الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكويت: انتهاك حقوق الانسان بدعوى فوقية حقوق الالهة

انور سلطان

2019 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكويت: انتهاك حقوق الانسان بدعوى فوقية حقوق الالهة

أحيلت سيدة كويتية الى التحقيق بتهمة التعدي على الذات الالهية. بغض النظر عما قالته تلك السيدة في حق اله السلطات الكويتية، فان التهمة نفسها مهمة لدلالتها الفكرية. انها تهمه تقوض حقوق الانسان من أساسها، وتنتصر للحق الالهي الذي تخلصت منه غالبية البشرية والدول المتقدمة، والذي يعد سمة من سمات التخلف.

بدأت الكويت في الانزلاق أكثر الى عصور التخلف. وكأنه مقدر لأي دولة عربية حاولت أن تخرج من بير التخلف أن ترجع اليها.

انتصار الرجعية في هذه البقعة المنكوبة يلقي الضوء على سبب  التقدم الثقافي والاجتماعي البسيط في بعض الدول العربية الذي حدث قبل عقود قليلة.  سببه ببساطة الاستعمار، أو بالأصح الحكم الغربي المباشر أو غير المباشر لهذه الدول. في ظله شهدت هذه الدول انفتاحا فكريا وثقافيا، ثم لما رحل وتركها لشأنها، استمرت لمسات ذاك التقدم بعد رحيله الى حين، ثم عادت تلك الدول شيئا فشيئا الى وهدة التخلف. ومصر مثالا. ولولا التعدد الديني مع التكافؤ الديموغرافي للطوائف في لبنان لكانت الان في حضيض الردة الحضارية الاسلامية.

ولنعد لموضوعنا.

لماذا لم نقل حقوق الله بدلا من حقوق الالهة؟
لان فكرة الالوهية فكرة عامة موجودة في الغالبية الساحقة من الاديان. ولا يجب ان نخصص الحديث عن اله دين معين.
 ولا تختلف دعوى مسلم ان الهه له حقوق فوقية عن أي متدين اخر يدعي ان لالهه حقوقا فوقية.
ولو اقرت البشرية بحقوق الالهة لانتهت الحضارة الحديثة، ولانتصر الظلام على النور، والتخلف على التقدم الانساني. وسنعود لصراع وحروب الأديان، والديكتاتوريات السياسية التي تحكم بالحق الالهي.

والان، نطرح الاسألة التالية:

هل للالهة حقوق يحاكم ويعاقب بمقتضاها الانسان؟ ألم تكون حقوق الالهة سمات الدكتاتوريات وعصور التسلط الديني؟

ألم يهدف التنوير الى خلاص الانسان من حقوق الالهة الذي يعد الأساس للتسلط الديني والسياسي؟

أليس اعلان حقوق الانسان والمواطن في الثورة الفرنسية هو اسقاط لحقوق الالهة عمليا وتمكين لحقوق الانسان ولو نظريا؟

أليس في الأساس الاعلان العالمي لحقوق الانسان نتيجة لتقدم طويل وتتويجا لحركة التنوير والحداثة هو حماية الانسان في المقام الأول من أي تسلط ديني أو سياسي أو اجتماعي ومن الزعم بوجود حقوق ديكتاتورية ومن ضمنها حقوق الالهة؟

اقرار حقوق الانسان ليس فقط لمنع الحروب الاهلية والاممية، بل وضع الفكر الانساني موضع التطبيق. هذا الاقرار انتصار للقيمة من حيث هي قيمة، والحض والالزام على العمل بها لكونها نافعة للانسان فردا أو جماعة. وعكسها اضرار بالانسان

 في هذا المقال سوف يتم التطرق لثلاث مسائل.
الأولى هي الهدف من تحديد حقوق الانسان، في شكل اعلان أو اتفاقيات.
والثانية هي عدم وجود حقوق للالهة قبل الانسان.
الثالثة: هي تفريغ الاعلان العالمي لحقوق الانسان من مضمونه بدعوى وجود حقوق للالهة.

أولا: لماذا لا بد من تحديد حقوق الانسان؟

لم تفهم بعد العقليات الديكتاتورية في بلداننا العربية، ومنها العقلية الدينية والعقلية العشائرية (أو الدينية العشائرية، كونهما متشابكتين معا)  ماذا يعني أن يتم تحديد حقوق الانسان، أو ماذا يعني اقرار حقوق الانسان كما حدث في وثيقة حقوق الانسان والمواطن في فرنسا الثورة، والذي كان تطبيقا عمليا لفكر التنوير، أو الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي كان تتويجا لمسيرة طويلة من النضال.
هناك هدفان:
الأول: هدف نظري، أو أخلاقي فكري ثقافي، هو اقرار جملة من الحقوق من حيث المبدأ.
والثاني: هدف عملي، هو وقاية الانسان من غيره من الناس، سواء كان الغير فردا أو جماعة أو سلطة. هدفه حماية الانسان من اضطهاد وعدوان الانسان، سواء كان اضطهادا جسديا أو نفسيا أو فكريا، من خلال تحديد الحقوق، بحيث تكون قواعد عامة واجبة الاحترام. وعدم تركها للاختلاف.
فالحديث عن وجود حقوق للانسان لا يكفي بحد ذاته.

ان تحديد الحقوق يضبط علاقة السلطة بالمواطن، وعلاقة الانسان بالانسان. ولا يجعل هذه العلاقة عرضة للاختلافات والتفسيرات، مما يمنح السلطة أو الطرف القوي حق تقريرها وفق هواه ومصالحه.

عدم التحديد يجعل الباب مفتوحا لكل متسلط لتحديد الحقوق كما يريد. وهو بالضبط ما تفعله بعض الدول العربية. انها تنكر الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ولا تنكر وجود حقوق انسان،بوصفه يتعارض مع دينها، ثم تضع حقوقا تناسب ديكتاتوريتها وانتهاكات دينها لحقوق الانسان وكرامته.

وثائق حقوق الانسان، ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، هي وثائق تنص على قواعد عامة، بمثابة قيم عامة، تحكم علاقة الناس ببعضهم، حتى لا يعتدي بعضهم على بعض.


ان تحديد الحقوق يقتضيه العيش في مجتمع، وتقتضيه حاجة التواصل بين الناس وحاجة الناس لبعضهم. ولو كان الانسان يعيش منفردا، لا تربطه علاقة بغيره، لما احتاج الى هذه القواعد العامة.

ثانيا: لا حقوق للالهة قبل الانسان:

كل ما يمكن أن يلحقه أذى من قبل الناس سواء كان الناس أنفسهم، (يأذون بعضهم)، أو الحيوانات، فهو يحتاج الى تحديد لحقوقه، تقيه تصرفات الناس. ولا تجعله تحت رحمة أمزجة وأهواء ومصالح الأفراد أو الحكام.

من يعش مستقلا عن الناس، لعدم حاجته لهم، أو لاختلاف طبيعته عنهم، مثل الالهة والجن (بافتراض وجودهم)، فلا يحتاج من الناس الى اعلان حقوق تحكم علاقتهم به. لأنهم بمعزل عن اضطهاد وأذية الناس لهم.

لا أحد يستطيع أن يضطهد الها أو يأذيه. لذلك لا يحتاج حماية من الانسان، أو بتعبير أدق ليس له حقوق تحمى، لانه في الأساس فوق الاضطهاد والأذية. ان الحق الذي يتم اقراره هو شئ قابل للانتهاك على شكل عدوان  مادي أو معنوي أو حرمان، فيتم اقراره كحق حتى لا ينتهك وحتى يحاسب من ينتهكه، مثل حق الحياة وحق حرية التعبير، وحق المساواة.

ان تحديد الحقوق ليس فقط مجرد تحديد لقيم، وهو مهم، بل هذا التحديد عبارة عن وضع قواعد تشريعية فوقية. ووجود قواعد تشريعية من سمات دولة القانون. وحتى تتم المحاسبة يجب تحديد هذه القواعد.


واي اقرار او ادعاء بوجود  حقوق للالهة، فلن يكون اقرار بين الالهة والناس، بل عبارة عن فرض فرد أو مجموعة من الناس لمعتقدهم على الاخرين.

وهم بهذا العمل لا يحمون الاله بل يحمون فكرهم الديني من النقد (من ضمن النقد السخرية). ويساوون بين ذواتهم وبين أفكارهم الدينية، ويعتبرون نقد الفكرة، أو السخرية منها، تعديا على ذواتهم.

ان مساواة المتدين بين ذاته وفكرته الدينية نوع من التعالي الديني على الاخرين. ان هذه المساواة بين الفكرة والذات تجعل المتدينين يتصرفون وكأنهم الهة بالنسبة لغيرهم.

ثالثا: استغلال حقوق الانسان لتفريغ الاعلان العالمي لحقوق الانسان من مضمونه

ان المتدينون، خصوصا الذين يدعون الاعتدال، من ضمن وسيلتهم في محاربة قيم العصر، هي الخلط بين حقوق الانسان وحقوق الالهة التي تؤمنون بها، ومساواة فكرتهم الديني بذاواتهم، لاستغلال اعلان حقوق الانسان لقمع  الانسان وتفريغ الاعلان العالمي لحقوق الانسان من مضمونه وتجريد الانسان من حقوقه بدعوى حماية حقوق الهتها، التي اعتبروها حقوقا لهم، من ناحية، وفوق الاعلان العالمي لحقوق الانسان من ناحية أخرى.
 
انها ردة رجعية، موغلة في الرجعية، هدفها الأول اسقاط حقوق الانسان ليس بمواجهتها مباشرة - فهذه مهمة فريق اخر - بل بتفريغها من مضمونها. 

أصحاب هذه العقلية يهددون الانسان بحقوق الهتهم.  وما يهددون به غيرهم هو من دواعي اعلان حقوق الانسان. ان ثورات اوروبا الكبرى، وفكرها وفلسفتها التنويرية العظيمة، التي أوصلت الانسانية الى ما وصلت اليه اليوم، كانت أساسا ضد حقوق الالهة من أي نوع، وجاءت لاسقاط حقوق الالهة من أي نوع. وكان اسقاط حقوق الالهة مقدمة لاسقاط الدكتاتورية الفكرية والسياسية. ان اكبر فكرة قمع بها الانسان واهينت بها انسانيته واهدرت بها كرامته وسحقت بها روحه هي حقوق الالهة. وان اعلان حقوق الانسان والمواطن كان اول اعلان واجراء عملي لاسقاط حقوق الالهة. وهنا تكمن أهميته. ان للانسان حقوقا يجب أن تحترم. أما الالهة فليست لها حقوق على الانسان كأنسان لا سياسية ولا اقتصادية ولا دينية، ولا من أي نوع.  ومن يرى للالهة حقوقا دينينة، مثلا، كاحترامها، فهو من يعبدها، وهي ملزمة له حسب اعتقاده هو، وليست ملزمه لغيره، وفرضه لما يراه من حقوق الهته على غيره هو فرض للعبودية  على غيره. وهذا مناف لحقوق الانسان وكرامته.

خلاصة الأمر، ليس من حق أحد أن يربط بين فكرته وذاته ليصادر حق نقدها، بدعوى أذية مشاعرة. هذا نوع من فرض الرأي  ومصادرة الحق في حرية الرأي. ان تحريم انتقاد الافكار انتهاك لحقوق الانسان، ولولا النقد لما تقدمت البشرية. ولظلت تحت التسلط الديني.

هذا جانب، الجانب الثاني، ان الالهة ليست لها حقوقا. ومن يرى ان لالهه حقوقا فاليحتفظ برأيه لنفسه. ولا يحق له الزام الاخرين بدينه عبر الزامهم بحقوق الهه كما يعتقد هو.

من أراد أن يمنح الهه حقوقا فهي تلزمه وحده، وهي من صميم دينه، وعلاقة العبودية تظهر في احترام حقوق الاله، وفرض احترامها على الغير هو فرض دين وعبودية عليهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كفار مارقون بحق اديانهم نفسها
طلال الربيعي ( 2019 / 1 / 16 - 23:43 )
اننا بشر قبل أن نكون أتباع أديان، وأن العالم سيكون مكانا أفضل للعيش بدون الأديان التي تنشر الفرقة والكراهية بين الناس باسم الدين الذي يستخدمونه كقناع لاعلاء مكانتهم والايحاء بأنهم والله سواء بسواء, وهم لذلك كفار مارقون بحق اديانهم نفسها! فكفى منهم دجلا وضحكا على ذقون الناس!

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد