الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصبية السورية والانتماء إلى سورية

مفيد ديوب

2006 / 4 / 18
المجتمع المدني


مع تنامي وعي الشعوب العربية لذاتها وتنامي رغبتها بالانفصال عن الخلافة العثمانية في المشرق العربي تأثرا بتنامي النزوع القومية وتشكل الدول قبل عدة قرون في أوروبا, وبتشجيع من تلك الدول الأوروبية التي وضعت حضارة ( الرجل المريض) على أولوياتها بالتقاسم فيما بينها بعد تفكيكها, تنامت الحركات الانفصالية عن السلطنة العثمانية التي ابتلعت المنطقة وهيمنت عليها بسهولة بالغة طيلة أربعة قرون تحت الرابطة الدينية الإسلامية ـ التي كانت المورد الأساسي لثقافة شعوبنا ـ , تنامت الحركات بنزوع قومي حظي بقوة تنافسية مع الرابطة الدينية, معززة بالآمال الموعودة بدعم الدول الغربية بالمساعدة بتشكيل وقيام الدولة العربية على الأرض المحررة من الهيمنة العثمانية 0
إلا أنه بعد طرد العثمانيين حلّت الجيوش الدول الغربية ،وفوجئت الشعوب العربية باتفاقية ( سايكس – بيكو ) التقسيمية للدولة العربية الكبيرة المأمولة في المشرق العربي إلى مجموعة دول متقاسمة بين هيمنة الفرنسيين و الانكليز .
و بالرغم من إنشاء المستعمر للدولة الحديثة المشابهة لدوله في كل ( قطر) من الأقطار ليدير مصالحه وفق نموذجها, و التي ـ أي نموذج الدولة الحديثة ـ تعرّفت عليها الشعوب العربية لأول مرة في تاريخهم, تم تعاطيهم الإيجابي مع هذا النموذج الحديث و مع الديمقراطية و الحريات و القوانين الحديثة و صندوق الاقتراع و الأحزاب )00 إلا أن رفضهم للمستعمر أولاً و للحدود التقسيّمية التي صنعها المستعمرين والتي ارتبط وجودها و حدوثها به ثانياً بقي راسخاً حتى بعد أن رحل المستعمرين ، بالرغم من أن تلك الدول أضحت حقيقة واقعة ذات سيادة وعلم و دساتير و مقام في الهيئات الدولية المحدثة بعد الحرب الكونية الثانية .
لم يدم نموذج الدول الحديثة طويلاً بعد رحيل المستعمرين كي يتاح ترسيخ واقعيّة الأوطان الجديدة في الذهنية العربية, كما لم يتاح للبنى الاجتماعية – الاقتصادية الجديدة الوليدة حديثاً( أي البرجوازية الوطنية الوليدة, و توزيع الأرض و صك سندات الملكية للأرض ) بالتشكّل و تشكيل حواملها الاجتماعية القوية القادرة عن الدفاع عن هذا المعطى الحضاري الأرقى ( نموذج الدول الحديثة ) ، فانهارت تلك الدول عند أول تبدي الأزمات الجديدة و الاحتقانات المجتمعية من جهة ، و الاستقطاب الدولية الجديدة و تنافسها على المنطقة من جهة ثانية , و الذي أودى تنافسها المسعور لمصالحها أن تدعم الانقلابات العسكرية حيثما يتاح لها ذلك ، و تحطيم نموذج الدولة الحضاري0 كان الخطوة في تلك الأنقلابات العسكرية للرموز الفلاحية في الجيوش العربية 0تلك الرموز الفلاحية المرتبطة أو المتقاطعة مع الأحزاب والحركات الفلاحية التي تبنت الشعارات القومية ـ المقلوبة على رأسها أيضا ـ الرافضة للأوطان الجديدة, و التي وجدت مؤسسة العنف هي الطريق الأقصر للهيمنة على السلطة تعبيراً عن الأزمة المحتقنة و المتكثفة في الريف ( بين الفلاحين و حركاتها المتأثرة بتاريخ حركات التحرر العالمية حينها و ثورة أكتوبر, و بين طبقة ملاك الأراضي المتحالفة مع عدوها التاريخي ـ البرجوازية الوطنية ـ الضعيف و العاجز عن تحطيم نمط الإنتاج الإقطاعي و التمدد إلى الريف و حل مشكلته ), كما وجدت تلك الموجة الريفيّة عناصر قوتّها بعدما شكلت هزيمة / 1948/ هزيمة للمشروع اللبرالي و نموذج دولته و حضور العدو الجديد الاستيطاني الغاصب و الطامع بالتوسع مهدداً الوجود و الآمال و المشاريع ، و بات يحظى بالأولوية على كل شيء لدى الشعوب و النخب و السلطة السياسية الشمولية الجديدة وبات شعار (كل شيء من أجل المعركة) مسوغا للجميع0 فتمتعت السلطات الشمولية بحامل اجتماعي شمولي أيضاً و بمشروعية شعبية فريدة ، خاصةً أنها طرحت مفهوماً جديدا ( للقوة) التي ستواجه به العدو الإسرائيلي المدعوم من الدول الرأسمالية الغربية( مقلوباً على رأسه) متناسباً مع جذور الثقافة البدوية المكونة لوعي شعوبنا .
فعوضاً عن مفهوم ( القوة ) الذي نادي به الرواد الأوائل لتجاوز هوة التخلف بيننا و بين الغرب المتطور ، و القائم على تقليد الغرب بعلومه ، و استحضار صناعته ، و نموذج دولته الحديثة ، و التنمية البشرية و الاقتصادية, قام العسكر بقلب المفهوم (القوة) إلى قوة الجيوش و مؤسسات العنف و الأسلحة و التحالفات الدولية المؤازرة لمشروع تحرير الأرض العربية المغتصبة, و عليه بات ( كل شيء للمعركة ) الشعار المهيمن في السياسة و الثقافة و الاقتصاد من أجل تحقيق النصر المشّابه لنصر الجيش الأحمر القادم من بلد متخلف ـ مشابه لتخلفنا ـ على الغرب ذاته الداعم لعدونا الجديد , والجيش القادم أيضا من (الشرق) و ما يحمل هذا الشرق من رمزيّة عندنا خاصة عندما أقام ذاك الجيش الأحمر بعد انتصاره إمبراطورية عظمى / بسرعة خارقة / تدغدغ تاريخية إمبراطورية العرب المسلمين السلفة المستكينة في الذاكرة و الوعي .
هذا المشروع ( التحريري) عندنا و هذا المسار أنتج هزائم متكررة و متعددة و لم تتمكن الشعوب و النخب من الخروج من أسر هذا المشروع, كما لم تجرؤ على الإقرار بالهزيمة و البحث عن جذور الأسباب ، و إعادة إنتاج مشاريع فكرية و سياسية جديدة ، فاستكانت إلى فكرة وجود العدو المدعوم من الدول الأقوى ، و تعليق كل الأمور و المشكلات و الأسباب الداخلية عليه ، ليعفي العقل العربي نفسه من الهزيمة و من جرأة النقد و المراجعة ، كل ذلك تزامن مع تنامي قوة الديكتاتوريات و تشّكل مصالح هائلة للطبقة الحاكمة وبالوقت ذاته فشل مشاريع التنمية واجتثاث البرجوازية الوطنية وخسارة دورها,و تحويل نشاط الطبقة المالكة للثروة إلى النشاط الهامشي الفوق قانوني ( المافيوي بالتشارك مع طبقات السلطة ) ، و عبر أربعة عقود من الاحتكار السياسي و الثقافي و الإعلامي و الاقتصادي, و حالة الانعطاف وتحويل قوة الجيوش و مؤسسات القمع لتقمع شعوبها و ترهبها بالحديد و النار . باتت السلطة الديكتاتورية وحدها المسئولة عن الوطنية السورية، و تمر( المواطنة) السورية عبر معبرها وحدها, ومن يعارضها فهو ليس وطنياً و(خائناً ) و ليس سورياً، و احتكرت العلم السوري و رمزيته وحدها , و احتلت وحدها أيضا حلّ مشكلة احتلال الجولان وتحريره.
و مع النهب و الهدر و الإنفاق على مؤسسات العنف توقفت المشاريع بموازاة تزايد ارتفاع السكان, تضخم جيش العاطلين عن العمل من الشباب و الأجيال الجديدة التي خضعت منذ طفولتها لشحن الخطاب السلطوي و حصر الانتماء السوري بها وحدها . لدرجة انه اختصر الوطن بالحزب الحاكم و خطابه. ومن ثم اختصر الوطن بالقائد التاريخي فبات الوطن السوري مختصراً بالحاكم ، كل ذلك ترافق مع الخطب السياسية والفكرية القومية القافزة من فوق حدود الوطن (القطر) الجاهزية للتضحية به من أجل مشروع وحدوي وخطاب اليسار الفوق قومي وخطاب التيارات الإسلامية هي الأخرى التي لا ترضي بديلا عن دولة الإسلام والمسلمين أينما وصلت حوافر خيول المسلمين0
أمام هذه الموجه باتت سورية بدون أبناءها ، باتت وحدها مشرّعة للرياح الدولية و لتحّكم النظام الديكتاتوري. ويتجلى ذلك في حضور أغلب الانتماءات (الفوق والتحت) وطنية والعصبيات حسب أولويات وتراتبيات محددة والوحيد الخافت هو الانتماء إلى سورية وهي في الدرك الأخير من سلم تلك التراتبيات 0
وأمام هذه اللوحة الخطرة على سورية وأبنائها ,لابد من جهود هائلة تطلب من النخب جميعها لاستنهاض العصبية السورية على حساب جميع العصبيات الأخرى وبغير ذلك ستكون سورية في مهب الريح وأبناءها بلا وطن 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار