الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلوم السوبر مستقبلية

حسن عجمي

2019 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعتبر السوبر مستقبلية أنَّ التاريخ يبدأ من المستقبل. لذلك تُحلِّل السوبر مستقبلية المفاهيم و الظواهر من خلال المستقبل كتحليلها للعِلم على أنه ظاهرة مستقبلية بقولها إنَّ العِلم قرار عقلاني إنسانوي مستقبلي قابل للاختبار. و هذا ما يجعل العلم مرتبطاً بعقلانية الإنسان و قيمه الإنسانوية و مرتبطاً باختبار الواقع في آن.

التحليل السوبر مستقبلي للعلم ينجح في التمييز بين ما هو علم و ما ليس بعلم ما يدعم مقبوليته و صدقه. فبما أنَّ العلوم قرارات عقلانية إنسانوية مستقبلية قابلة للاختبار على ضوء الواقع , إذن أية نظرية هي نظرية علمية إذا و فقط إذا هي عقلانية (باكتسابها قدرات ناجحة في تفسير الظواهر و حلّ الإشكاليات الفكرية) و قابلة للاختبار فإن لم تكن عقلانية و قابلة للاختبار فحينئذٍ هي ليست علمية. هكذا يختلف العلم عن اللاعلم.

مثل ذلك أنَّ نظرية النسبية لأينشتاين القائلة بأنَّ الزمن نسبي فيتباطأ أو يتسارع بتسارع الأجسام أو تباطئها هي نظرية علمية لأنها قابلة للاختبار و بالفعل تمّ اختبارها و اثبات صدقها اختبارياً على ضوء نتائج الواقع. السوبر مستقبلية العلمية تعبِّر عن علمية النظرية النسبية لأينشتاين لأنَّ بالنسبة إليها النظرية العلمية هي قرار عقلاني قابل للاختبار و النظرية النسبية قابلة للاختبار. هكذا تنجح السوبر مستقبلية في التعبير عن علمية النظريات العلمية فتكتسب هذه الفضيلة الأساسية.

أما النظريات العلمية التي لم يتمّ اختبارها فتبقى علمية أيضاً لأنها قابلة للاختبار على ضوء الواقع أي لأنه من الممكن اختبارها لخلوها من أية مجردات غير قابلة للاختبار. هكذا تنجح السوبر مستقبلية أيضاً في التعبير عن علمية النظريات العلمية التي لم يتم اختبارها بعد. مثل ذلك أنَّ نظرية الأوتار القائلة بأنَّ الكون يتكوّن من أوتار و أنغامها هي نظرية علمية رغم عدم اختبارها على ضوء الواقع في مختبرات علمية واقعية. و هي نظرية علمية من منظور السوبر مستقبلية لأنها قابلة للاختبار و إن لم تُختبَر بعد. و هي قابلة للاختبار لأنها تخلو من كينونات مجردة لا تقبل الاختبار في المبدأ فالأوتار مادية و أنغامها طاقات أسسها مادية ما يجعلها قابلة للاختبار.

لكن , من جهة أخرى , نظرية أنَّ الكون يتكوّن من ماهيات مجرّدة (كأن تكون هذه الشجرة شجرة لكونها تملك ماهية الشجرة كما يقول أرسطو) هي نظرية غير علمية لأنها غير قابلة للاختبار من جراء أنه يستحيل اختبار تلك الماهيات لكونها مجرّدة فغير مادية. هكذا نظرية الماهيات ليست نظرية علمية من منطلق السوبر مستقبلية لأنها غير قابلة للاختبار على نقيض نظرية النسبية لأينشتاين و نظرية الأوتار العلمية. و بالفعل نظرية الماهيات ليست علمية بل هي نظرية فلسفية محضة كما يتفق على ذلك العلماء و الفلاسفة اليوم. على ضوء هذه الاعتبارات , تنجح السوبر مستقبلية العلمية في التمييز بين العلم و اللاعلم و في التعبير عن علمية النظريات العلمية و لاعلمية النظريات اللاعلمية.

كما أنَّ التحليل السوبر مستقبلي للعلم يملك فضائل أساسية أخرى تدلّ على صدقه. من تلك الفضائل فضيلة أنه يضمن استمرارية البحث العلمي. فبما أنَّ , بالنسبة إلى السوبر مستقبلية , العلم قرار عقلاني إنسانوي في المستقبل , و علماً بأنَّ المستقبل غير متحقق كلياً في الحاضر و الماضي , إذن يتحقق العلم فقط في المستقبل على ضوء قراراتنا العقلانية و الإنسانوية ما يستلزم استمرارية البحث العلمي لكي يتحقق العلم. هكذا التحليل السوبر مستقبلي للعلم يضمن استمرارية الأبحاث العلمية بدلاً من إيقافها ما يجعله يكتسب هذه الفضيلة الأساسية. و بما أنَّ العلم يتحقق فقط في المستقبل , إذن يحررنا هذا التحليل السوبر مستقبلي للعلم من معارفنا و علومنا الماضوية ما يمكّنه من اكتساب هذه الفضيلة الأساسية الأخرى الكامنة في ضمان التحرر من معتقداتنا الماضوية و دفعنا نحو بناء معتقدات علمية و معرفية جديدة.

العلوم السوبر مستقبلية هي العلوم التي سوف تنشأ في المستقبل على ضوء قراراتنا العقلانية و الإنسانوية القابلة للاختبار. فبما أنَّ العِلم قرار عقلاني إنسانوي مستقبلي قابل للاختبار , إذن تتشكّل العلوم في المستقبل على أساس القرارات العقلانية و الإنسانوية معاً ما يحتِّم نشوء علوم جديدة لم نعهدها سابقاً لأنَّ المستقبل غير متحقق كلياً في الحاضر و الماضي. من العلوم السوبر مستقبلية التي من الممكن أن تولد أو على الأرجح قد تولد في المستقبل علم دراسة كل البشر على أنهم يشكّلون جسداً بيولوجياً واحداً لا يتجزأ. فثمة جسد إنساني واحد غير منفصل يتوالد و يحيا فيه كل إنسان.

لكن إن وُجِد هذا العِلم المعتمد على مبدأ أنَّ كل البشر يشكّلون جسداً بيولوجياً واحداً فحينئذٍ يتساوى كل البشر بما أنهم جسد بيولوجي واحد. هكذا هذا العلم السوبر مستقبلي هو قرار إنسانوي (بالإضافة إلى كونه قراراً عقلانياً) لأنه يعتمد على مبدأ المساواة بين جميع البشر و يتضمن مبدأ المساواة بين الجميع. من هنا هذا العلم السوبر مستقبلي الممكن يُفعِّل المساواة بين كل البشر و بذلك هو إنسانوي بامتياز. كما أنه علم يضمن حريات جميع البشر لأنه إن كان كل البشر جسداً بيولوجياً واحداً فحينئذٍ لا توجد حرية لإنسان معيّن من دون حرية الآخرين و حرية جميع البشر. هكذا يكتسب هذا العلم إنسانويته فهو يعتمد على الحرية و المساواة معاً و يضمنهما. و هو علم عقلاني أيضاً لأنَّ ما يصيب جماعة بشرية يصيب أخرى ما يشير بصدق إلى وحدة البشر و تشكيل أجسادهم لجسد واحد لا يتجزأ.

من العلوم السوبر مستقبلية الممكنة أيضاً علم دراسة كل الظواهر الكونية على أنها تشكّل ظاهرة واحدة لا تنفصل ما يعبِّر عن وحدة الوجود بمعنى وحدة كل الظواهر و الحقائق. فظواهر الكون معتمدة في وجودها و تشكّلها على بعضها البعض ما يدلّ على وحدة كل الظواهر و تشكيلها لظاهرة واحدة غير قابلة للانفصال. و هذا يرينا عقلانية هذا العلم السوبر مستقبلي الممكن. لكن إن كانت كل الظواهر الكونية ظاهرة واحدة فعندئذٍ لا بدّ من معاملتها جمعاء بتساو ٍ لكونها واحدة موحَّدة و بذلك مثلاً لا بدّ من اعتبار أنَّ الكون يمتلك حقوقاً مطابقة لحقوق الإنسان كحق الكون في أن لا تُستنزَف موارده و حق الأرض بحيوانها و نباتها و مياهها في أن لا تُقتَل و أن لا تُلوَّث. هكذا هذا العلم الذي يدرس الكون على أنه ظاهرة واحدة لا تتجزأ يتضمن المساواة في توزيع الحقوق على كل الكائنات و الموجودات في الكون ما يجعله قراراً إنسانوياً بامتياز تماماً كما هو قرار عقلاني ما يؤكِّد بدوره على علمية هذا العلم علماً بأنَّ العلم قرار عقلاني و إنسانوي معاً.

كل هذا يرينا إمكانية صياغة علوم جديدة على ضوء أنَّ العلم قرار عقلاني إنسانوي في المستقبل تماماً كما تقول السوبر مستقبلية. أما العلوم التي نعرفها حالياً فهي أيضاً سوف تتشكّل في المستقبل إن صدقت السوبر مستقبلية. مثل ذلك أنَّ كلاً من نظرية النسبية لأينشتاين و نظرية ميكانيكا الكمّ سوف تتشكّل في المستقبل بمضامينها الحقيقية حين يتمّ اكتشاف نظرية كل شيء الناجحة في التوحيد بين النظريتيْن العلميتين السابقتين و اظهار مضامينهما الخفية رغم التعارض الظاهر بينهما (فنظرية النسبية لأينشتاين تقول بحتمية القوانين الطبيعية بينما نظرية ميكانيكا الكمّ تقول باحتمالية القوانين الطبيعية و عدم حتميتها). و بالفعل العلماء ما زالوا يبحثون عن نظرية كل شيء التي سوف توحِّد بين النظرية النسبية لأينشتاين و نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية و إن تمّ اكتشافها في المستقبل فسوف تغيِّر مفاهيمنا الأساسية حيال الكون. هكذا علومنا اليوم تتضح أكثر في المستقبل و تكتسب مضامينها الخفية و الجديدة في المستقبل فقط ما يجعلها تتكوّن حقاً في المستقبل. لا عِلم بلا مستقبل تماماً كما لا مستقبل بلا علم. العلوم التي لا تتشكّل في المستقبل علوم ميتة. العِلم الذي لا يولد في المستقبل لا يولد أبداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر