الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان المسلمين والشرط المجتمعي السوري

عماد يوسف

2006 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يجري الحديث عن قبول الآخر تحت مسميّات كثيرة، أهمها النهج الديمقراطي في التعاطي مع كافة الأطياف السياسية، مهما كان انتمائها ، ومهما كانت طروحاتها،يرى منظروا هذا الطرح بأن هذا هو السبيل الوحيد لتشكيل قطع تاريخي وبائن مع النزعة الإقصائية والإلغائية التي رسمت عمل كافة التيارات السياسية في القرن الفائت، كان ذلك واضحاً في الفكر السياسي الذي تبنته تلك التيارات ممثلة بالأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والتي تبنت جميعها مشاريع الخلاص المجتمعي، على الأصعدة الثلاثة، مجتمعياً، وسياسياً، واقتصادياً .
طرح القرن الواحد والعشرين تغيرات هائلة مع دخول العالم العربي دائرة الاقتصاد الرأسمالي المعولم، وهيمنة الثقافة النيو ليبرالية" new liberalism " التي تنطح لها الكثيرون من رواد الفكر العربي المعاصر" وأغلبهم كانوا ينتمون لاتجاهات يسارية قومية وماركسية " ، بالإضافة إلى الكثير من المثقفين والعاملين في الشأن العام في العالم العربي، ترتب على ذلك الدخول استحقاق تاريخي لا يمكن بحال من الأحوال الهروب من مواجهته، تجلىّ هذا الاستحقاق في اشكالية قبول الآخر بكل تلاوينه، بغض النظر عن الشرط الموضوعي والمجتمعي لهذا الآخر، وبغض النظر عما يشكله هذا الآخر من حامل اجتماعي قد يذهب بمجتمع كا لمجتمع السوري إلى الضياع ، إذ يعمل الكثير من المثقفين اليوم على فصل كلّي، وغير موضوعي للرؤية الديمقراطية لديهم التي أصبحت تتمتع بحساسية كبيرة ، برغم ما تحمله هذه الحساسية من متناقضات تفرض نفسها على واقع الخارطة السياسية المعقدة في أداء السياسيين العرب ، ففي الوقت الذي ترفض فيه السلطة في سوريا مثلاً، قوننة مدروسة للتيارات الإسلامية الأصولية وللأحزاب الدينية التي تمثلها، نرى عند الكثير من أطياف المعارضة السورية قبولاً للإخوان المسلمين، ورفضاً قاطعاً للتيارات القومية العربية، ونكراناً لها، ورفضاً للإعتراف بها وبوجودها، وربما سعت إلى رفع نعشها عالياً وإعلان وفاتها كما حصل في العراق حين تم اجتثاث حزب البعث من الخارطة السياسية العراقية، بينما نرى فئة كبيرة من هذه المعارضة تعترف وتعمل مع أحزاب ترفع راية القومية الكردية مثلاً ، أو الآشورية أو غيرها من القوميات تحت ذريعة تعرضها للإضطهاد التاريخي والسياسي .
هذه الإذدواجية رسمت معالم الفكر السياسي المعارض في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين وبداية الألفية الثانية، فاليوم يتبنى الكثيرون طروحات الإخوان المسلمين حول برنامجهم القادم للتغيير الديمقراطي في سوريا، بغض النظر عن قوة هذا التيار في الشارع السوري ، حيث ’يعتقد بأن الإخوان المسلمين هم الأكثر عدداً ويمتلكون أكبر حامل اجتماعي في سوريا، مع غياب واضح وجلّي، وكبير لكل التيارات السياسية الأخرى، التي من المفروض أن تحقق بعض التوازن السياسي ( من اليمين إلى اليسار، ومن الدين إلى العلمانية) في أي مجتمع في العالم . لقد شكّل غياب اليسار القومي والماركسي بسبب حملات الاعتقال والملاحقة من السلطة ، و تفريغ الساحة السياسية السورية من التيارات الليبرالية السياسية في مرحلة سابقة من تاريخ سوريا منذعام 1963، وكذلك إنهاك الإسلام التنويري في معادلة الولاء المطلق ، والتزاوج مع السلطة في طرح علمانية كاذبة، أدى ذلك كله إلى تفريغ الوعي المجتمعي السياسي السوري من كافة مورثاته التي خرج بها " على تواضعها " ، من مرحلة نظام الدولة البرلمانية الديمقراطية الحديثة التي عاشها في مرحلة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين ، لذلك كان من الطبيعي أن يعود الوعي المجتمعي الذي يشكل انعكاساً للواقع بحسب ماركس إلى مكوناته الأهلية الأولى كنتيجة للإفلاس الفكري الذي يعانيه، وبسبب غياب مشروع تنويري حداثوي ووضع اقتصادي مزدهر ، فعودة الوعي تكون في حالات كهذه بإتجاه الخلاص الإلهي ، الذي يجد فيه الإنسان المفرّغ فكرياً واقتصادياً، ضالته في قضايا كثيرة مطروحة عليه وعلى المجتمع، ترتبط بقيم كثيرة تشكل حيزاً كبيراً من حياة المجموعات البشرية، كالحق، والعدل ، والمساواة و الحريات، والخضوع لأولي الأمر، ونصيبه من الثروة التي يجد بديلاً عنها في الجنة، وغيرها من مفاهيم يفتقدها المواطن الذي يفتقر إلى ألف باء المواطنة والإنتماء الوطني .
كان حرياً بالذين يتنطحوا لديمقراطية " الإكسبرس " على الطريقة الأمريكية ، مع إيماننا المطلق بالديمقراطية السياسية"، كان حرياً بهؤلاء أن يمعنوا الرؤية في قبول تيار أصولي كالإخوان المسلمين، عاثوا في الوطن قتلاً وتفجيراً دون تمييز لطفل أو شيخ أو إمرأة، وكان حرياً بهم أيضاً قبول هذا الآخر مشروطاً بطاولة حوار تلتف حولها كراسي كثيرة، وملفات كبيرة، للإجابة عن الأسئلة المعقدة التي تحويها هذه الملفات، وللإجابة على سؤال على درجة كبيرة من الأهمية، وهو الشرط المجتمعي السوري، الذي يفتقد إلى القوى الديمقراطية العلمانية وإلى حواملها الاجتماعية، ولقوى اليسار العلماني التي ’فرِّغ منها هذا الشارع، حتى أصبح تربة خصبة لتيار كهذا، فهل والحال هذه يمكن قبول الإخوان المسلمين وضمهم إلى قوى المعارضة الديمقراطية، وائتمانهم على مصير بلد كسوريا، خاصة بعد أن مد مراقبهم العام علي صدر الدين البيانوني يده إلى كبير الفاسدين والمفسدين عبد الحليم خدام، وشكل معه جبهة خلاص، والطريف في الأمر أن البيانوني مارس بذلك ديمقراطية عتيدة في مد يده إلى خدام لأنه لم يستشر الشريحة الأكبر من إخوانه في ذلك، ولم يستشر أيضاً حلفاءه في سوريا الذي وقع معهم في تشرين الأول الماضي على وثيقة إعلان دمشق . إن كل القراءات تشير على أن ما يحرك هؤلاء هو الرغبة لدى الطرفين في الاستيلاء على السلطة واستعادتها في أتون النزاع القائم بين السلطة والإخوان من جهة منذ الثمانينات، وبين خدام والسلطة بعد خروجه مهزوماً منها في المؤتمر العاشر لحزب البعث في حزيران 2005 ، فهل يمكن التصديق أن البرامج السياسية تكفي لخلق حالة أمان لدى الناس، لتكون جسراً للعبور إلى مستقبل أكثر اشراقاً مما هو حال الحاضر المكلل بالسواد..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا