الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أخفقت النهضة العربية

فارس إيغو

2019 / 1 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مفكري عصر النهضة في القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين انشغلوا بالسؤال الذي صاغه الأمير شكيب أرسلان (1869 ـ1947) على الشكل التالي: "لماذا تخلف المسلمون، وتقدم الآخرون؟" وكان هؤلاء يبحثون عن أسباب سقوط الحضارة العربية الإسلامية وكيف نهضت أوروبا. لكن هذا التساؤل الذي طرحه أرسلان بقي سؤالاً مفتوحاً دون أن يجد له جواباً جريئاً عند المفكرين الإصلاحيين لعصر النهضة الذي امتد حتى بداية عصر ثورات الضباط الأحرار في العديد من الدول العربية، وأولها مصر عام 1952.
وقد نجد في كتابات صاحب التساؤل الشهير بعض الأجوبة المفقودة، يقول أرسلان في أحد كتبه: لا يوجد أي مجتمع في العالم عرف الديموقراطية الحقيقية كما عرفها المسلمون تحت حكم الخلفاء الرشدين.
ربما هنا تكمن إحدى أكبر المشكلات التي يواجهها الفكر العربي الإسلامي ولم يستطع إلى الآن أن يتخلص منها، وهي النزعة التمجيدية الأسطورية اللاتاريخية، أو التي تفتقد الفكر التاريخي الذي نادى به المفكر المغربي عبد الله العروي في كتابه الشهير " العرب والفكر التاريخي".
وقد دعا شكيب أرسلان للأخذ بالعلوم والصنائع الغربية، وأدان بشدة التغريب !!والمقصود هنا عند الكثيرين من رواد النهضة العربية الإصلاحية، هو الابتعاد عن الآداب والفلسفة والعلوم الإنسانية، وهو موقف متراجع عن حركة النهضة الأولى التي تشكلت في رحاب الحضارة العربية الإسلامية، وخصوصاً في فترة صعودها، أي في الفترة ما بين القرن التاسع وحتى نهاية القرن الثاني عشر، حيث تمت ترجمة كثير من المعارف التي توفرت لدى الحضارات والأمم القديمة، وخصوصاً الحضارة الاغريقية. وقد قامت حركة ترجمة عظيمة بدءاً من القرن التاسع في ظل رعاية الخلفاء العباسيون وبالخصوص الخليفة المأمون (786 ـ 833) الذي أسس دار الحكمة، وكرم بسخاء المترجمين، حيث ترجمت الفلسفة والمنطق اليونانيين، وكذلك علوم الطب والفلك والرياضيات من الحضارتين اليونانية والهندية. وكان أغلب المترجمين من السريان الذين يتقنون اللغة العربية، فكانت المعارف تنقل أولاً، الى اللغة السريانية ومن ثم الى اللغة العربية.
هكذا تعرف العرب والمسلمون على التراث الفلسفي الاغريقي، وخصوصاً فلاسفة المرحلة العقلية الذين أسسوا المفاهيم والمقولات الكلية، أفلاطون وأرسطو، وانتشرت كتبهم وظهرت على أثر ذلك المشتغلون بالفلسفة بدءاً بالكندي الفيلسوف العربي الأول في الحضارة العربية الإسلامية، ثم تلاه الفارابي وابن سينا واخوان الصفا. ورغم الهجمة الشرسة التي شنها أبو حامد الغزالي (1058 ـ 1111) على الفلسفة والفلاسفة في كتابه " تهافت التهافت " حيث بدعهم في سبعة عشر مسألة وكفرهم في ثلاثة مسائل هي القول بأن العالم قديم، ورفض بعث الأجساد، وأخيراً القول بأن الله لا يعرف إلا الكليات؛ رغم حملة الغزالي على الفلسفة، إلا أن الحضارة العربية الإسلامية تابعت مسيرتها الغير منتظمة وأنجبت في الأندلس ثلاثة فلاسفة كبار هم ابن باجة وابن طفيل، وأخيراً ابن رشد (1126 ـ 1198) قبل أن تنطفئ وتزوي وتندثر تحت ضربات رجال الدين المتزمتين والتكفيريين.
في المحصلة، يبدو أن كل محاولات الأخذ بالعلوم الغربية وإهمال الفكر والآداب الغربية، بحجة أنها تتعارض مع العلوم الشرعية الإسلامية، جعلتنا متخلفين عن الركب الحضاري، وحولتنا الى مستهلكين لاهثين وراء المنتجات التكنولوجية الغربية، لأن وراء كل نهضة علمية وتكنولوجية فكر يفكر ويعيد الانقلاب على عقله المكوّن في كل دورة تاريخية تتغير فيها الخرائط والمصائر.
أما المحاولات النقدية التي حاولت أن تجيب عن سؤال النهضة، وهي كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي "، وكتاب علي عبد الرازق " الإسلام وأصول الحكم " وتشيع نوعاً من التفكير النقدي التساؤلي، فقد تعرضت لحملة قاسية من طرف التيارات الإسلامية المتشددة والاتجاهات المحافظة، مما أدى الى توقف هذه الحركة في أول الطريق.
تجلّت المفارقة قديما بانتصار الغزالي على ابن رشد، وهو انتصار للفكر اللاهوتيّ المتشدّد على الفكر العقلانيّ المنفتح، وتجدّد انتصار الانغلاق على الانفتاح بهيمنة الدوغمائيّة الدينيّة على الفكر النقديّ. فهل يكون نجاح الفكر الجهادي العنيف في جدل مع فشل الفكر النقديّ؟ (1)
وبذلك، تكون حركة النهضة العربية في القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين، هي محاولة للخروج من الكهوف، حيث تجرأ بعض العرب على فتح كوة في الجدار السميك أو في السياج الدوغمائي المغلق ـ بلغة المرحوم محمد أركون ـ فدخلت بعض النسمات من الهواء الغربي المنعش لتزيل بعضاً من عفن الركود والجمود الذي تراكم في البيوت ليحولها لكهوف مظلمة، وتسرب شعاعاً من الشمس ظل ممنوعاً فأضاء ظلمة الليل الجاثمة منذ قرون. ولكن، سرعان ما أتت غيومُ وحجبٌ كثيفة فحجبت النور وسُدت الثقوب التي هرب منها النور، ليعود الظلام ليغطي النائمين السعيدين بأحلامهم الوسيطة في كهوف تورا بورا.....
(1) عمار بنحمودة موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود
مقالة: "من أسئلة المصلحين الى استنزاف الدين في خطاب الجهاديين"، يناير 2019.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف أخفقت اذن؟
علاء احمد زكي ( 2020 / 2 / 22 - 23:30 )
جهد مشكور على المقالة، لكني لم اجد في المقالة مايجيب على عنوانها
وملاحظة بان كتاب ابو حامد الغزالي عنوانه تهافت الفلاسفة، فالمذكور في المقالة كان مؤَلف ابن رشد وتعقيبه على كتاب الغزالي
اذا لم نواجه مصداقية الاسلام من الاساس والتاسيس، فتشدده وتزمته وسطوته ستعود بقوة بعد كل كبوة

مع التحيات

اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص