الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق يشهد انحسار المسيحية

صليبا جبرا طويل

2019 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اعادة الثقة بالشعور في الامن، والامان للأقليات
في الشرق يحتاج الى جهود مضاعفة. المناهج
المدرسية، والاعلام، والادبيات، والسلوك العنيف،
والتقليل من اهمية الحدث كلها مجتمعة تقرع ناقوس
خطر.

حكومات الشرق، تقف اليوم عاجزة عن وقف نزف الهجرة، بشكل خاص بين مواطنيها المسيحين، من منبت جذورهم التاريخي، الذي فيه نشأت الكنيسة المسيحية الاولى - القدس/فلسطين - وانتشرت منه للعالم أجمع. كل مثقف يدرك، ويعرف أن الصراعات، والحروب، والازمات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، وغياب الحريات، والحكم الديكتاتوري، والاستعمار، والشعور بعدم الانتماء، والاقصاء، والاضطهاد...الخ ، كانت وستبقى العوامل الرئيسة في النزوح، والهجرة الطوعية، أو الاجبارية من اماكن التوتر حول العالم.
مسيحيو الشرق يشكلون أقل من خمسة بالمئة من مجموع السكان. يقفون اليوم بين مطرقة الهجرة، وسنديان البقاء. مطرقة الهجرة كونّها الخوف الذي هدد وجودهم كأقلية، وشعورهم بانهم مستهدفون، وغير مرغوب فيهم من قبل تيارات، وجماعات تنادي، وتتهجم حتى من المنابر، بمعاداتهم، بترحيلهم لا لسبب، الا لأنهم أسوة بالغرب المعرف بالصليبي، يشتركون معه في تبعيتهم للدين المسيحي، في عرفهم ان الانتماء الديني يحدد الانتماء الجغرافي، وليس الاصول التاريخية للأفراد والجماعات، مما يسهل عليهم تقسيم العالم على اساس ديني. سنديانة البقاء هم، لأنهم يمثلون المكون الرئيس في الشرق، جذورهم موغلة في القدم، والتاريخ، والآثار، والمخطوطات القديمة، وخفايا اللغة العربية، واسماء الدول، المدن، والقرى، والتلال، والجبال ان تحققنا منها سنجد أنها أعجمية وقديمة التسمية وغيرها كثير لا يمكن محوه، شواهد تدل على جذورهم الاصيلة، وتواجدهم الموغل في القدم. بالرغم من صدق انتمائهم للقومية العربية – هم أول من نادى خلال النصف الثاني للقرن التاسع عشر - ، ومواطنتهم الصالحة ، تخرج عليهم أطراف عنيفة، متشددة تقف ضدهم بقوة وبشراسة، وتشجع على استئصالهم وتصفيتهم، واقتلاعهم من اوطانهم، رافعين شعار، يقوم على مبدأ لا انساني: " الكبار لهم القبور، والصغار ينسون".
للأسف، حتى المناهج المدرسية التي من المفروض ان تكون تربوية تتنوع فيها المعرفة، والثقافة، وتشمل كل مكونات المجتمع، وتراثهم الديني، والثقافي باتت اسيرة الطابع الديني الواحد "الاسلامي"، وتغيب كل ما هو أخر - اكن للإسلام دينا، ولاتباعه، وللقرآن الكريم، وللرسول محمد (ص) كل الاحترام - لإنتاج انسان مثقف، ومؤطر ، ومؤدلج دينيا فقط، انسان خارج عن هذا الكون. هذا التوجه يخالف كل العقائد الدينية في العالم، الداعية للعلم، وللتقدم وللتطور على المستويين العالمي، والمحلي. فرض مناهج يغيب الأخر منها دليل على تمييز عنصري، وعدم مساواة في المواطنة.
الشعور بالمسؤولية، وانتماؤنا للجنس البشري، يجب أن يدفعانا في هذا القرن - الحادي والعشرون - لان ننادي بفتح الملفات الجديدة منها والقديمة، حتى تلك التي عمرها اكثر من الفي عام، لكشف المظالم، والمآسي، والمجازر التي ارتكبت بحق كل شعب، وامة على هذه الارض، ودفعها لتطفوا على السطح، بدل من الاستمرار في دفنها في حفرة الماضي، وانكارها، وابقائها في بطون كتب التاريخ. ما تسبب في اراقة الدماء لا يمكن محوه من ذاكرة الشعوب. دفعها نحو السطح، والاعتراف بها مصلحة للجميع، وتصالح انساني يدفع نحو السلم المحلي، والعالمي.
سكان الشرق، معظمهم، جذوره قبطية، وآرامية، واشورية، وفارسية، وامازيغية، ...الخ حقائق ممنوع، ومحرم تدريسها في مناهج التربية، تمنع، خوفا من دفع الطالب الى النقاش، والتفكير. لا ينفي ذلك، ويلغيه الا من يسعى لمحاربة الحقائق، مستندا على طروحات عنصرية ترفضها الاديان، وحقوق الانسان. دول الشرق دخلها الاسلام في القرن السابع، غير مهم ان كان سلما، أو حربا. فخلال اربع قرون وبشكل خاص بين عامي 850م ، و1250م ازدهرت الحضارة العربية، العصر الذهبي – الحضارة الاسلامية - بمؤازرة وتعاون مسيحي الشرق، والفرس...الخ بالرغم ان معظم من برز من مفكرين في تلك الحقبة، تشير المصادر القديمة، انهم كانوا زنادقة – هذا يعني ان المجتمع السائد في ذلك العصر كان اقرب الى العلمانية بحسب تعريف عالم اليوم - مما يدل على تنوع المجتمع وتسامحه. الحضارة العربية اثرت العالم لكنها للأسف تلاشت، وساد الجهل، والانغلاق على الذات. فبعدما كنا رواد العلوم والفكر بتنا في اسفل السلم الحضاري. كعرب نحتاج الى ترميم مفاهيمنا حول كل من هو اخر يعيش معنا وبيننا، وخارج دولنا، كما نحتاج الى فهم اكبر للحضارات في عالم اليوم، نحتاج الى اعادة تحلل الزمن الذي نبغنا فيه حضاريا، وتحليل اسباب تراجعنا، كي نعيد بنائنا الحضاري.
بالرغم من وجود معاهدات قديمة، وتعهدات بين قادة المسلمين الذين أحتلوا الشرق، والمواطنين الاصلين للبلاد المفتوحة، فقد تم نقضها، والغاؤها، وعدم احترامها، خلال الانتقال عبر التاريخ بين فترة واخرى - لا يمكن انكار بان المسيحية شهدت الازدهار في بعض العصور- لكن الفترات العصيبة ساهمت في خفض مستوى الامن والامان خلال مسيرة التاريخ بين حاكم ظالم، واخر متسامح. التستر بعباءة الدين، بمعنى ادق" تزاوج الفكر الديني، مع الفكر السياسي، منع الحاكم من اصدار قراراته بحرية، ومنع رجل الدين من تقديم توصياته بحرية، بالتالي قدما، وكونا نموذجاً سياسياً دينياً يثبت حكمهم". التميز بين مواطن واخر، ظهر حين تم فرض نظام الجزية -نظام كان معمول به قبل الاسلام - والعبادات التي كان معمول بها حتى العهد العثماني، فكان لها اثر كبير على مسيحي الشرق.
الله جلا جلاله، خلقنا لنكون مسؤولين، واصحاب ارادة، وعقل مستقل، وأحرار ، كي نتشارك معه في اعمار الكون، ونعمل بوصاياه من اجل الخير العام. بذلك يكون الهدف الاسمى للجنس البشري محاربة الجهل ، والتخلف الحضاري مقابل الارتقاء العلمي. تخلفنا سببه لبس عباءة الدين، قادة تسربلوا بثوب الدين، فوجدوا، افضل وسيلة لإخضاع شعوبهم هو اثارة العامل الديني. ادبيات المدعوين بالمتطرفين، تستند الى آيات من القرآن الكريم، والى مناهج الحكم منذ عهد الرسول محمد (ص)، واحاديث نبوية شريفة، وقياس على ما وصل الينا من ادبيات السلف الصالح تتفق مع نهجهم، ومنهجهم. البعض لا يعترفون بهؤلاء المدعوين بالمتطرفين، يهاجمونهم، ويطلقون النعوت عليهم بوعي، وادراك ، ويصرحوا بأن هذا ليس من الاسلام، فيكفرونهم، بالرغم ان الاسلام ، يحضر تكفير المؤمن المسلم. على سبيل المثال، كتاب أبي بكر ناجي " ادارة التوحش" يستحق القراءة، خلال قرأتني للكتاب، شعرت بالحيرة، وتسألت هل المعلومات الواردة فيه صحيحة، ومصادره مؤكدة؟. من الضروري اخضاع هذا الكتاب الى مناقشة ونقد جاديين، فمن يمتلك الكفاءة، والاهلية فليتقدم ويصحح ما يحتويه من اخطاء ان وجد.
اراهن، واجزم بان كثير من البشر، بنسبة قد تصل في اقصاها الى خمسة بالمئة، فهموا قصد الله في كتابهم الديني، والبقية الباقية، تائهون بين الطقوس، والسجود، والركوع، والوقوف امام راعيهم الفاضل، الذي يستغل المقدس، ليستخف بعقولهم. المشكلة ليست في الاسلام، بل في من يضطهد كل مسلم يحاول أن يقدم قراءة عصرية للإسلام في زمننا المعاصر. الذين يؤمنون بالله، عليهم أن يؤمنوا ان الله يحمى كتبه المقدسة ورسالتها، من خلال اخلاقياتهم، وقيمهم، وسلوكهم، وعملهم، ومحبتهم لخليقته كلها، وليس من خلال شدة بطشهم، وقوتهم.
في خضم هذه المعمعة، أتساءل من المستفيد من انحسار المسيحية من الشرق؟ وهل هجرة المسيحين ستؤدي الى استقرار ونمو وتطور المجتمع؟ وهل مشاكله الاقتصادية الاجتماعية والسياسية ستزول؟ وهل الانتاج الزراعي والصناعي سيكفل معيشة الزيادة المتصاعدة بشكل صاروخي في عدد السكان؟ أسئلة تحتاج الى اجابات صريحة دون مواربة، وتهرب، ولف ودوران، وتضليل. مصير الشرق بات منذ اكثر من قرن في حكم المجهول. فهل سنستمر بسلبيتنا التي مارسناها منذ اجيال؟ الى متى سنمضى في تعليق عجزنا وضعفنا، وتخلفنا على الاخرين؟ ... عوضا عن اضاعة الوقت متعثرين في عدم ايجاد بدائل وحلول، لتكن اولى خطواتنا على الصعيد المجتمعي هي ضمان الحريات، مع تنفيذ برامج تربوية من الصفوف الدنيا الى الصفوف العليا تثقف، تدرس في مناهجها عن الاديان المتنوعة وتراثها، وتاريخها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah