الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صِراعُ الفُرس والعَرب.. إلى متى؟

مصطفى سامي
كاتب

(Mustafa Samy)

2019 / 3 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تأسّسَت الإمبراطورية الفارسية عام ٥٥٩ ق. م. قبل ظهور الإسلام في جزيرة العرب بما يزيد عن إحدى عشر قرناً، وامتدت الإمبراطورية الفارسية يوماً ما لتشمل مساحةً واسعة من العالم القديم في إيران والعراق وتركيا والشام ومِصر.
اتسمت أرض إيران بندرة المياه، ولعب ذلك دوراً أساسياً في التأثير على طبيعة الزراعة ونظامها وطبيعة الدولة الفارسية، حيث فرضت ندرة المياه مسافة بعيدة بين كل قرية وأخرى، وهكذا غدت القرية وحدة إنتاجية منعزلة ومكتفية بذاتها، لكنها أصغر من أن توفر قاعدة لقيام نظام إقطاعي، كما لم يكن هناك فائض إنتاج يسمح بوجود سيد إقطاعي بقصره وحاشيته. وهكذا لم تظهر الدولة والشكل الإقطاعي بالشكل الذي ساد جزءاً كبيراً من التاريخ الأوروبي، وإنما كانت الدولة تفرض سلطة استبدادية على الجميع، وقد كانت خاصية القتال والتنقل هي التي تمكن قبيلة معينة أو حلفاً قبلياً من إخضاع الآخرين وتشكيل دولة مركزية تستطيع إدارة عدد كبير من الأراضي والدفاع عنها وحفظ النظام فيها.
كان الإيرانيون يتحدثون اللغة الفارسية كما تواجدت إلى جانبها عدة لغات أخرى كالكردية والأوسيتية وغيرها، وكانت مفترق طرق بين آسيا وأوروبا أي بين الشرق والغرب فكانت تمر خلالها البضائع والشعوب والمنتجات والأعراف الثقافية، وقد أدى كونها مفترق طرق إلى احتوائها على مجموعة متنوعة من الجماعات العرقية واللغوية.

بالنسبة للعرب قبل الإسلام كانت تسود العلاقات المشاعية في غياب الدولة، وكان نظام المجتمع العربي قبلياً حيث ينتمي كل فردٍ منهم إلى حيّ من الأحياء على أساس الدم والنسب، ولكل قبيلة ملكية مشتركة تدعى الحمى ويحكمها مجلس من الشيوخ يتميزون بالسن أو الانتماء إلى أرستقراطية قديمة، ولكن لم يوجد بها جهاز حكومي أو موظفون أو قضاة أو سجون إلخ، وكانت القبائل فقيرة تعيش على الرعي أو قطع قوافل التجار أو نهب المناطق الزراعية.
ثم كانت هناك المدن التجارية مثل مكة، وهي عبارة عن جمهورية صغيرة يوجهها مجلس مشايخ أيضاً يدعى الملأ وليس لهذا المجلس سلطة قمع بل يعتمد على الضغط المعنوي والإقناع لتنفيذ قراراته، وكانت مكة محطة للقوافل العابرة، ثم أصبحت مدينة تجارية كبيرة.
وأخيراً كانت هناك المدن الزراعية مثل يثرب التي كان أكثر سكانها فلاحون فقراء، وقد عرفت الأراضي الزراعية العبيد الذين كانوا يعملون فيها ويُباعون معها لكنهم لم يشكلوا العنصر الأساسي للنظام الاقتصادي.
كانت الجزيرة العربية إحدى أهم الطرق الرئيسية التي ربطت الشرق الأقصى وشرق البحر الأبيض، وكانت التجارة العابرة مصدر غنىّ لمكة بالذات وكانت قبيلة بني هاشم تحتكر التجارة غربي الجزيرة كلها.

وقعت أول حربٍ بين العرب والفرس عام ٦٠٩ م في معركةٍ ذي قار في جنوب العراق وانتصر فيها العرب. وكان سبب تلك الحرب أن كسرى أبرويز الملك الساساني قد غضب على ملك الحيرة النعمان بن المنذر الذي حاول أن يوحّد القبائل العربية ويتخلص من سيطرة الفرس، لكن كسرى قبض عليه وسجنه حتى مات، وكان النعمان قد وضع أبنائه وأمواله وديعة عند شيوخ قبيلة بكر بن وائل، وبعد موته طلب كسرى من قبيلة بكر أن تسلم أموال النعمان إلى الفرس فرفضوا، فأرسل كسرى جيشاً لمحاربتهم، فوقفت بعض القبائل العربية إلى جانب قبيلة بكر وانتصروا على الفرس.

بعد ظهور الإسلام وانتشاره في جزيرة العرب ونجاح أبو بكر الصديق الخليفة الأول للنبي في سحق تمردات القبائل فيما سمي بحروب الردة بدأ أبو بكر الفتوحات الإسلامية وهي حملات ضد الامبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية، والتي ستؤدي بعد بضعة عقودٍ إلى قيام واحدة من أكبر الامبراطوريات في التاريخ.
تجدر الإشارة هنا إلى أن ردة القبائل العربية لم تكن ارتداداً من الإسلام كدين إلى الوثنية وإنما كانت محاولة للتخلص من الزكاة كإتاوة يجب عليهم دفعها، كما كانت محاولة من البعض بدافع العصبية القبلية لمنافسة قريش في الزعامة السياسية. وقد أنهكت تلك الحروب اقتصاد دولة المدينة المنورة الذي كانت أهم موارده الزكاة والخراج والجزية، فتعجل أبو بكر في غزو بلاد جديدة غنية لزيادة الموارد من خلال الجزية والغنائم.
بعد حروب الردة، أغار المثنى بن حارثة الشيباني ورجال من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك أبا بكر، فسأل عنه، فقيل له: "هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد". ولم يلبث المثنى أن قدم على المدينة المنورة، وقال للصديق: "يا خليفة رسول الله استعملني على من أسلم من قومي أقاتل بهم هذه الأعاجم من أهل فارس"، فكتب له الصديق عهدًا. وقرر أبو بكر الصديق توسيع حدود الدولة الإسلامية، بدءً من العراق إحدى أغنى الولايات الفارسية. اعتمد الجيش الذي فتح بلاد فارس أساسًا على المتطوعين للجهاد، تحت إمرة القائد العسكري خالد بن الوليد.
بدأت حرب العرب المسلمين ضد الإمبراطورية الفارسية في العام 633 م، حيث هزم جيش المسلمين الفرس في معركتين متتاليتين: معركة ذات السلاسل ومعركة نهر الدم. كان هدف المسلمين الاستيلاء على مدينة الحيرة، وبعد معركة نهر الدم، عاد جيش الخلفاء الراشدين تحت قيادة خالد بن الوليد مرة أخرى للحيرة؛ في الوقت نفسه وصلت أنباء الهزيمة في معركة نهر الدم إلى قطسيفون، فقرروا الاستعانة بالقبائل العربية الموالية لهم من سكان المنطقة.
أمر الامبراطور الساساني، أدرشير الثالث بتجهيز جيشين آخرين في نفس يوم معركة نهر الدم، فبدأت القوات الفارسية بالتجمع في عاصمة الامبراطورية. جاءوا من كل المدن والحاميات باستثناء من يحرسون الحدود الغربية مع الامبراطورية الرومانية الشرقية.
في غضون أيام قليلة، كان الجيش الأول مستعدًا، والتقى الجيشان في معركة الولجة التي كانت أطول وأشرس المعارك وانتصر فيها العرب المسلمون.
بعد القضاء على جيش فارسي آخر وحلفاءه من العرب المسيحيين في معركة أليس ومعركة الحيرة، عاصمة بلاد الرافدين في أواخر مايو 633 م، وتلا ذلك معركة الأنبار والنجاح في حصار عين التمر. مع سقوط المدن الرئيسية كلها في جنوب ووسط العراق، باستثناء قطسيفون، أصبح العراق تحت سيطرة المسلمين.
في عام 634 م، أمر أبو بكر خالد بن الوليد بالتوجه مددًا لجيوش المسلمين في الشام بنصف جيشه، وترك نصفه الآخر تحت قيادة المثنى بن حارثة الشيباني.
شكل الفرس في ظل الامبراطور الجديد يزدجرد الثالث جيشًا جديدًا وهزموا المسلمين في معركة الجسر، وأعادوا ضم العراق. كان الفتح الإسلامي الثاني للعراق تحت قيادة سعد بن أبي وقاص الذي هزم الجيش الفارسي في معركة القادسية في عام 636 م، وفتح قطسيفون "المدائن""، وتبع ذلك فتح الإمبراطورية الفارسية كلها.
من الجدير بالذكر أنّ ممن شاركوا في الحروب ضد الفرس جُموعٌ من المسيحيين من بني النمر، على رأسهم أنس بن هلال النمريّ، وقد آثر هؤلاء الانضمام إلى المُسلمين والقِتال تحت رايةٍ واحدة ضدَّ العجم، بعد أن جمعتهم الرَّابطة اللُغويَّة والقوميَّة العربية.

في خلافة عثمان بن عفان حدثت فتنة كبرى بين المسلمين حيث حدث خلاف سياسي واقتصادي نتج عنه خلاف عقائدي تاريخي انقسم على أثره المسلمون إلى طائفتين هما السنة والشيعة.
تطور الأمر حين أدت بعض السياسات التي يقوم بها بعض عمال عثمان في الشام ومصر إلى سخط العامة وأعلن بعض الثائرين خروجهم على عثمان وبدؤوا ينادون بالثورة على عثمان، وبالرغم من أن علي بن أبي طالب نفسه حاول دفعهم عن الثورة وحاول أيضا من جهة أخرى تقديم النصح لعثمان بن عفان لإنقاذ هيبة دولة الإسلام إلا أن عثمان قُتل في النهاية على يد الثائرين. وبعد ذلك أجمع المسلمون على الالتفاف حول علي بن أبي طالب يطلبون منه تولي الخلافة. وهنا يأخذ الفكر منعطفا جديدا حيث أن علي بن أبي طالب أصبح حاكما رسميا وشرعيا للأمة من قبل أغلب الناس.
ومع بداية الصراع بينه وبين الصحابة أمثال طلحة والزبير بن العوام ومعاوية "الذي كان في حقيقته صراعاً اقتصادياً حيث كان المسيطر على الحكم هو المتحكم ببيت المال الذي امتلأ بالموارد بعد الكثير من الغزوات الناجحة وتدفق أموال الزكاة والخراج والجزية وكنوز الغنائم"، بدأ يظهر مصطلح شيعة علي وهم أصحاب علي بن أبي طالب المؤيدين له، والذين ينظر إليهم الشيعة كمؤمنين بمبدأ إمامة علي، ومتبعين له من منطلق اعتقادي. ولكن بدأت في الظهور مجموعة في المقابل أطلقت على نفسها شيعة عثمان أعلنوا أنهم يطالبون بدم عثمان وقتل قتلته وتطور الأمر بهم أن أعلنوا رفضهم لخلافة علي بن أبي طالب الذي تباطئ في رأيهم في الثأر لعثمان. وعلى رأس شيعة عثمان كان معاوية بن أبي سفيان من جهة وعائشة زوجة النبي من جهة أخرى وبعد معارك مثل معركة الجمل ومعركة صفين وظهور حزب جديد هم الخوارج ومعركة النهروان، قتل علي بن أبي طالب على يد أحد الخوارج هو عبدالرحمن بن ملجم بسيف مسموم أثناء صلاة الفجر في مسجد الكوفة وقال جملته الشهيرة: "فزت ورب الكعبة".
في تلك الأثناء كان الإسلام ينتشر تدريجياً بين الفرس لكنهم لم يتعرّبوا كسكّان العراق والشام ومصر وإنما فضلوا الاحتفاظ بهويتهم القومية الخاصة، وامتزجت الثقافة الإسلامية بالثقافة الفارسية لتنتج عنها ثقافة جديدة مميزة.
خضعت الأراضي الفارسية لحكم الخلافة الأموية بعد قيامها، تلتها الخلافة العباسية، ثم الدولة الطاهرية وأخيراً السلالة العلوية قبل أن تعود سلالة فارسية للحكم هي سلالة الصفاريين. تعاقبت بعدها عدة سلالات على حكم الأراضي الإيرانية كان معظمها يتبع المذهب السني، وظل الشيعة أقلية حتى تحولت إيران إلى المذهب الشيعي رسمياً على يد الصفويين منذ العام ١٥٠١ م حيث قام الصفويون بتوحيد إيران وجعلها دولة مستقلة واتخاذ المذهب الشيعي الإثنى عشري مذهباً رسمياً للدولة، وكان لذلك التحويل أسباب سياسية واقتصادية أهمها أن تكون إيران الصفوية مختلفة عن الدولة العثمانية السنية ذات القوة العسكرية الكبيرة، والخشية من تعاون السنة في إيران مع العثمانيين، وضمان ولاء جميع الأراضي والسكان للدولة. ومع نهاية الدولة الصفوية كانت إيران قد تحول معظم سكانها إلى المذهب الشيعي وسيطر رجال الدين الشيعة على جميع المؤسسات الدينية.
حافظت الدول المتعاقبة على الحكم بعد الصفويين على المذهب الشيعي للدولة، وظل نظام الحكم ملكياً حتى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام ١٩٧٩ م التي حولت إيران من النظام الملكي تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي إلى الجمهورية الإسلامية في ظل المرجع الديني الشيعي آية الله خامنئي قائد الثورة بدعم من منظمات إسلامية ويسارية وحركات طلابية.

في شبه الجزيرة العربية تأسست المملكة العربية السعودية في العام ١٩٣٢ م على يد عائلة آل سعود وبمساعدة الحركة الوهابية بعد طرد العثمانيين وتوحيد معظم مناطق الحجاز.
في العام ١٩٣٣ م بدأت قصة اكتشاف النفط في المملكة، حين وقع الملك عبدالعزيز آل سعود اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. كانت المملكة العربية السعودية أحد الدول الخمسة المؤسسة لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" سنة ١٩٦٠ م والتي تهدف لتوحيد السياسات البترولية بين أعضائها لتحقيق عائد مناسب للدول المنتجة والمستثمرين، وضمان مقابلة الطلب على البترول بأسعار عادلة، وقد نمى عدد الدول الاعضاء في المنظمة سريعا ليصبح عشرة أعضاء في العام ١٩٧٣ م.
وفي إيران بدأ تاريخ صناعة النفط الإيرانية في عام ١٩٠١ م، عندما تلقى المضارب البريطاني وليام دارسي امتيازا من إيران لاستكشاف وتطوير موارد النفط في جنوب إيران. أدى اكتشاف النفط في عام ١٩٠٨ إلى تشكيل شركة النفط الأنجلو إيرانية(APOC) في عام ١٩٠٩ م ومقرها لندن. من خلال شراء غالبية أسهم الشركة في عام ١٩١٤ م، اكتسبت الحكومة البريطانية السيطرة المباشرة على صناعة النفط الإيرانية. في عام ١٩٥٠ م دفع الطلب الشعبي المستمر اقتراحا لتأميم صناعة النفط. وبعد ذلك بعام، شكلت حكومة رئيس الوزراء محمد مصدق الشركة الوطنية الإيرانية للنفط. أدى انقلاب ١٩٥٣ م بقيادة وكالات المخابرات البريطانية والأمريكية إلى إطاحة حكومة مصدق ومهّدت الطريق لاتفاق جديد للنفط. وفي عام ١٩٥٤ م، قام اتفاق جديد بتقسيم الأرباح بالتساوي بين الشركة الوطنية الإيرانية للنفط وشركة كونسورتيوم متعددة الجنسيات حلت محل شركة النفط الأنجلو-إيرانية. في عام 1973 وقعت إيران على امتياز جديد لمدة 20 عاما مع الكونسورتيوم.
وبدءا من أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، لم تحقق العديد من اتفاقيات النفط الدولية الإيرانية النتائج المتوقعة؛ حتى تلك الشركات النفطية التي تمكنت من استخراج النفط في مناطقها المحددة ساهمت كثيرا في إجمالي إنتاج النفط في البلاد. وبحلول الثورة الإسلامية ١٩٧٩ م، شكلت أكبر الشركات العالمية التي أبرمت اتفاقات مع شركة النفط الوطنية الإيرانية ١٠.٤ ٪ فقط من إجمالي إنتاج النفط. وخلال هذه الفترة، ظلت صناعة النفط الإيرانية منفصلة عن الصناعات الأخرى، ولا سيما الصناعات التحويلية. وعزز هذا الفصل أوجه القصور في الاقتصاد الصناعي العام للبلد.

في أثناء ذلك تذبذبت العلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية بين العداء والتعاون، وقد تميزت بانعدام الثقة المتجذر وصنع القرار المتسرع. إن العوامل التي ساهمت في هذه العلاقة ، مثل تسييس الحج والخلافات حول أسعار الطاقة ، كانت موجودة قبل الثورة الإيرانية ، لكن ثورة ١٩٧٩ م أبرزت وأظهرت بشكل أكثر دراماتيكية معركة القيادة الإقليمية.
كانت محاولات التقارب بعد الحرب في بعض الأحيان واعدة لكنها قصيرة الأجل وكانت شبه مستحيلة منذ عام ٢٠٠٣ م، مع نمو الاستراتيجيات الطائفية. لقد وجدت كل من إيران والسعودية شركاء طائفيين ليكونوا أكثر الأدوات فعالية لإظهار القوة في جميع أنحاء المنطقة. من المعروف على نطاق واسع أن النزاعات المسلحة بالوكالة في العراق وسوريا واليمن ولبنان والانتفاضات السياسية في مصر والبحرين تتمتع بدعم سياسي ومادي إيراني وسعودي. علاوة على ذلك ، وبما أن الأنشطة النووية الإيرانية السرية قد توسعت في عام ٢٠٠٢ ، فقد خشي السعوديون من حسابات إيران على المدى الطويل وقدرتها على جذب دول إقليمية تحت مظلة أمنية خاصة بها.
وقد استخدم كل جانب من الولايات المتحدة للاستيلاء على السلطة من جهة أخرى.

كانت العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية متوترة منذ الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ م التي أطاحت بالشاه الإيراني شاه محمد رضا بهلوي.
كانت إيران تتمتع بعلاقات صخرية مع المملكة العربية السعودية تحت حكم الشاه ، لكنها تحسنت في نهاية عهده عام ١٩٧٩ م. وكان كلاهما أعضاء أصليين في منظمة أوبك النفطية.
بعد الثورة، أصبحت المملكة العربية السعودية الحليف الأهم لواشنطن في المنطقة. في الحرب التي تلت ذلك بين إيران والعراق في الثمانينات والتي أودت بحياة مليون شخص ، دعمت المملكة العربية السعودية العراق رغم المخاوف من الدكتاتور صدام حسين.
شهد الحج السنوي للأماكن المقدسة الإسلامية في المملكة العربية السعودية ، والمطلوب من جميع المسلمين القادرين على الحياة مرة واحدة في حياتهم ، إراقة الدماء في عام ١٩٨٧ م عندما أقام الإيرانيون مظاهرة سياسية. واشتبك الحجاج الايرانيون فيما بعد مع شرطة مكافحة الشغب السعودية وقتل ما لا يقل عن ٤٠٢ شخصا. وقالت إيران إن ٦٠٠ من حجاجها قتلوا بعد أن فتحت الشرطة النار على الحشد. في طهران ، هاجم بعض المتظاهرين السفارات السعودية والكويتية والفرنسية والعراقية.
قطعت السعودية علاقاتها مع إيران في عام ١٩٨٨ م، مستشهدة بأحداث الحج التي وقعت قبل عام ، والهجمات الإيرانية على الشحن في الخليج العربي.
أعادت الدول العلاقات الدبلوماسية في عام ١٩٩٩ م حيث تحسنت العلاقات بعد أن تولى الرئيس الإيراني محمد خاتمي ، وهو معتدل سياسي ، منصبه في عام ١٩٩٧ م. ثم ازدادت حدة التوتر بعد الزيارات التاريخية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله إلى طهران في تلك السنة وخاتمي إلى المملكة في عام ١٩٩٩ م.
استأنفت مخاوف السعودية بشأن إيران وسط العقوبات الدولية المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي المتنازع عليه والخطاب القاسي المتزايد للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. دعم كل من إيران والسعودية الجانبين المعاكسين في الحرب الأهلية السورية والصراع في اليمن. كما أصبحت السعودية أكثر شبهاً بإيران بسبب الاتفاقية النووية التي تم التوصل إليها مع القوى العالمية.
بعد حادث التدافع والدمار الذي وقع في ٢٤ سبتمبر عام ٢٠٠٥ ، قالت السعودية إن ٧٦٩ من الحجاج قتلوا. وأظهر تقرير لوكالة أسوشيتد برس من دول أخرى أن أكثر من ٢٤٠٠ شخص قد قتلوا. وقالت ايران ان ٤٦٤ على الاقل من حجاجها قد قتلوا وألقت باللوم على "عدم الكفاءة" السعودي في الوفيات.
في ٢ يناير عام ٢٠١٦ م، أعدمت المملكة العربية السعودية ٤٧ شخصاً ، بمن فيهم رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر ، وهو شخصية مركزية في احتجاجات العرب الشيعة التي استوحاها الربيع من قبل الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية. أثار موته الاحتجاجات في الشرق الأوسط والهجمات على المنشآت الدبلوماسية السعودية في إيران. وردت السعودية بإعلانها أنها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر منتجٍ في أوبك منذ تأسيسها، في حين كانت إيران ثاني أكبر منتج إلى أن فرضت العقوبات عليها عام ٢٠١٢ م. وبالتالي، كان للآثار المترتبة على رفع العقوبات عن إنتاج إيران من النفط تأثيرٌ خطير على المكانة السعودية في أوبك. ففي ١٦ يناير ٢٠١٦ م أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية استكمال ايران سلسلة من الخطوات التحضيرية للاتفاق النووي. أتبع ما سُميّ بـ”يوم التنفيذ” برفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوباتها، وعلى وجه التحديد تلك التي تحظر الاستثمارات الخاصة وتفرض قيوداً على صادرات النفط.أعلنت إيران عزمها على “رفع المبيعات بمعدل 500,000 برميل في اليوم بعد رفع العقوبات وزيادة الصادرات الإجمالية إلى نحو 2,5 مليون برميل في اليوم خلال عام 2016. وفي وقتٍ لاحق، أصبحت مخاوف المملكة العربية السعودية حقيقة، حيث انخفضت أسعار النفط إلى 28 دولار للبرميل. وفي حين أنّ أسعار النفط كانت منخفضة بالفعل بسبب إغراق الأسواق بالنفط والمشاكل الاقتصادية الصينية، إلا أنه لم يسبق أن وصلت إلى مثل هذا الانخفاض منذ عام 2003. وقد بدأت وطأة انخفاض أسعار النفط تؤثر على المملكة العربية السعودية، وبخاصة الشعب السعودي، ومع معاناة الحكومة من عجزٍ في الميزانية، تم (استباقياً) تقليص أو إلغاء الامتيازات والبرامج الاجتماعية، مثل المنح الدراسية.
إن الدين ليس المسؤول فحسب عن العلاقة المتوترة بين القوتين الاقليمتين، ولكن إيران الشيعية والمملكة العربية السُنية (الوهابية) لديهما اختلافات جوهرية فيما يتعلق بالدين، مما يتسلل شيئاً فشيء إلى سياساتهما الإقليمية واختيارهما الحلفاء. هذا لا يعني أنّ الدين لا يلعب دوراً في علاقة وتصرفات البلدين، كما ظهر بوضوح في إعدام نمر النمر في يناير 2016.
وهكذا، في حين لعبت عدة عوامل دوراً في التدهور التاريخي للعلاقات بين القوتين الاقليميتين، إلا أنّ النفط كان السبب الرئيسي للصراع الحالي.
إنّ الدعم الإيراني للمنظمة الفلسطينية السُنية، حركة حماس، يثبت أن الدافع الرئيسي وراء اختيار إيران لحلفائها ليس الدين وحده.
على مر السنين، كانت الصراعات بالوكالة هي الساحة الرئيسية لمواجهة إيران والمملكة العربية السعودية لبعضهما البعض (بشكلٍ غير مباشر)، حيث بالكاد أثرت العواقب السلبية على البلدين. وفي أعقاب رفع العقوبات عن إيران، شعر كلا الجانبين بعواقب المواجهة الاقتصادية، والأهم من ذلك، شعر بها سكان كلا البلدين. وعلى ما يبدو، فإن التوصل إلى تفاهمٍ هو الحل الوحيد. إنّ الطريقة الوحيدة لمنع المزيد من الانخفاض في أسعار النفط هي تدخل أوبك، والتوجه نحو “تجميد الانتاج،” باتفاق كلٍ من المملكة العربية السعودية وإيران. لن يعود هذا بالفائدة على الخصوم من الناحية الاقتصادية فحسب، بل من شأنه أن يساعد أيضاً في التوصل إلى حلٍ طويل الأمد للصراعات السورية واليمنية.
تشترك الصراعات في الشرق الأوسط ، سواء في العراق أو لبنان أو سوريا أو اليمن ، في عامل مشترك: التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية. ولسنوات عديدة ، ألهب هذا التنافس أعمال العنف في مناطق مزقتها الحرب بالفعل وخلق ساحات قتال جديدة.
وبالتالي ، من الصعب تصور أنه يمكن للبلدين أن يجتمعا من أجل الصالح العام للمنطقة. ولكن عليهم أن يجدوا طريقة للتعايش إذا أردنا أن تكون المنطقة سلمية في أي وقت. حتى إذا لم يتمكنوا من حل التنافس بشكل كامل ، فلا يزال بإمكانهم احتواء عداوتهم. إن تحقيق هذا الأمر سيكون تحديًا كبيراً، لكن يمكن لكلا الطرفين اتخاذ خطوات الآن ستساعد على إنقاذ الشرق الأوسط من حافة الهاوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟