الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المثقف في التربية والتعليم

صاحب الربيعي

2006 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن كان الرفد المعرفي للمجتمع يحفظ تاريخه الثقافي وعاداته وتقاليده ودياناته وبالمحصلة يشكل هويته وحضوره على الصعيد العالمي. فإنها يجب أن تكون حاضرة في ذهنية أبنائه فمن لايعي تاريخه لايعرف حاضره لايفكر بمستقبله، وهذا الحضور يتم تغذيته عبر التربية الهادفة لخلق مجتمع يعي هويته ويعرف موقعه ودوره في الحضارة الإنسانية وبالتالي مهامه المعاصرة ودوره في المستقبل.
ومسؤولية التربية الاجتماعية الهادفة تقع على عاتق المثقف الذي يزرع بذرة المعرفة والتاريخ والدين والقيم والعادات في ذهنية الجيل الفتي ويعزز ثقته بنفسه فيسير نحو المستقبل بعيون مفتوحة وبذهنية معرفية تعي مهامها ودورها في صناعة المعرفة الإنسانية.
يعتقد ((رونيه أوبير))"أن العلم والأخلاق والفن والدين لايمكن أن يستمر إلا عن طريق التربية التي هي عبارة عن نقل (زرع) المعرفة والقيم الروحية.......في ذهنية الكائن الفتي الذي يسعى إليها، فهي إذاً عمل جماعي من الطراز الأول".
وتتخطى التربية الهادفة مهمة تحديد الهوية ونقل الرفد المعرفي والروحي......لتسهم أكثر من خلالها بمهمة أسمى وأرقى وهي مهمة تهيئة الكائن الفتي ومنحه الفسح اللازمة لإظهار ملكاته ومواهبه الإبداعية الكامنة في لاوعيه الحضاري كونه أبن حضارة معرفية وتاريخ مشرف يمكنه الاستناد إليه للشروع في صناعة حضارة معاصرة ليجسد عظمة تاريخه بالحاضر ويسهم في بناء مستقبل الأجيال اللاحقة.
يرى ((هنري جولي))"أن التربية هي مجموعة الجهود التي تهدف لإتاحة الفسحة للفرد في كشف ملكاته الإبداعية المختلفة وتعينه على حُسن استخدامها وتوظيفها في الفعل الإنساني".
كما أن للمثقف دور كبير في إعداد الجيل المعاصر الذي يعي مصالحه ومهامه، وبالتالي واجباته وحقوقه كمواطن تجاه الدولة والمجتمع ليدرك ماهية العقد الاجتماعي والسياسي عبر اختيار ممثليه للسلطة بصورة صحيحة في الانتخابات. وبذلك يكون عنصراً مشاركاً، مشاركة فعلية في صنع القرار، ولايترك فريسة سهلة ينهشها السياسيون الساعون لتحقيق مصالحهم الخاصة.
هذه المهمة منوطة بالدولة باعتبارها الراعية لمصالح المجتمع وينهض بها المثقفون باعتبارهم ممثلين لسلطة المعرفة. ولايمكن لأية دولة في العالم النهوض بالمستوى والإعداد والتربية لتعميم المعرفة على مواطنيها دون أن يكون لها قاعدة واسعة من المثقفين القادرين على توظيف معارفهم، من خلال التعليم لإعداد جيل يعي مسؤولياته تجاه المجتمع البشري.
يقول ((جورج واشنطن))"أن حاجتنا المباشرة إلى المدارس والمعاهد العلمية لتعميم المعرفة والثقافة يعود إلى أن السلطة بحاجة إلى قوة ودعم من الرأي العام وما لم يتم تنويره لايمكنه اختيار ممثليه في السلطة بشكل صحيح وبالتالي فإن أحكامه تكون غير صائبة".
إن دور المثقف في التربية الاجتماعية الهادفة يفوق دور السياسي الذي لايرى أبعد من أرنبة أنفه نتيجة تغليب مصالحه على مصالح الدولة والمجتمع، فالأدوار الرئيسية في حياة الدولة والمجتمع، يتصدرها صفواته من منتجي المعرفة والمثقفين باعتبارهم المسؤولون عن نقل كنوز الحضارة عبر الأجيال لتأكيد هوية الأمة وتعزيز دورها ورفدها المعرفي في الحضارة الإنسانية.
وتقع مسؤولية الارتقاء بمستوى وعي المجتمع على المثقفين لأنهم العنصر الأساس في نشر الثقافة الإنسانية والقضاء على الأمية، فمكتسباتهم المعرفية أن لم توظف في خدمة المجتمع لاقيمة لها. وتقاس درجة تحضر المجتمعات بعدد المتعلمين ومستوى تعليمهم، فالتربية الاجتماعية لايمكن أن تأخذ طريقها لذهن المواطن إلا من خلال التعليم الذي لايرتقي بمستوى وعي الفرد في المجتمع حسب، بل يمنحه القدرة على التعاطي مع العلوم المعاصرة للارتقاء بمستواه المهني والمادي. كما أن مهمة التعليم تتيح الفسح أمام الإنسان السوي لإحكام سلطاته على الكون المادي وتسخيره في بناء ذاته، وتعزز ثقته بنفسه للمساهمة في عملية البناء والتقدم الاجتماعي.
يقول ((دوركهايم))"أن الارتقاء بالوعي الإنساني غايتنا وهدفنا الأساس، فهي المحددة لسائر القيم والأهداف الأخرى......والتعليم الذي يهدف فقط لزيادة سلطاتنا على الكون المادي يعتبر تعليماً منافياً لمهامنا الأساس".
إن عملية فصل المهام الأساسية للتعليم إلى: تعليم من أجل رفع مستوى وعي الإنسان، وتعليم من أجل إحكام السيطرة عليه. يتعارض ومهام المثقف العنصر الأساس في عملية التعليم، إذ يجب أن يبدأ التعليم بالإنسان وينتهي به، لا أن تكون مهمته التحكم به وتسخيره لخدمة فئة اجتماعية محدودة ضد فئات اجتماعية أخرى.
ولايعني الارتقاء بمستوى وعي الإنسان عبر التعليم للتعاطي مع العلوم والتقنيات المعاصرة إطلاقاً القفز على سلسلة التراكم المعرفي لتاريخه بحجة تخلفه عن الواقع المعاصر، فإدراك الإنسان لدوره الحضاري ومديات محيطه المعرفي في الحضارة الإنسانية يعزز ثقته بنفسه ويدفعه أكثر لاكتساب العلوم المعاصرة، لما له من أثر معنوي عليه يحثه على استعادة دوره التاريخي في الحضارة الإنسانية.
عموماً التعليم هو عمل تربوي يهدف لتعريف الإنسان بتاريخه وثقافته وكنوز رفده الحضاري المتراكم عبر الأجيال ليكون مؤهلاً للتعاطي مع العلوم والثقافة المعاصرة، ويطلع المثقف بهذا الدور التربوي الهام في حياة الإنسان.
يرى ((رونيه أوبير))"لكي نستطيع أن نفهم العالم المعاصر بكل ما فيه من غنى علمي وفني وكل عوامله التاريخية الصانعة لعبقريته، لابد أن يجتاح التعليم الثقافي بشموليته كافة أبعاد العالم المعاصر".
لايقتصر دور المثقف في عملية التعليم على نقل المعرفة العلمية للجيل الفتي حسب، بل تعريفه بالتراكم الثقافي والمعرفي لأمته. فالمعرفة العلمية غير كافية لتأهيل الإنسان وتمكينه من خدمة مجتمعه، وأنما يتوجب عليه أن يوظف مكتسباته المعرفية لخلق معرفة جديدة تكون حلقة ضمن سلسلة التراكم المعرفي لمجتمعه لرفد الحضارة الإنسانية التي لاتقتصر على رفع شأن ذاته فقط وأنما رفع شأن أمته التي منحته الفسحة للنهل من تراكمها المعرفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟