الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (5 من 6)

علي سيريني

2019 / 3 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان جمال الدين الأفغاني رجلا ذكيا، يعرف كيف يسوّق نفسه كمصلح ديني و رائد للأمة الإسلامية. فهو كشيعي و ماسوني في نفس الوقت، كان يحرص على لقب الإمام لنفسه، بين الشيعة، و عند السنة حين كان يقصدهم في إسطمبول و مصر. عند الشيعة كان يظهر بلباس رجل الدين الشيعي، و حين كان يأتي إلى أمصار السنّة يلبس لباس علماء السنة. كان إيرانيا، لكنه كان يعرّف نفسه كأفغاني في العالم السنّي. كان ماسونيا و متماهيا مع الفكر الغربي الإلحادي، الممتد من فلاسفة أمثال فريدريك نيتشه. و كان على إتصال مع البهائية، و يؤكد لزعماء البهائية أنه يعمل من أجل نفس الهدف الذي تناضل من أجله البهائية. كان محمد عبده متأثرا بإمامه الأفغاني، إلى درجة جنونية. ففي رسالة كتبها إلى الأفغاني، و استغرب رشيد رضا محتواها بعد نشرها في مجلة المنار، يصرّح عبده لأستاذه الأفغاني كل معاني العبودية و الإخلاص و التذلل (الرسالة موجودة في النت). لكن عبده حرص على لقب الإمام لنفسه كسلفه، و هو ما عُرف به أيضا، و قورن إسمه بلقب الإمام كأستاذه. و في هذه الدائرة، حذا حسن البنا حذو أسلافه و أطلق لقب الإمام على نفسه، و هو ليس بعالم أو فقيه، بل هو شاب في مقتبل العمر. و الغريب حقا، أن الإخوان المسلمون، رغم مرور حوالي سبعين عاما على إغتيال إمامهم، و مع ظهور علماء كبار في السن بينهم، لكن مازال هذا الشاب، معلّم اللغة العربية و الصحافي بالممارسة (أسس جريدة و كتب فيها مقالات) يحتفظ دون غيره بلقب الإمام، بينما صورته محفورة في ذاكرة و وجدان الإخوان إلى درجة تشبه صورة القديسين و المعصومين.
من الممكن القول، أن جماعة الإخوان المسلمين أصبحت الدائرة التي جسدت الإحيائية الإسلامية و الحاضنة التي استقر فيها مجرى الإنطلاق، الذي يسمى بالإصلاح الديني أو التنوير و الحداثة و التجديد في الإسلام. ما يجمع في الظاهر، بين البروتستانتية المسيحية و البروتستانتية الإسلامية، هو فتح باب الإجتهاد. فالبروتستانتية المسيحية فتح باب العلاقة بين الأفراد و بين الدين (لا سيما النصوص الدينية خصوصا بعد ظهور طبعات مترجمة للإنجيل بلغات أوروبية غير اللاتينية). و بهذا استطاعت البروتستانتية المسيحية، القضاء على إحتكار رجال الكنيسة و إدعائهم أنهم الوسطاء الشرعييون بين الأفراد و بين المقدس. أما الإحيائية الإسلامية (البروتستانتية الإسلامية)، اعتبرت تراث المسلمين الذي يحتضن مجرى تدفق الإجتهاد و الإبداع دون توقف، منذ بعثة الإسلام، وعبر الألوف من العلماء و المختصين في شتى العلوم، تراثاً جامداً و متخلفا يحتاج إلى التجديد و إعادة صياغته وفق قواعد غربية. و مضمون هذا التصور هو، أن تراث المسلمين لم يعد صالحا لهذا الزمان الذي يتربع الغرب فوق قمة إبداعه. و من هذه الزاوية، فتحت الإحيائية الإسلامية الباب على مصراعيه، للأفراد جميعا أن يقدموا اجتهاداتهم و تصوراتهم و أفكارهم و هذا ما أدى إلى ولادة جماعات تلو جماعات، و أحزاب وراء أحزاب من جماعة الإخوان بحجة التجديد و التحديث و التصحيح و الإصلاح. بإختصار، أخضع البروتستانتييون الإسلامييون الإسلام كدين خاضعا لأهواء و رغبات الأفراد و الجماعات. و عززت الوهابية (كدعوة عودةٍ إلى سلف أمة الإسلام) هذا التوجه الإحيائي البروتستانتي الإسلامي، لأن هذه العودة أمست من دون تلك الأدوات التي تصقلت لدى العلماء و الجمهور عبر قرون، مما حول العودة إلى فهم السلف عودة مجردة من أدوات العلم، ومقتصرة على فهم ساذج و ظاهري، خالٍ من الإمكانية العلمية و التراث الشرعي. وحين أختزلت العودة إلى السلف إلى هذا المستوى السطحي، و هو مستوى متخلف، فإن الإحتجاج الديني و الإستدلال بالسلف أصبح مبتذلا، و سهل التناول لدى أي فرد حتى و لو لم يكن ذو إمكانية علمية. لذلك، نجد شبابا في مقتبل العمر يتصدون للدعوة الإسلامية مبدين ظهورهم في لباس مشيخة منفرة للطبع السليم، وهي أشبه بمضمار مهرجانات المبارزة الشعرية. إذن، فإن هذا الإتفاق الظاهري، في إطلاق الأفراد نحو النصوص الدينية، هو شئ واقع بين البروتستانتية المسيحية و الإسلامية. لكن جوهر المعادلة، و من ثم نتائجها و عواقبها تختلف اختلافا جوهريا بين هاتين الدائرتين. فالبروتستانتية المسيحية مهدت للتعليم، و فتحت الباب أمام الناس للعودة إلى الإتصال بكتابهم المقدس، و حثتهم على إجتراح التفسير و الفهم الذي يطور حياتهم، و هذا ما تم خصوصا في إصلاح الوضع السياسي و القانوني المتصل بالأفراد و الجماعات. و كما ذكرت في الحلقات السابقة، أن النظام السياسي بدأ يتغير بإتجاه تحسين شروط الحرية و حقوق الإنسان، و بدأ ذلك في جنيف و زوريخ في ظل البروتستانتية، ثم انتشر بإتجا أوروبا الشمالية بإضطراد. لكن البروتستانتية الإسلامية، دفعت بأفرادها نحو الوقوع في هاوية الفراغ العلمي و الثقافي المتطلع إلى الخلاص، بحبل من ثقافة أجنبية و هي الثقافة الغربية، و بحبل من الوهم الذي صوّرته البروتستانتية الإسلامية أنه فهم معاصر وإصلاحي للإسلام. هذا بالنسبة إلى الإخوان المسلمين و الجماعات الإسلامية التي تفرعت منها. أما الوهابية و جماعاتها (و علينا أن نلاحظ مواقع الإندماج بين هذين المصدرين في جماعات إسلامية كثيرة)، فهي فضلا أنها دفعت الأفراد المسلمين، نحو هوّامات الإقتداء بالسلف، ليس عبر التواصل الذي امتد من تراث قرون متعاقبة، فإنها تركت هؤلاء الأفراد عرضة لجنون التطرف و الإرهاب كسلاح انتحاري عاجز عن الإستجابة لمتطلبات الأفراد، على مستوى السياسة و الإجتماع و العلم و...الخ.
لذلك كله، و لأمور أخرى تحتاج إلى تفصيل أكثر، تحولت جماعة الإخوان المسلمين و الحركات التي تفرعت منها، و من ثم الوهابية و فروعاتها ، إلى البديل الواقع للإسلام، بينما الإسلام الذي ظل المهيمن لقرون عبر تراث غني و متتابع تراجع إلى زوايا النسيان و الخجل. فأصبح التراث الإسلامي يعاني غربة مزدوجة، غربة الإنسان المسلم عنه بسبب الهيمنة الغربية، و غربة الإحيائية الإسلامية عنه و التي ظلت أعين المسلمين محدقة نحوها على اعتبارها الإسلام المفترض. لهذا نجد أن أشد الناس اغترابا في الإحيائية الإسلامية هم العلماء و الفقهاء الذين حوربوا بحجج كثيرة منها أنهم مذهبييون، متعصبون، متخلفون، متحجرون و موالون لأنظمة الإستبداد. و مصطلح الإستبداد (الديكتاتورية باللغة المعاصرة) هو من صنع البروتستانتية الإسلامية ليس ضد الأنظمة العلمانية كما تدعي، بل وجِد لمحاربة سلاطين المسلمين من أمثال السلطان عبد الحميد. و في هذا السياق جاء كتاب عبد الرحمن الكواكبي (أحد رواد الإحيائية الإسلامية) حول الإستبداد، لنقض شرعية الخلافة و العلماء الذين التفوا حولها. ثم لملم إحيائي آخر و هو علي عبد الرازق هذه المفردات ليعلن أن أساس الخلافة نفسها غير شرعي و أنه لا وجود لشئ إسمه دولة الخلافة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكاثوليكية الاسلامية
متابع ( 2019 / 3 / 4 - 05:49 )
لا تنس توضيح الكاثوليكية الاسلامية في الجزء القادم
شكرا للكاتب المحترم
شكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا