجود لنسبية طغيان أحدهما على الآخر!) لو كان هذا صحيح لورّث النبي الحكم لعلي وأبنائه من بعده ولما انتصر معاوية على أهل البيت. ثم ألم يورد أستاذك فرج فودة ( تعقيب د. محمد خلف الله) قوله : « فيما يخص السلطة التي يمنحها الله للأنبياء أنا قلت : أنه لم يرد في القرآن نص واحد يشير إلى أن السلطة التي منحها الله للرسول (ص) كانت سلطة مما تعطى للملوك »[4] و النتيجة هي تحريف دكتور زمن سرعة إلقاء الأحكام للعلمانية الحقة مثل ما حرّف الشافعي و التابعين الإسلام الحقيقي.
وأخيرا وليس آخرا لا بأس من التوقف عند كتاب من تأليف جماعي ، عبارة عن أبحاث لكتاب جزائريين ، ثلاثة منهم على الأقل غير متخصصين! أعرف تخصصهم ؛ اثنين في السردية و الآخر في الأدب المقارن. صدرت طبعته الأولى عام 2015 بعنوان : العلمانية والسجالات الكبرى في الفكر العربي المعاصر، لم أقرأه كله لكن حسب علامات كبرى في عناوين البحوث : ( الجدل ، العلاقة المستحيلة، نقد عبد الوهاب المسيري للعلمانية ، الملهيات الكبرى للعلمانية ، سؤال العلمانية ، قلق العلمانية) و في العنوان الفرعي تحت العنوان الرئيسي : هواجس التأسيس المتعالي.. تشي كلها إلى تحيّز أصحابها إجمالاﹰ لا تفصيلاﹰﹰ (التجاوز الابستمولوجي) باقتحامهم لقلاع شديدة العلو، كدأبهم بلغة مفتعلة تريد الإفصاح عن رقي مستواها لكنها لم تنجح في كذا من جيب على إفهامنا ما تود قوله بالضبط! على غرار لغة النقد المغربي الشديدة الابهام المفهومي والغموض المصطلحي و ركاكة التعبير، كما يظهر مع أول جملة واردة في الكتاب : كيف تعاطى الفكر العربي مع مفهوم العلمانية باعتباره مفردة على درجة عالية من التأشكل؟ لعل الكاتب يقصد القول: مفردة إشكالية بدرجة عالية. يجوز أن يكون الايعاز و المعونة أتتهم من وزارة الثقافة أي من السلطة بتخطيط مدروس. طبعا تجاوزنا لأخلاق السلطة و الحكم لأنه لا توجد دول عربية صريحة في نموذجها العلماني كتركيا ، و خلاصة القول كما أنه لا دين بدون قيم لا إنسان بدون قيم أخلاقية بالأساس ، لا علمانية دون حد أدنى من القيم الأخلاقية الإنسانية على الأقل أيضا ، نقول هذا تجاوزا طبعا نتيجة طبيعتها ومنبتها غير الأصيل الثقافة لما يتعلق الأمر بأخلاق النفس و ضميرها (الهو) الذي يتحكم عندهم في ضمير (أنا) حسب فرويد . فالتحريف المذكور في مقدمة موضوعنا أمر صحيح مفروغ منه تتعرض له الديانات و المذاهب و المعتقدات و المدارس الفكرية على تباينها بفعل انحراف في قيمها و مبادئها بخاصة التي لها علاقة غير مباشرة بهوى النفس خذ مثلاﹰ المثال التالي لتقريب الفهم ؛ ما يسميه العلمانيون الحياد الإيجابي لصالح المرأة لكنه فخ قد يورطهم فيما لا يحمد عقباه ، أي الوقوع في شبهة اللاعدالة ولُبس الانحلال في واضحة النهار ؛ مثلا نحن في حافلة كل راكبيها علمانيون و من الأوانس المرتديات للزي المدني عدا رجل واحد أكبر من سنهن بقليل ، وهن كلهن جالسات إلا واحدة واقفة وبعيدة كل البعد عن الرجل الجالس، لكن هذا الأخير ينتقل من أقصى الحافلة إلى أقصاها كي يدع مقعده لتلك الآنسة و هو الشخص الوحيد الذكر ضمنها! ما من شيم رجولة ولا حياد إيجابي لصالح المرأة في هذه الحالة وإنما هو لبس فظيع وقع فيه قلب الرجل ؛ فلو أنه بقي مكانه لكان أفضل موقف يتخذه على الاطلاق ؛ لأنه سيقف عارضا هامته عليهن وهو الرجل الوحيد بينهن! هي سيمات الأهواء كما يسميها سعيد بنكراد التي تسعى إليها النفس البشرية مجبولة متى وجدت الفرصة لذلك غير آبهة بالضمير الجمعي.
[1] - ينظر مجلة العربي : أخلاقيات المستقبل العلمانية الرشيدة ٬ وزارة اﻹعلام الكويت ٬ عدد548 ٬ يوليو 2004 ، ص17.
[2] - ينظر كتابه في الموضوع تحت عنوان : العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ، جزء1 للنظرية وجزء2 للتطبيق، دار الشروق، مصر 2002.
[3] - فرج فودة : حوار حول العلمانية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، دون تاريخ ، ص41.
[4] - فرج فودة : الأعمال الكاملة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب دون تاريخ ، ص35.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال
.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |
.. 80-Al-Aanaam
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت
.. 78-Al-Aanaam