الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة المثقف بالمجتمع

صاحب الربيعي

2006 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتهم المثقف بأنه متعالي، نرجسي، يبني حاجزاً نفسياً بينه وبين الناس من خلال حصر علاقاته مع أقرانه من المثقفين بالرغم من أن مهامه ونتاجه الثقافي يعكس دفاعه عن قضايا المجتمع لكن ما يفصله عنه يثير العديد من الأسئلة!.
إن تم مناقشة تلك الاتهامات بحق المثقف من وجهة النظر الاجتماعية السائدة فإنها تقترب من الصدق، لكن عند مناقشتها من الواجهة العقلانية فإنها آراء أقل ما يقال عنها مجانبة للحقيقة لأنها اتخذت مساراً مزاجياً في إصدار أحكامها. فهي غير مستندة لأسس منطقية، وأنما تنطلق من نظرة سائدة تفترض خطاً بأن من يدافع عن حقوق المجتمع يتوجب عليه أن يبذل وقته بين أوساطه!.
هذا الافتراض يستند في طرحه لفهم سائد وخاطئ يكمن بعملية الخلط بين العمل الثقافي والعمل السياسي، فصدق الافتراض صحيح في العمل السياسي وعدم صدقه في العمل الثقافي. فمهمة السياسي تحقيق مطالب الجمهور والاستماع لآرائهم ومناقشة مطالبهم لأنه يشتغل في شؤون الجمهور باعتباره ممثلاً عنه فالجمهور هو الذي يصنع السياسي، والسياسي بدون جمهور لاقيمة وشأن له في الدولة والمجتمع. فالافتراض يصوغ علاقة مصالح متبادلة بين الجمهور والسياسي، وتحقيق تلك المصالح يتطلب التواصل بينهما.
إما العمل الثقافي الذي يفرض مهامه على المثقف يحصر مهمة المثقف بطرح الأسئلة على الواقع الاجتماعي السائد، وتعريف الجمهور بواجباته تجاه الدولة وحثه على المطالبة بحقوقه منها. ورفع مستوى وعيه حتى لايستغله السياسي، الساعي أبداً لتحقيق مصالحه وعلى حساب مصالح المجتمع.
إذاً مهمة المثقف تعكس علاقة مصلحة جديدة يستفيد منها طرف واحد، هو الجمهور دون المثقف بعكس علاقة السياسي بالجمهور (علاقة مصالح متبادلة). إضافة إلى ذلك فإن المثقف يبذل جهد فردي للارتقاء بمستوى وعيه وزيارة مكتسباته المعرفية للقيام بمهامه الأساس تجاه المجتمع وليس للمجتمع أياً دور في صناعة المثقف لكنه يسهم، مساهمة كبيرة في صناعة السياسي.
المثقف يستثمر الوقت في زيادة مكتسباته المعرفية لإنتاج معرفة جديدة تسهم رفد الحضارة الإنسانية بالشيء الجديد، والسياسي يستثمر وقته مع الجمهور لتحقيق مصالح متبادلة معه. وبهذا الإطار يمكن فهم علاقة المثقف بالمثقف وعلاقة المثقف بالجمهور، فهي علاقة تتأطر بمنحى عدم هدر الوقت والاستفادة منه في تطوير قدراته الذاتية للقيام بمهامه العاكسة لشكل المصلحة الوحيدة الجانب التي تحكمها قيم ومثل ميتافيزيقية أكثر منها واقعية.
يرى ((دانتي))"أن الشاعر-الفنان أحوج للصداقة والمحبة فليس كل عشير أو جليس بالصديق أو المحب. والصديق والمحب الذي يسعى للتسلية والمنفعة ليس بصديق. الصديق والمحب هو الذي يقدم لصاحبه حاجة باطنة في نفسه لصاحبه وبالعكس، والصديقان المحبان هما من يفهم أحدهما الأخر دون كلام، وهما من تمتزج روحهما وتتآلف نفسيتهما ويعكس أحدهما على الأخر صفاته وأنوار معرفته".
عموماً العلاقات الاجتماعية هي علاقات مصالح متبادلة، فالصداقة أن كانت تحقق مصلحة لجانب وعلى حساب الجانب الأخر فإنها علاقة استغلال وليست علاقة صداقة وأنما علاقة ميتافيزقية. وهذا الأمر يعكس صوره الواقعية عند أصحاب المهن الحرة في المجتمع، فغالباً ما تجمعهم علاقة لتحقيق المصالح المتبادلة وهي لاتخرج عن سياق علاقة السياسي بالجمهور وعلاقة المثقف بالمثقف وأن كانت العلاقة الأخيرة تؤدي منافع جمة للمجتمع وبدون مقابل!. بهذا الإطار من المصلحة يمكن نفي الاتهامات (التعالي، النرجسية....) الموجهة ضد المثقف من الجمهور.
تقول حكمة عربية:"إياك وكل جليس لايفيدك علماً، ولاتصيب منه خيراً".
إن الرسم الافتراضي لعلاقة المصالح بين فئات المجتمع ليس شكلاً نهائياً وقطعياً أو تبريراً مجحفاً بحق العلاقات الإنسانية وأنما هو شكل تنافسي-مهني يفرض حضوره على العلاقة فهناك مصلحة عامة تحقق مصالح كافة الأطراف تتخللها مصلحة خاصة تسعى لتحقيق الذات في إطار تنافسي حر يحقق للطرف الأكثر كفاءة منفعة أكبر.
وقد يتخطى التنافس حالته الايجابية لينال من مصلحة الطرف الأخر، بغية إقصاءه بأية وسيلة عن المنافسة لعدم القدرة على خوض المنافسة الحرة معه. ويمكن لمس ذلك بوضوح في العلاقة بين المثقف والسياسي على قيادة الدولة والمجتمع، فالسياسي في الغالب الأعم يفتقد للقدرة على التنافس الحر مع المثقف لذلك يلجأ لاستخدام أساليب خسيسة ومنافية للقيم (العنف، الاستبداد، والتهميش.....) بغرض إزاحة المثقف عن طريقه لتكون المسارات أمامه متاحة في استغفال العامة من الناس لتحقيق مصالحه الشخصية وعلى حساب المصالح العامة.
يقول ((دانتي))"أن الاختلاف بين المحبة الطبيعية (الغريزية) والمحبة العقلية الخاضعة للإرادة، هي أن المحبة الطبيعية لاتخطئ ولكن المحبة العقلية معرضة للخطأ بانحرافها إلى الشر والفساد. فهناك من يتطلع لسقوط الآخرين، ليرتفع شأنه وهناك من يخشى أن يفقد السلطان والحظوة والمجد والشهرة بارتفاع شأن الآخرين ولذلك فهو يسعى لسقوطهم".
عموماً علاقة المثقف بالآخرين، علاقة ذات بُعد واحد والمستفيد منها الأخر لأن المثقف يبني نفسه بنفسه ويجد من مهامه مناصرة القضايا الإنسانية مدفوعاً بهواجسه الميتافيزيقية، فالمجتمع يحصد المنفعة الكلية دون المثقف بعكس علاقة السياسي بالمجتمع فإنه يسعى للاستفادة القصوى من كل المهام التي يقوم بها وعلى حساب المجتمع. وعلاقة المثقف بالمثقف، علاقة ثقافية-تنافسية تعكس في وجهها الايجابي المساهمات المعرفية للمثقفين في الحضارة الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟